الناظر الى حال السودان الان تحت التجربة الثانية من حكم الدولة الإسلامية الثانية فى السودان ، والتى لغرائب الصدف اتت بعد مائة عام بالتمام من ذكرى مجاعة سنة ستة ١٨٨٩ ،بينما حكم الكيزان اتى فى ١٩٨٩، يرى الناظر الى هذا التاريخ ان تجربة قيام دولة إسلامية في السودان لم تأتى على السودان سوى بالكوارث والبلاء، الذى أصاب البلاد والعباد. فحكم المهدي الذي أراد إقامة دولة اسلامية بل وخلافة تتعدى حدود السودان المعروفة وقتها، قد قامت بابادة ثلثى سكان السودان حيث انخفض عدد السكان من ٨ مليون نهاية العهد التركي الى اقل من ثلاث ملايين فى بداية العهد الثنائي حسب تقديرات كثير من المؤرخين. وكانت من أسوأ لحظات المهدية والتي كانت جرس إنذار نهايتها وإعلان فشلها المبكر فى إدارة الدولة ورعاية الشعب كانت مجاعة سنة ستة.
والتى كان احد أسبابها الجفاف، ولكن ايضا الأخطاء القاتلة لقرارات الخليفة الذى توهم أيضا انه قادر على حكم العالم وركز على الخارج بدلا عن التركيز على شئون رعاياه ودولته وشن الحروب على حدود اثيوبيا وشمالا نحو مصر، اضافة الى الحروب الداخلية مما جعل الدولة تعيش اقتصاد حرب حسب هولت الذى ارخ للمهدية. من ناحية ثانية فان دراسات حديثة لتجربة المهدية في تطبيق الشريعة والاقتصاد الاسلامى، أكدت فشل تجربة الاقتصاد الإسلامي في المهدية مثل كتابات العالم الفنلندي هولقر فايس، حيث انه خلص إلى ان الدولة المهدية نفسها لم تطبق المبادئ الأساسية للاقتصاد الاسلامى التى تعتمد على رعاية الفقراء وتوزيع الزكاة وأنها فى النهاية تحولت الى دولة دنيوية لا يمكن وصفها بالاسلامية على الاطلاق. هذا طبعا اضافة الى تحليلات هولت ودالى التى تعتقد ان العنف المفرط للدولة المهدية هو أحد اهم اسباب فناء مشروعها المتوهم الفطير سياسيا وغير الواقعى عمليا والمستحيل تطبيقا او جيوسياسيا. الان الكيزان عبر تجربة اقتصادهم الإسلامى ومشروع دولتهم او الخلافة المتوهمة يوصلون السودان الى ذات النقطة، الإبادة والمجاعة والتى ربما ياتى بعدها أيضا الاحتلال الثنائي او الثلاثى أو الرباعى من يعلم، بالشراكة هذه المرة مع دول الخليج والان إسرائيل على الخط.
ان السودان دولة وشعب محاصر فى دائرة ظلامية شريرة بسبب هذه المشاريع الدينية المتوهمة منذ قرن ويزيد، و لم تتحرر البلاد من اخطار المجاعة والإبادة. ولذلك فإن التغيير يبدأ باقتلاع أوهام بناء دولة واقتصاد اسلامى واقتلاع ممارسات التغييب العقلى واتباع المهدويين والشيوخ ومتنبئى اواخر الزمان، والعودة الى الواقع والسعى نحو تحرير الوطن من هذه العمائم الملفوفة حول عيون الشعب والتى اعمته طويلا عن قصد، حتى تقوده نحو المجازر قيادة القطيع الأعزل، هذه العمائم التى خنقت العقول وقطعت عنها انوار الحقيقة. غيبتها تماما عن الواقع وملئتها بتاريخ مزيف وأوهام انتماءات عرقية ودينية لا تشمل السودان الحقيقي ارضا وتنوعا وثقافات.
ان رحلة الخلاص لا تنتهى بنزع الكيزان بل بنزع كل أوهام تجارب الحكم الدينى للسودان وإعادة موضعتها تاريخيا على أنها اسوا الكوارث التى اعاقت مسار تطور السودان وأنها لذلك لا يجب ابدا السماح بتكرارها. وكشف حقيقة التاريخ المزيف الذى يحاول أحفاد الحفدة للأئمة والمشايخ الان الركوب عليه. لأن هذه الدائرة قد إكتملت، وان لا أحفاد المهدويين ولا أصحاب العمائم والعبائات والقفاطين من تجار الدين حلفاء المستعمرين وعرابين فشل الدولة السودانية ،لن يكون لهم جميعا مكان في سودان الغد. والثورة عليهم هى واجب الساعة والتغيير، يجب ان يبدأ بهم لأنهم هم الجذور التى يستند إليها هذا النظام ودون اقتلاعهم يبقى السودان معرضا لاخطار هذه الاوهام مجددا.
ولذلك يتضح جليا لنا أمثال الصادق المهدي و الميرغني يخشون التغيير ويقفون حجر عثرة له، لانهم لا يخشون على السودان بل لأنهم يعلمون أن التغيير القادم هم سيكونون أول ضحاياه. ولذلك من تبقى من أتباعهم يجب ان يعيدوا حساباتهم ويعلموا انه وان أتت على يد هذا النظام مجاعة سنة ستة مرة اخرى، فإن عاقبتها أرض جديدة خالية من تجار الدين الحاليين والتاريخيين. فالمجاعة والإبادة على يد الكيزان سوف ياتى من بعدها سودان آخر ليس لهم جميعا فيه مكان.
nawayosman@gmail.com