واشنطن : صوت الهامش
نشر موقع الـ (سايفر بريف) الأمريكي تحليلا إخباريا للسفير ألبرتو فرنانديز، نائب رئيس معهد بحوث إعلام الشرق الأوسط، حول خطوة إدارة ترامب على صعيد تحسين العلاقات مع نظام البشير في السودان، قائلا إنها جاءت في توقيت صائب لكن يجب توخّي الحذر الشديد نظرا لسِجِلّ هذا النظام.
وقال فرنانديز، الذي شغل سابقاً منصب منسق “مركز الاتصالات الاستراتيجية لمكافحة الإرهاب” في الخارجية الأمريكية، إن التوقيت هو كل شيء في السياسات المتعلقة بكون إحدى الدول راعية للإرهاب؛ ولاعتبارات سياسية -إضافة إلى تحسنات مفترضة في جهود مكافحة الإرهاب- تم إزالة كل من كوبا وكوريا الشمالية وليبيا في السنوات الأخيرة من قائمة الخارجية الأمريكية الخاصة بالدول الراعية للإرهاب، بينما ظل السودان في تلك القائمة.
ونوه الباحث عن أن السودان وُضعت في تلك القائمة عام 1993 لأسباب وجيهة للغاية: ليس فقط أنها استضافت أسامة بن لادن وعددا من الإسلاميين والجهاديين، لكن الحكومة السودانية كانت بالفعل متورطة في تيسير هجمات إرهابية طموحة خارج حدودها، كتلك المحاولة الفاشلة لاغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في أديس أبابا عام 1995؛ إن المؤامرة التي دبرها جهاديون مصريون بقيادة أيمن الظواهري كانت برعاية خاصة جدا من جانب السلطات السودانية.
ونبه فرنانديز إلى أن انقلاب عام 1989 الذي أتى بالجنرال عمر البشير إلى السلطة في السودان قد مكّن الجبهة الإسلامية الوطنية من فرْض أيديولوجيتها ورؤيتها في العقد الأول من حكم البشير؛ وكانت تلك الجبهة في أساسها جماعة إسلامية ناشطة تابعة للسعودية وجماعة الإخوان المسلمين؛ وبعد وجودها في السلطة سعت الجبهة الإسلامية الوطنية إلى الترويج للإسلام السياسي والثورة عبر أفريقيا وما وراءها؛ لكن جاء انعزال السودان والعقوبات والخطر الداهم بالحروب بالوكالة والهجوم الصاروخي الأمريكي عام 1998 على الخرطوم بعد تفجيرات سفارات الولايات المتحدة في شرق أفريقيا، إضافة إلى الصراعات الداخلية على السلطة – كل ذلك قاد النظام السوداني إلى كبح جماح طموحه الجهادي دوليا في أواخر التسعينيات.
وأشار الباحث إلى أن نظام البشير جعل يصب تركيزه منذ عام 1999 على البقاء في السلطة وتأمين حالة سلام مع المعارضة السودانية، لا سيما حركة جيش تحرير السودان، لإنهاء أطول حرب أهلية عرفتها أفريقيا.
وكان نائب الرئيس، علي عثمان طه، قد حصل على تعهّد شفهي من الحكومة الأمريكية بأن يتم رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب إذا هو أبرم اتفاقية سلام شاملة عام 2005؛ وقد بدأ التعاون في مكافحة الإرهاب بين المخابرات الأمريكية الـ “سي آي أيه” والمخابرات السودانية، وجهاز الأمن والمخابرات الوطني السوداني في أواخر عهد إدارة كلينتون وشهد هذا التعاون تكثيفا بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001.
وقد أبرم السودان اتفاقية السلام الشاملة في يناير 2005 لكنه ظل رسميا مصنفا دولة راعية للإرهاب؛ لقد غلب تأثير السمعة السيئة الناجمة عن الأزمة الدامية في دارفور على العلاقات مع أمريكا مقارنة بما كانت ترجوه الخرطوم من توقيع اتفاقية السلام الشامل؛ وبينما ظل التعاون على صعيد مكافحة الإرهاب قويا إلا أنه ظل مركزًا على التهديدات المرتبطة بتنظيم القاعدة.
