عبدالغني بريش فيوف
قلنا وما زلنا نقول.. أن المشاركة في أي عملية سياسية من حيث المبدأ هي حق طبيعي لكل أفراد المجتمع، لأنها محصلة لجملة من العوامل الاجتماعية الاقتصادية والثقافية والسياسية والأخلاقية وغيرها ، تتضافر في تحديد بنية المجتمع المعني ونظامه السياسي وسماتهما وآليات اشتغالهما، وتحدد نمط العلاقات الاجتماعية والسياسية ومدى توافقها مع مبدأ المشاركة الذي بات معلماً رئيساً من معالم المجتمعات الحديثة..
وقلنا أيضا وسنظل نقول.. أن أي حديث عن مشاركة سياسية في ظل أنظمة شمولية استبدادية ديكتاتورية سيكون عبثيا ، ذلك أن الشمولية صفة تطلق على نظم الحكم الذي يتسم بقدر هائل من التحكم السلطوي في كل أوجه الحياة في المجتمع ، سياسية واجتماعية واقتصادية وفكرية على حد سواء ، بحيث تضحى الدولة هي المصدر الوحيد للشرعية ، فنظم الحكم الشمولية لا تسمح بوجود مؤسسات تتمتع ولو بهامش من الإستقلالية ، فقيام هذه المؤسسات أصلاً أو ممارسة المؤسسات القائمة بالفعل لنشاطات ذات طابع اجتماعي أو سياسي مرهون بتصريح من الدولة ويكون تحت رقابتها المشددة ، فأهداف ونشاطات وعضوية أي مؤسسة تخضع لرقابة النظام وتحكمه.
الوصف الذي ذكرناه في الأعلى ينطبق بحذافيره على حزب المؤتمر الوطني الحاكم منذ 1989م، ودائما يسعى إلى البحث عن مصدر لشرعيته عن طريق الديمقراطية بالرغم من كونه استبدادياً فهو يجري انتخابات تزويرية تلو الأخرى لإضفاء واجهة جميلة على نظام حكمه، وهذا ما حدث يوم الأحد 30 ديسمبر 2017م وذلك عندما أعلنت اللجنة القضائية المشرفة على الانتخابات، حصول قائمة “القوى الوطنية” على 4030 صوتًا، فيما نالت قائمة تحالف “المحامين الديموقراطيين” المعارضة 1701 صوت من إجمالي 6227 ناخبا.
وأفادت اللجنة بفوز مرشح الحزب الحاكم، عمر الشريف، بمنصب نقيب المحامين بـ4106 أصوات، فيما حصل مرشح تحالف المعارضة، علي قيلوب، على 1728 صوتا.
كما فازت قائمة “القوى الوطنية” بمقاعد العضوية العشرين.
ورفض مرشح التحالف لمنصب النقيب علي قوليب الاعتراف بنتيجة الانتخابات وقال انهم رصدوا العديد من الانتهاكات والمخالفات التي ارتكبتها النقابة السابقة ولجنة الانتخابات.
فوز الحزب الحاكم في هذه الإنتخابات كان متوقعا بنسبة 99.9%، ولم يكن يحتاج لكبير عناء وتعب لشمولية النظام واستبداده المعروف ..غير أن قوى المعارضة ولشئ ما أقنعت نفسها بأن فوزها في متناول اليد لتهلل وتكبر وترقص فرحا سيما بعد ان رفض كل من محاميى حزب اتحاد الأصل وحزب المؤتمر الشعبي دعم قائمة “القوى الوطنية” المؤيدة من الحكومة، لتأتي النتيجة كما رسم وخطط لها نظام البشير، وهو يعرف تماما أين تؤكل الكتف لتبدأ المعارضة كالعادة في الحديث عن مخالفات وانتهاكات وغيرها من الكلام الذي لا يجدي نفعا.
تزوير الانتخابات بالسودان حقيقة وليست شماعة المعارضة كما يدعي النظام وزماميره ، وأن ما يسمونه بالهيئة القضائية العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات ما هي إلآ واجهة لشرعنة التزوير لصالح النظام، هذه الهيئة لا سلطة لها وكل شيء تحدّده وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية، هي الجهة التي تشرف بل وتسير الانتخابات فعليا ولفائدة السلطة.
لكن ما الأمل؟..
النظام الحاكم في السودان لن يتخلى عن تزوير الانتخاباتلطالما يحقق له ديمقراطية زائفة وتضفي شرعية مزيفة على حكمه ، فهو يريد مصدرا للشرعية بأي ثمن ..فالأمل إذن كما اراه أنا هو “الكفاح الثوري المسلح” أو الثورة الشعبية المحروسة بقوة السلاح التي تؤدي في نهاية الأمر إلى اسقاط النظام ومحوه تماما من على الساحة السياسية السودانية كما حدث في مصر لــ(الحزب الوطني الديمقراطي)، وما حدث لــ(الحزب التجمع الدستوري الديمقراطي) في تونس.
أما استمرار المعارضة المشاركة في انتخابات نتيجتها معروفة ومحسومة لصالح النظام ، حضر مراقبين إقليميين مثل (ناس الإتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية) أو دوليين (الإتحاد الأوربي وناس مركز كارتر) وغيرهم، أم لا ، فإنها تطيل من عمر النظام وتعطيه شرعية مفقودة، فإن المعارضة بهذه الطريقة ستمكن النظام من الفوز بإنتخابات 2020م -2025م -2030م، وربما غيّر الحزب الحاكم نظام الحكم في السودان من رئاسي إلى ملكي يتوارثه (آل البشير)..
على قوى التغيير الحقيقية الحادبة على مصلحة السودان وشعوبها المقهورة المظلومة، العمل بجدية من أجل اسقاط النظام، لا من أجل اصلاحه بترقيعات سياسية هنا وهناك، أو مشاركته انتخاباته المزورة المزيفة المضللة ، لأنه لا نفع من:
** انتخابات تُجرى في بلد جف فيه النشاط الحزبي ومُنع منظمات المجتمع المدني من أداء مهامها!!..
** انتخابات تُجرى في بلد الصوت الواحد!!..
** انتخابات تُجرى في بلد فقدت فيه السلطة القضائية استقلالها تماما!!..
نرجو من المعارضة الحقيقية التفكير جيدا قبل القيام بخطوة كارثية أخرىأأ تضفي شرعية مجانية لنظام شمولي مستبد، وعلى المستهبلين الذين يتحدثون عن منازلة النظام في مسرحية 2020م أن يخجلوا من أنفسهم لأن الإنتخابات لا تعني الديمقراطية.