(الإنقاذيون) وصلوا مرحلة اللاعودة في خلافاتهم وصراعاتهم البينية المعلنة و الخفية المستترة , ولم يعد توحدهم و تحالفهم و تآمرهم وتربصهم بالمواطن السوداني , يصمد أمام الإنهيار الأقتصادي الكبير الذي حل بالبلاد , والذي ما تزال حلقات مسلسله المأساوي جارية العرض هذه الأيام , والذي هو بمثابة المحصلة النهائية لعملهم الفاسد وغير الصالح , ونتيجة حتمية لجهدهم الهادم لبنية المؤسسات والهيئات و المشروعات التنموية الحكومية , التي ورثوها بحالاتها الجيّدة من الأنظمة السياسية التي سبقتهم في حكم البلاد , وعندما نقول (الإنقاذيون) فإننا نعني حزب الراحل الترابي بكل أجنحته , وجميع من تحالف و تشارك وتآمر و تضامن معه في إدارة البلاد , منذ تنفيذ الإنقلاب العسكري المنحوس , وإلى لحظة كتابة هذه الأسطر وانهمار حبرها , فهؤلاء (الإنقاذيون) عبارة عن جوقة من المرتزقة , ولفيف من الإنتهازيين و الوصوليين و حارقي البخور و ضاربي الدفوف , الذين سهروا على حراسة نظام كهنة الهوس الديني من (الإخوان) , و حرصوا على بقائه جاثماً على صدر الشعب السوداني ثلاثون عاماً حسوما , فالمندغمون في هذه الجوقة المنحرفة قدِموا من الأحزاب و التنظيمات السياسية السودانية الأخرى , تلك المعروفة و المعهودة لدى المواطن السوداني , من إتحاديين (احمد بلال عثمان) و حزب أمة (حسن إسماعيل) و شيوعيين (سبدرات) و حركات مسلحة (أبو قردة) , فأسهموا في إطالة سنين عمر سيئة الذكر (الإنقاذ) التي تأبى الأحتضار و الإستسلام للموت , إلا بعد أن قامت بتقطيع أوصال الوطن و بقر أبدان مواطنيه وبتر اجسادهم وجزرها وتفتيتها إرباً إرباً , لذا يكون مصطلح (إنقاذيين) هو الأشمل و الأكثر إحتواءً لكل من ساهم في التصفيق للباطل , ودعم إستمرار منظومة القهر والجبروت و الحكم غير الرشيد , فهذا هو التعريف الإصطلاحي الجامع لكل من ولغ في إناء (الإنقاذ) الآسن , و التعبير الدقيق و المانع لخروج أوهروب الذين يحاولون القفز من على سطح سفينة (الإنقاذ) الآيلة إلى الغرق , وهو الإصطلاح الأوسع ماعوناً من ما ظل يردده عامة الناس الطيبين , بأن كل بلاوي السودان جاءت من تحت عباءة (الإخوان) وحدهم لا شريك لهم.
لقد شُغلت الأسافير و منتديات ومنصات التواصل الإجتماعي بزخم من الصوتيات و المكتوبات , التي أصدرها عددٌ من رموز دولة (المشروع الحضاري) المزعوم , ناقدين وناقمين على طاقم إدارة البلاد الموجود في كابينة القيادة اليوم , متبرئين من الإنتماء لهذه الجوقة , التي جعلها القدر أن تكون آخر وجه من وجوه القبح للمنظومة (الإنقاذية) , ذلك الوجه المعبّر عن كل الشخوص المشتركين و المشاركين في إرتكاب الجريمة , التي نُفذت فجر الثلاثين من يونيو من ذلك العام الخاتم لعقد ثمانينيات القرن المنصرم , فمن هذه الصوتيات الأكثر اندياحاً في دهاليز السايبر , تلك المنسوبة إلى الدكتور الجميعابي راعي منظمة انا السودان , و أحد كوادر الإخوان المسلمين الذين لمع نجمهم بعيد الإنقلاب الذي أطاح بالديمقرطية الأخيرة , فهو رئيس المنظمة الشهيرة آنفة الذكر ومقرها منطقة المقرن (في العام 2002) , والتي لم تسلم من إطلالة شبح شبهات الفساد المالي و الإداري عليها , فكلما ذكرت (أنا السودان) في ذلك الوقت ذكر الجميعابي و أمينها العام هشام الريدة , وكيف ان الرجلين وقفا سداً منيعاً في مواجهة الدكتور (محمود ابراهيم) رئيس إحدى قطاعات ذات المنظمة , الذي تم تعيينه مركزياً لتولي مهمة تأسيس وإنشاء فرعيات المنظمة الثلاث في كل من الفاشر و الجنينة و نيالا , عندما وقف بإصرار عنيد مناهضاً لمسلك الفساد و الإفساد الذي كانا ممارساً في أروقة المنظمة (الإخوانية) المسنودة من قبل السلطة (الإنقاذية) , الأمر الذي أدى في الآخر إلى الإطاحة بالدكتور (محمود إبراهيم) ونائبه (ياسر الطيب) في سيناريو مركزي متغطرس ومتجبر , أدى دوره بالتمام و الكمال الثنائي جميعابي و هشام , وذلك عند قيامهما بسحب عربة المنظمة ومتعلقاتها من الثنائي الآخر محمود وياسر , ومن ثم قاما بطردهما من مكتب المنظمة الكائن بمقرن النيلين آنذاك في مشهد مهين و مذل , لم يرقى إلى أولى أولويات مباديء وأبجديات العمل المؤسسي و الطوعي , الذي يجب ان يكون السمة البارزة لأي منظمة من منظمات العون الإنساني , فعكس ذلك التصرف والسلوك غير اللائق الذي صدر من الرجلين بحق الرجلين الآخرين , مرارة الصراع الجهوي والإثني الذي اندلع بين الإنقاذيين أنفسهم , في المفاصلة القبلية والجهوية التي قادها علي عثمان وصحبه في رمضان / ديسمبر من العام 1999 ميلادي , فيومها لم يكن دكتور جميعابي وصديقه هشام يعلمان أن ظاهرة الفساد التي عمّت مؤسسات منظومة (الإنقاذ) ورموزها , ستكون وبال عليهم و تجعلهم يهذون مثل الذي أوتي كتابه وراء ظهره ودعا ثبوراً كثيرا , تماماً كما هو حاصل اليوم , حيث أننا نشاهد ونقرأ ونسمع بياناتهم و تسجيلاتهم , التي يستققصدون بها محاولة التبرأ من جماعتهم الإنقاذية المهددة بالزوال في يأسٍ مبين.