وبعد نكوث الولايات المتحدة بتعهداتها (الشفهية) مع النظام السوداني، عمد الأخير إلى محاولة الاستعداد لكافة الاحتمالات: الحفاظ على القنوات مفتوحة مع الأمريكيين، وتشكيل علاقات مع منافسين لأمريكا كالصين وإيران، والوفاء -في قليل أو كثير- بشروط اتفاقية السلام الشامل، مع العمل على تقويض وإضعاف الخصوم المحليين والحيلولة دون وصولهم إلى السلطة.
وقد دشن السودان علاقات أمنية مع إيران كمعادل للولايات المتحدة والغرب؛ ولم تقتصر تلك العلاقات على التعاون في مجال صناعة الأسلحة المحلية ولكن امتد إلى العمل مع إيران لمساعدة حركة “حماس” أو “الجهاد الإسلامي” عبر تهريب السلاح إلى قطاع غزة؛ وفي مارس 2014 احتجزت إسرائيل سفينة إيرانية محملة بالأسلحة قبالة سواحل “بورتسودان” على البحر الأحمر بينما كانت في طريقها إلى قطاع غزة.
وتابع الباحث، أنه من دواعي السخرية، أن ما قطع العلاقات بين السودان وإيران لم تكن أفعال إسرائيل ولا عقوبات أمريكا، وإنما تجذُّر الصراع الطائفي والسياسي بين إيران من جانب والدول العربية السُنية بقيادة السعودية من جانب آخر: لقد وجد السودان نفسه مضطرا للاختيار بين الطرفين، ولن تستطيع إيران مكافأة السودان أو عقابه بالقدر الذي تستطيعه خصومها العرب – بذلك تبدو البراجماتية أكثر جاذبية من التطرفية في أعين نخبة الخرطوم الحاكمة.
ورأى فرنانديز أنه لم يعد هنالك سببًا وجيهًا اليوم للإبقاء على السودان دون حذف من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب مع بعض التحفظات السياسية شديدة الوضوح؛ فلا يزال نظام الخرطوم مدمنا لانتهاك حقوق الإنسان، ولا يزال شديد الفساد، وغير متسامح بطبعه إذا ما سنحت الفرصة؛ إن هذا النظام لم يتوقف عن دعم الإرهاب في الماضي لأنه تغيّر من الداخل وإنما لأنه تم الإمساك به أكثر من مرة أو لأن ثمن الاستمرار في هذا الدعم للإرهاب بات باهظا.
ونبه الباحث إلى أنه على الرغم من النجاح التاريخي لنظام البشير في الاستمرار في حكم السودان إلا أن ثمة وجاهة في وصف الخبراء للبلد بأنه “دولة مضطربة”: تستخدم الحروب وحالة عدم الاستقرار كأدوات لإدارة شئون الدولة؛ وعلى الرغم من انفصال جنوب السودان عام 2011 إلا أن السودان لا يزال ضخما؛ إذ يجاور سبع دول ممتدا عبر 8ر1 مليون كيلو متر مربع مهترئة الحكم يقطن فيها 41 مليون نسمة… إن أكبر تهديد إرهابي يأتي من دولة في تلك الأيام إنما ينبع من انفجارها من الداخل بشكل فوضوي أو من لجوئها إلى أنماط قديمة في الحُكم من استخدام النخبة للعنف، بما في ذلك الإرهاب كآليات للبقاء في السلطة – إن إبقاء السودان بشكل مفتوح على التزامه بأيديولوجية عدم التسامح والعنف لا ينبغي أن يتم تجاهله.
ورأى فرنانديز أن ثمة أسبابا قوية تتعلق بحقوق الإنسان للحفاظ على وجود مسافة بين واشنطن والخرطوم، لكن إذا ما كانت مكافحة الإرهاب تمثل أولوية، فإن الولايات المتحدة ينبغي أن تؤكد على التعامل مع النظام في الخرطوم لكن أيضا ينبغي عليها تعميق التعامل مع خصوم هذا النظام ومعارضيه، ولا سيما أبناء البلد من القوى السياسية … يجب عدم تجاهل أزمات الضواحي – دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وأبيي والشرق – لكن مع عدم تغليب تلك الصراعات على حساب المصالح الأمنية الأساسية الأمريكية.
واختتم الباحث قائلا إن الإدارة الأمريكية الجديدة تبدو بصدد اغتنام فرصة سانحة مبكرا لتحسين العلاقات مع نظام إسلاموي متحمس للتعاون لكن الأمر يستوجب توخي الحذر الشديد والمراقبة عن كثب بالنظر إلى سِجِلّ هذا النظام .