عثمان نواى
يقول إريك هوفر فى كتابه المؤمن الصادق :افكار حول الحركات الجماهيرية: ” باختصار فإن الحركة الجماهيرية يخطط لها رجال الكلمة، ويظهرها الى حيز الوجود المتطرفون، ويحافظ على بقائها الرجال العمليون.”
عناصر نجاح الحراك الحالى
ان الحراك الجماهيرى الثورى الان بعد قرابة الثلاث أشهر يدخل الى مراحل مخاض جديدة. ومن ما لاشك فيه هو ان الانتصارات والمكاسب التى تحققت لها أهمية كبيرة، رغم ان السقوط بشكله الرسمى للبشير ونظامه لم يحدث بعد. لكن الحراك الجماهيرى قام باجبار السلطة على احداث تغييرات كبيرة بغض النظر عن كونها سلبية او إيجابية، لكنها كلها تعنى ان النظام لا يملك سوى ان يكون فى موقع رد الفعل والاستجابة لصوت الشارع وان هذا الصوت له اثره المزلزل على النظام. ان تخلى البشير بشكل شبه نهائى عن المؤتمر الوطنى وإعادة البلاد الى مرحلة الحكومة العسكرية عبر حالة الطواري ،هو وحده عبارة عن اكتمال دورة حياة لنظام الإنقاذ الذى بدأ تحت مظلة العسكر وسينتهى تحتها أيضا كما يبدو. ولذلك فإن التساؤلات المشروعة حول تقييم المسار الى الان والبناء على الانتصارات التى حدثت لقيادة المستقبل القريب نحو ليس فقط إسقاط النظام ولكن أيضا بناء نظام بديل، تبدو مشروعة تماما وتحتاج إلى عملية شحذ ذهنى تشاركى مع تجمع المهنيين وكل السودانيين لاحداث النقلات النوعية النهائية الحاسمة التى تليق بتضحيات الشعب السوداني حتى الآن.
المظاهرات وجدل الحشود
من أهم مشاهد الحراك الجماهيري الحالى هو المظاهرات التى بدأت بقوة ومفاجئة وشراسة فى ديسمبر ، وارهبت النظام عبر استهداف مقار المؤتمر الوطني وحرقها. فى دلالة ثورية على الرفض التام لهذا النظام. وثبتت وتيرة الخروج للشارع منذ نهاية ديسمبر الى الان، وتحولت الى طقوس ومواعيد ثورية ثابتة تباينت بين الصعود والهبوط فى شدتها وحجمها. ويتسائل البعض عن ما إذا كان المشهد المفقود فى الحراك السودانى هو الحشود الهادرة والمسيرات التى تبدو مليونية كما نشاهد فى الجزائر منذ ٣ اسابيع وفى فنزويلا منذ شهرين تقريبا. وهذين المثالين، وخاصة فنزويلا، ورغم طول مدة الاحتجاج التى استمرت لسنوات الحقيقة، و وصولها عبر دعم دولى الى مرحلة اعتراف دولى برئيس بديل للبلاد، الا ان النظام هناك عمليا لم يسقط. فى الجزائر، ورغم ان الوقت لازال مبكرا، لكن الحشود الهادرة التى فى الحقيقة لا تواجه اى قمع من الشرطة او الأمن هناك الا بشكل محدود، لم تتمكن من تحقيق مرادها الى الآن. بل ان الجيش هناك يبدو انه يقف فى مساندة النظام، بل انه هو النظام، كذلك الحال فى فنزويلا انحاز الجيش للنظام وكذلك فى السودان. اذن الصور المذهلة للفياضانات البشرية ليست كافية وحدها لإسقاط النظام. خاصة النظم العسكرية الديكتاتورية.
هناك خطوات أخرى للضغط إضافة إلى المظاهرات ومع الخروج الى الشارع أصبح من الضرورى التوجه نحوها. حيث ان نوعية الاحتجاجات نفسها تحتاج الى تنويع والى الضغط من قبل فئات اجتماعية واقتصادية فى المجتمع. هناك حاجة أيضا الى التوسع فى الرقعة الاحتجاجية جغرافيا وابتكار وسائل للاحتجاج تساعد المناطق تحت الحصار الآمنى المشدد على المشاركة ،مثلا المناطق التى بدأت الحراك مثل عطبرة والقضارف ودنقلا وبربر او مناطق الغبن الاكبر ضد النظام مثل ولايات دارفور وكردفان. حيث ان فعالية المقاومة المدنية او السلمية تكمن فى عناصر التوسع ليس فقط على مستوى العدد ولكن فى القطاعات الشعبية المشاركة. حيث أن تنامى الضغط وإيجاد وسائل للتعبير عن رفض النظام بأشكال ربما لا تؤدى الى خسائر كبيرة وسط المحتجين، هو أهم عناصر قوة الحركات الجماهيرية السلمية. حيث ان هذا هو الشرط الذى يؤدى الى تشجيع المزيد من الناس للمشاركة وأيضا ازدياد الضغوط على النظام سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. أشكال الاحتجاج المبتكرة تحتاج إلى معرفة دقيقة بما يؤلم أصحاب السلطة، كما أن هناك جانب رمزى أيضا من الاحتجاجات، حيث تكون هناك رسائل جماعية عبر مشاركة واسعة ترسل للنظام عبر أفعال تحمل رسائل رمزية واضحة لقضية ما. هذا على المستوى الاحتجاجات وتطوير أنماطها. ويجب ان يكون هناك نقاش مفتوح لاقتراح وسائل احتجاج جديدة ويومية يسهل تنفيذها لاكبر عدد من الناس.