وأيضاً رشح من تلك الوثائق الصوتية المبثوثة عبر اثير تطبيق (واتساب) , حديث البروفسور مالك حسين , ذلك الصديق الحميم و النديم الهميم للراحل حسن الترابي , وهو يزفر نفساً حارقاً وخطاباً ساخطاً على جماعته , جماعة الإخوان المسلمين أو ما تسمى بالحركة الإسلامية بكل إنشقاقاتها وتقسيماتها و اجنحتها وفروعها , منطلقاً من منبر الطيب مصطفى ذات مساء في إحدى الإفطارات الرمضانية , التي درج على تنظيمها صاحب المنبر الذي دعم بقوة عملية إنفصال السودان الجنوبي , موجهاً نقده اللاذع إلى حزب المؤتمر الوطني الحاكم ورئيسه البشير , متناسياً الدور الإصلاحي الذي كان يمكن ان يلعبه قبيل وقوع الفأس على الرأس , ذلك إبان مجالسته الدائمة لصديقه المرحوم عرّاب (الإنقاذ) في قصره المنيف بالمنشية , وليعلم الرجلان , البروفسور الفهيم (مالك حسين) و الدكتور الشهير (جميعابي) , اللذان اظهرا روحاً ثورية جارفة جاءت متأخرة جداً , في خواتيم عصر الظلام (الإنقاذي) الذي حملا عرشه على اكتافهم زمانا , أن حق إمتياز إمتطاء قطار خلاص وتخليص شعب السودان من فكي الأسد (الإنقاذي) قد فاتهما , بل وفات جميع رفقاء دربهما من الإخوانيين , فالأجيال الجديدة و الحديثة و الحاضرة كفيلة بإتمام مشروع التغيير , الذي بدأ منذ العام الأول لاندلاع الإنقلاب الكارثي , وفي أولى الصباحات الباكرة التي أعقبت ليلة السطو المسلح , على حكومة المتساهل و المتواطيء المتخاذل الصادق المهدي , بل في واقع الأمر كانت حكومة الشعب المنتخبة ديموقراطياً , التي ضيّعها هذا المؤتمن الخائن الذي نال شرف لقب آخر رئيس وزراء منتخب عبر صناديق الإقتراع في آخر إنتخابات حرة و نزيهة شهدها الوطن الجريح , للأسف , لقد وعى واستوعب الرافضون لحكم وهيمنة الكهنوت هذا الواقع والمصير الذي آلت إليه الأمور , مع هذه النهايات الكارثية التي نعايشها في وقتنا الراهن , ولقد كان أحد هؤلاء الرافضين الممسكين و المتمسكين بمبادئهم الوطنية الخالصة , الشهيد الدكتور علي فضل الذي لم يهن و لم يستسلم لذلك الإنقاذي والدموي الأخرق (الطيب سيخة) , الذي دق مسماره الصديء المسموم في رأس الطبيب و الإنسان (علي فضل) , وهو يقاوم صامداً وشامخاً كالطود جبروت هذه الشرذمة المنحرفة , وكيف لا يكون شامخاً وهو الرجل الذي وهب حياته فداءً لقضية الشعوب السودانية المقهورة , و المظلومة من قبيل تجار الدين وسارقي قوت الشعب , فهذه الشعوب السودانية التي قدمت أرتالاً من الشهداء اليافعين و الكهول من الجنسين , لن تقف مكتوفة الأيدي وهي ترى بام عينيها القتلة , وسافكي دماء هؤلاء الأبطال الشرفاء من أمثال (علي فضل) ’ يأكلون الطعام مرفهين ومنقنقين , ويمشون متبخترين بخيلائهم بين الناس في الأحياء و الأسواق.
اسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com