عبدالباسط الحاج
لقد آثرت الاستفتاح بتساؤل عريض و بطبيعة الفعل السياسي عموماً إذ يقوم على النقاش و الجدال الموضوعي و طرح التساؤلات و القلق المستمر على الحاضر و المستقبل في مجملها تشكل واحدة من أفعال الحركة الديمقراطية و العمل السياسي الرشيد كنموذج لإختلاف الآراء و التبادل بل و التعاطي معاها على محمل الجد.
مدخل مفاهيمي :
هنالك تشابه كبير بين مفهومي (الانتقال نحو الديمقراطي) و (التحول الديمقراطي) الرابط المشتركة بينهما هو الحراك الذي يهدف نحو التوصل الي نموذج حكم ديمقراطي توافقي يؤسس نظام مستقر سياسياً و تختلف المسار الذي يتخذ كل مفهوم للوصول نحو الديمقراطية.
الانتقال نحو الديمقراطية by definition is transitional to democracy هو الانتقال الذي يحدث نتيجة لحركة سياسية واسعة و شاملة جذرية مصحوبة برؤية و أهداف واضحة كالثورة الجماهيرية التي تقوم ضد نظام الحكم الديكتاتوري او الشمولي تهدف الي خلق قطيعة مع النظام القديم و ابتكار نظام ديمقراطي يؤسس لإستقرار سياسي و تداول سلمي للسلطة.
أما التحول الديمقراطي transformation to democracy يتم إتخاذ هذا المسار بمبادرة من داخل نظام الحكم نفسه و غالبا ما تكون المبادرة نتيجة لضغوط خارجية من الشارع العام أو بفعل القوى السياسية الحية التي تسعى الي التأثير على نظام الحكم او بضغط من داخل كتل المجموعات المكونة لنظام الحكم نفسه.
بالمقارنة فإن المرحلة التي يمر بها السودان إذا اتفقنا عليها هي مرحلة إنتقال ديمقراطي او بالأحرى هنالك (فرصة للانتقال) وهذا الفرصة تتمثل في طبيعة المرحلة الثورية في مجملها و الوعي الجماهيري التواق للديمقراطية.
الثابت عالمياً ان عمليات الانتقال التى تمت وفي العقدين الأخيرين تتوافق جوهريا في الهدف من المرحلة السياسية ولكنها تختلف إجرائيا و شكلياً بحسب طبيعية الحال لكل دولة و قدرت النخب السياسية في إستيعاب متطلبات المرحلة و أولوياتها و القدرة على التعامل مع الأحداث الثورية المتحركة على الدوام .
طبيعة الدولة في السودان هي طبيعة مشتعلة و ملتهبة على الدوام و من مظاهرها الحروبات المستمرة و عدم الاستقرار السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و الفوارق الطبقية الشاسع نتيجة لإختلال موازين السلطة و الثروة تاريخياً مما شكل مظهر من مظاهر الظلم التاريخي المتراكم على فئات واسعة من المجتمع و التمييز القائم على اساس الجهة و الاثنية او الانتماء الاجتماعي، جميع هذه القضايا و غيرها لم تجد حظها من الطرح و النقاش الكافي بما انها كانت حاضر في كل المراحل السياسية نسبة للتوجه الاحادي للدولة و السياسات المتشابهة التي تتخذها كل حكومة على حدى.
وفقاً لمفهوم الانتقال و شرعية الانتقال ف الخطوات الفعلية المستوجبة التي تلى اخر مرحلة من مراحل التخلص من النظام السابق هي وحدة طاولة الأطراف أصحاب المصلحة في الانتقال الديمقراطي كما الممثلين للقضايا المصيرية و التاريخية التي ظلت حجر عثر أمام اخلق توافق سياسي شامل لرسم خطط و ملامح المرحلة الإنتقالية او يمكن نسميها الوصول إلى إجماع حول القضايا الجوهرية قبل البدء في اي إجراءات أخرى لان تجاوز هذه القضايا يباعد من فرص التوافق و قد تتحول المرحلة نفسة الي نكسة أخرى.
شبح المؤسسة العسكرية الذي ظل يلاحق السلطة كمتلازمة لدولة ما بعد الاستعمار المتمثلة في إنتاج مسخ دولة بطشية فاشلة هشة متآكلة حيث ظلت المؤسسة العسكرية مساهمة في صناعة الفجوه السياسية و بشكل اكثر دقة هي تتقاسم هذا الفاشل تماما مع الأحزاب السياسية التي صنعت بتحالفها مع العسكر بصناعة (العسكرتارية) فخلق الدائرة الشريرة المتعاقبة على ظهر كل مرحلة تضاجع الفعل السياسي بقطع الطريق أمام الاستقرار السياسي و في صورة أخرى تصفية الخصومات السياسية عبر استخدام المؤسسة العسكرية الوصول للسلطة فكانت كل الانقلابات العسكرية مدعومة من الأحزاب و النخب (عبود /الأمة ، نميري/الشيوعي ، البعث…. ، البشير/ الجبهة الإسلامية) هذه الصناعة السياسة الممسوخة أصبحت عصية أمام التطويع او في أفضل الأحوال عصية أمام إعادة تعريفها في ماهية العلاقة بين المؤسسة العسكرية و المؤسسات المدنية و هو الدور المناط بها و بالمقابل ما حدود العلاقة بين الأحزاب السياسية و العسكر ؟ فقدان التعريف بهذه العلائق جعل المرحلة السياسة الآنية تشوبها الكثير من الإضطرابات بسبب التوليفة السياسية التي شكلت عبر الوثائق الموقعة للفترة الانتقالية هذه التوليفة التي عجزت الحاضنة السياسية للحكومة التعايش معه أو قبولها بعضض.
عملية الانتقال نحو الديمقراطية تطلب مشاركة سياسية فعالة واسعة عبر طيف متنوع و متعدد سياسي و إجتماعي و جغرافي اذا اعتبارنها مظلة شاملة هذا سيوسع القاعدة الجاهيرة التي تتحرك بداخلة السلطة الانتقالية نفسه وهذا يدخل في مفهوم الشرعية legitimacy التي تدعم الخطوات السياسية و لكن حدثت قفزة على الواقع بحيث تم رسم خارطة السلطة بمعزل عن مشاركة ثلثي المجتمع و بشكل اخر هنالك طيف واسع خارج الإطار المرسوم وهذا الطيف سياسي / إجتماعي يجب أن يشارك مشاركة سياسية فعاله اذا أردنا فعلا الوصول نحو الانتقال الديمقراطي الحقيقي.
ختاماً..
هذا المقال ملخص و مختصر لورقة قُدمت في إحدى الفعاليات تمثل رؤية شخصية مطروحة قابلة للأخذ و التعاطي في الموضوع كما انني قد تناولت هنا البعد السياسي فقط و أسقطت الأبعاد الاقتصادية و الاجتماعية خوفا من الإطالة حتى لا يمل القارئ.