الانتقال من مذكرة الرحيل الى توقيعات التفويض :
على الجانب السياسى، فإن خطوات أيضا يجب ان يتم خطوها لتثبيت تحدى النظام سياسيا والوصول الى انتزاع السلطة منه. على سبيل المثال فانه حان الوقت لكى يتم الاتفاق بين القوى السياسية والاجتماعية ليس فقط على ضرورة إقامة حكومة انتقالية بل يجب ان يتم تكوين واعلان حكومة انتقالية فى الظل جاهزة بكل الكفاءات المهنية التى تضع أمام الشعب السودانى خططها البديلة وخاصة الإسعافية على المستوى الاقتصادى ومستوى وقف الحرب والعدالة والقصاص، ان تضع الخطط والاسماء التى سوف تنفذ تلك الخطط واضحة أمام الشعب السودانى اولا والمجتمع الدولى والقوى الإقليمية حتى يشعر الناس انهم لا يذهبون نحو المجهول . فى الفترة المقبلة أيضا يجب ان يتم العمل على وسائل نزع الشرعية الدستورية من النظام والحكومة . حيث أن البشير لن يتنحى من تلقاء نفسه كما يبدو. خاصة بعد الاحتماء بالعسكر. حيث ان مذكرة الرحيل التى كانت هدف مواكب الجماهير منذ ٣١ ديسمبر ،حان الوقت الى تحويلها الى تفويض سياسي من الشعب السودانى لتجمع المهنيين والقوى الداعمة له بنزع الشرعية من البشير. حيث انه يمكن أن يتم ذلك عبر حملة جمع توقيعات من كل مواطن سودانى له حق الانتخاب، هذا التوقيع يجب ان يكون برقم بطاقة الانتخابات او الرقم الوطنى، وهذا سوف يكون عمل مباشر يمكن ان تنخرط فيه حتى الفئات الصامتة او التى لا تستطيع الخروج فى المظاهرات. وهنا وسيلة سياسية ايضا لتشجيع الشعب السودانى على ممارسة حقهم الكامل فى المواطنة وتقرير من يحكمهم. جمع التوقيعات أيضا سيكون وسيلة للضغط تؤكد ان البشير مرفوض من الجماهير السودانية. والمطالبة بان يتنحى البشير الان وتسليم الدولة لحكومة الكفاءات، فقانونيا عمر البشير متهم فعليا، هو شخصيا بتهم جرائم حرب ضد مواطنيه. الان أيضا كل الشهداء الذين سقطوا منذ بداية الثورة والعنف ضد الشعب هو بأمر مباشر من البشير، ولهذا فإن مبررات تنحيه قانونيا ثابتة. هذه التوقيعات هى بمثابة تفويض شعبى لحكومة الكفاءات ينزع الشرعية من النظام الحاكم . وتعبير سلمى قوى عن رفض النظام. ومع تزايد استخدام وسائل التواصل الاجتماعى، فان التوقيع يمكن ان يكون سرى فقط عبر إرسال رسالة بالموبايل لرقم مخصص لهذا او عبر وسائط أخرى. إضافة بالتأكيد للخروج عبر لجان الأحياء والتجمعات المهنية والطلابية لجمع هذه التوقيعات. حيث ان التوقيعات يمكن ان يوضع لها هدف المليون او عشرة توقيع حسب ما يتم الاتفاق عليه خلال فترة معينة. ربما يقارن هذه بالطبع فكرة مطروحة للنقاش، وقد لا تكون صائبة او تحتاج الى تعديلات، ولكن بالتأكيد أثر الحراك السياسى بهذا الشكل سوف يقوم بتحريك الوضع السياسى نحو تحدى جديد للنظام ويكشف للمجتمع الدولى درجة التنظيم العالية للحركة الجماهيرية للشعب السودانى.
[email protected]