يتحقق السلام الاجتماعي بأربعة عناصر اساسية وهي: الامن، ومشاركة الجميع في وضع نظام الحكم، والاعتراف بالتعدد والتنوع والتوزيع العادل للسلطة والثروة.
يبدأ السلام حيث ينتهي الاضطراب والقلق في جميع انحاء السودان لأنه اذا ما تحرر الانسان من الخوف والقلق يستطيع ان يمضي الى دوافع الحياة الطبيعية ويكون متسامحا مع الذات والاخر . اما مشاركة الجميع في وضع نظام الحكم هو مفتاح السلام في السودان وتسبق هذه المشاركة شروط اساسية تتعلق بحقوق الانسان الطبيعية كحق الحياة والحريات بأشكالها المختلفة وحقوق تتعلق بقضية ضحايا الحرب الاهلية كضمانة حقيقة لأي عملية سلام قادم وهي تسليم المطلوبين الى المحكمة الجنائية ونزع سلاح المليشيات الحكومية و اعادة الحواكير الى اصحابها.
بالنسبة لمسالة الاعتراف بالتعدد والتنوع فهي من أساسيات الوحدة الوطنية والشعور بالانتماء للوطن الواحد لا سيما ان السبب الرئيسي في استقلال الجنوب عن الشمال وقيام الحركات التحررية في اغلب جغرافية السودان هو عدم الاعتراف بجميع مكونات الشعب السوداني ومكنوناتها الثقافية كجزء اصيل من السودان. يأتي مسالة تقسيم السلطة والثروة بصورة عادلة بناء على أسس ديمقراطية حقيقية تتم عبر التعداد الشامل للسكان والعودة الى النظام الفدرالي ثم التوزيع وفقا للكثافة السكانية في كل اقليم بالإضافة الى اتباع سياسة التمييز الايجابي في الاقاليم التي دمرتها الحرب والحكومة السابقة بطريقة متعمدة.
منذ قيام الثورة الأخيرة وسقوط حكومة المؤتمر الوطني لم يحدث تغيير حقيقي سواء من جانب واحد وهو مسالة الحريات وظل القتل والتشريد وانتهاك حقوق الانسان مستمرا في مناطق الحرب كما ان دواعي الحرب الحقيقة لا زالت قائمة ونفس الموقف الذي تعيشه الحكومة الانتقالية والحركات المسلحة التحررية كانت تعيشها الحركات مع حكومة المؤتمر الوطني من خلال حرب فمفاوضات جزئية لا تفضي الى سلام ثم حرب مع وجود اطراف ممانعة للتفاوض و اخرة تضع شروط غير قابلة التفاوض على طاولة الحوار.
إن الجريمة التي ارتكبتها قوى اعلان الحرية والتغير منذ بواكير ثورة ديسمبر هي انها تبنت العمل الاحادي واقصاء الاغلبية من شباب تنظيمات لها وجودها في الساحة السياسية نتج عن تلك الجريمة جرائم اخرى منها محاضنة العسكر في ميدان الاعتصام من خلال التفاوض معهم و عدم تحقيق اي نتيجة ايجابية بالإضافة الى ان قحت نفسها تعاني التشظي وغياب التجانس في الآراء والغالبية العظمى من قوى الحرية والتغيير قوى كانت تنوي الهبوط الناعم اما العسكريون فكانوا ترسانة امنية للبشير وخانوه لمصالح ذاتية وليست ثورية.
الوثيقة الدستورية تعتبر عقبة من عقبات تحقيق اهداف الثورة هذه الوثيقة للأسف لأول مرة في تاريخ الثورات اعطت العسكريون حق المشاركة السياسية وممارسة النشاط السياسي باسم المؤسسات الامنية ،كما اهملت قضايا اساسية منها المنظومة العدلية.
مفاوضات جوبا تجري الآن بين الحكومة الانتقالية والحركات المسلحة التي كانت تنضوي تحت لواء الجبهة الثورية ثم انقسمت ورغم ان المفاوضات الان في خواتيمه ألا أن ما تم النقاش حوله يصعب تنفيذه على ارض الواقع نسبة لغياب الارادة الحقيقة في التغيير من جاب اطراف تتبع للحكومة كما ان نصوص الاتفاق الذي سيوقع بالأحرف الاولى تعطي العسكريين مهلة كافية للنيل من ثورة الشعب السوداني كما ان الحركات المسلحة نست او تجاوزت اهمية امن المواطن قبل اي حراك تفاوضي.
الحركة الشعبية بقيادة الفريق عبدالعزيز الحلو من جانبها تتمسك بشرط اساسي يتمثل في علمانية الدولة صراحة او تقرير المصير الاول يبدو منطقيا لأنها تمتلك نسب نجاح عالية مقارنة بالأنظمة التي تتبنى الأيدولوجيات الاخرى والثاني حق اساسي ينص عليه المواثيق الدولية.
حركة تحرير السودان بقيادة الاستاذ عبدالواحد نور ستقدم مبادرة للحوار الداخلي الذي يجمع جميع السودانيين عدا المؤتمر الوطني ومن شاركه في تدمير السودان وحسب التفاصيل القليلة التي ترد في السنة قادة الحركة فان المبادرة تسبقها اساسيات لا يمكن التنازل عنها ومنها مسالة مطلوبي الجنائية و تنفيذ القرارات الدولية التي صدرت بحق نظام المؤتمر الوطني بالإضافة الى امن المواطن على ارض الواقع، وتعتبر هكذا مبادرات هي الانجح في تاريخ الثورات ومن النماذج الناجحة فرنسا، روندا ودول اخرى حلت صراعاتها بحوارات داخلية.
همجية المؤسسات العسكرية في السودان ضمن اسباب غياب الثقة بين العسكريين و بقية المكونات السياسية كما ان العسكريون بصفة عامة ميالون للفوضى حتى لا يحدث اي تغيير حقيقي تأخذ من حصتهم في السلطة او ينتهى بهم المطاف في المحاكم وكلنا نعلم تاريخ المؤسسة العسكرية ومساهمتها في تدمير السودان منذ الاستقلال.
كما ان الكليات العسكرية ظلت تستخدم سياسات عنصرية بغيضة في استيعابها للطلاب مما شكلت مؤسسات جهوية وعرقية منحازة.
السلام الذي ننشده حتما يأتي بأيادي سودانية اذا ما امن السياسيون بالوطن واحبوه يأتي السلام بعد ان تنتهي مظاهر المحسوبية والجنجويد وانصياع الجميع للواقع و الاعتراف بدواعي الحرب و السعي الجاد لحلها و السلام لا يعتبر سلاما اذا لم يكن سلام اجتماعي في المقام الأول، اما الحرب فيستمر اذا ظل الجنجويد هو المشرع والمنفذ والامر والناهي ويستمر اذا لم تترك النخبة الحاكمة اللعب بالنار ويستمر اذا فشلت الحكومة التي تسمى انتقالية و بمقدار نفوذ العسكر في السلطة يكون مقدار بعد السودان عن السلام.
الربيع محمد بابكر
28اغسطس 2020
Rabee1211@gmail.com