عبدالعزيز التوم
لم اُصدق عندما قرأت خبراً مُتعلق بصدور حكم من محكمة بإدانة شخص بعقوبة قطع يده اليمني ورجله اليسرى من خلاف بحد الحرابة، حيث ذكرت محكمة جنايات الامتداد جنوب برئاسة قاضي الدرجة العامة، اليسع هاشم خلف الله، أن المُدان قد خالف نص المادة 168 الفقرة ب من القانون الجنائي والمُتعلق بالحرابة، وقد تساءلتُ مِراراً، هل صدر هذا الحكم في عهد قوانين نميري (سبتمبر) سيئة السمعة، أم كان الحكم صادر من محكمة تقع في دائرة اختصاص تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) باسمه الحركي العربي أم بوكو حرام باسمه الحركي الأفريقي؟!!! من منكم يعتقد أن الحكم قد صدر في ظل حكومة يُعتقد أنها حكومة الثورة والتي كافحت فيها جماع الثوار لإسقاط شرعية المشروع الحضاري وقوانينه الجائرة، أين الجيوش من ناشطي ومحامي حقوق الأنسان وجميع دُعاة الديمقراطية الذين قالوا عن قوانين سبتمبر والمشروع الحضاري ما لم يقله الأمام مالك في الخمر.
أنا هنا لست بإدانة هذا القاضي المسكين الذي أصدر هذا الحكم والذي يُعد خروجا سافِراً من منظومة قيم الأخلاق والعدالة، بل عقوبة قاسية ولا إنسانية تنتمي لعهد عهود الانتقام القديمة، هذا القاضي علي الرغم من انه لم يُعمل وجدانه السليم في الوصول الي العدالة، ولكنه هو أيضا ضحية وآلية لتنفيذ هذه المنظومة القانونية الجنائية الظالمة والتي تقوم أساسا على فلسفة المشروع الحضاري!
هكذا ،في اليوم الذي هاج وماج وراج وهلل فيه فرحا وطربا بعض قِصار النظر، عندما أجرت الحكومة الانتقالية بعض الإصلاحات هنا وهنالك في القانون الجنائي ،قدمنا نقدنا ،وقلنا أن ذهنية الترقيع والترميم والتجزئة والتبعيض لا تُفيد بشيء في معالجة الجسم القانوني المُسَرطن والذي يتطلب فيه أجراء جراحة قانونية إصلاحية بليغة بإزالته كليا ،وسببنا في ذلك ، أن المشروع الحضاري للحركة الإسلامية يشكل الحاضنة الفلسفية والفكرية لهذه القوانين الجنائية ،وما هذه الفضيحة الكبرى والعار علي جبين العدالة في ظل ثورة المطالب والحقوق ،نتيجة حتمية لهذه العجلة واللهفة وغياب الفلسفة الحقيقية لإصلاح المنظومة القانونية.
أتوجه بهذه العبارات لوزارة العدل والقضاء والنيابة في السودان، أنتم ظللتم تتحدثون عن الحقوق والحريات الأساسية، وأقمتم الدنيا ولم تُقعدوا، بانضمامكم للاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، والذي يُلقي على عاتقكم واجب الاحترام والحماية والأداء، ماذا تقولون في محاكمكم هذه والتي تُطبق عقوبات وحشية تتنافي نصا وروحا مع جميع هذه الاتفاقيات الدولية التي انضممتم إليها؟! وما الفائدة من هذه الاتفاقيات إن لم يتم إعمالها وتنفيذها؟!
إلى الثوار ولجان المقاومة وجميع القِوي المدنية الحادبة للتغيير، ماذا تقولون إن نظامكم القضائي والعدلي في ثورتكم التي مهرتم فيها دمائكم ودموعكم النفيسة، واُغتصب فيها حرائركم، واُلقي الشُرفاء منكم في النيل مقتُولين ومُوثقين بالحبال في الأحجار، والمفقودين لتاريخ اللحظة لا يُعلم لهم خبر، حكومتكم هذه تُنفذ قوانين الحركة الإسلامية سيئة السمعة، الم تكن صيانة الحقوق من أوجب واجبات ثورتكم هذه؟! ولماذا السكوت؟! ألا يستحق النِقروز أن يحاكم محاكمة عادلة بما يصون كرامته وإنسانيته؟!
يجب إسقاط قوانين المشروع الحضاري عاجلا.