عبدالغني بريش فيوف
عندما وصفت في مقالات سابقة لي الصادق المهدي رئيس حزب الأمة وزعيم الأنصار (بالعميل المزدوج) ، لم اكن مخطئاً أبداً، ذلك أن الأيام قد كشفت لنا بما لا يدع مجالاً للشك أن الرجل يعمل ليل نهار من أجل اطالة عمر نظام السفاح عمر البشير وعصابته الإجرامية الحاكمة، ومعارضته له إنما أمر شكلي وخدعة سياسية من أجل الإستهلاك المحلي.
أما خروجه من السودان من وقت لآخر واتخاذه للقاهرة مقرا اختياريا له بحجة الغضب من تصرفات النظام السوداني، إنما يمثل أعلى درجات الاستهبال السياسي الذي بات نمطا له لأكثر من خمسين عاما، ونهجا لا يقيم وزنا ولا اعتبارا للشعوب السودانية التي تريد اسقاط هذا النظام لا مهادنته والتحاور معه.
خرج المهدي من السودان الشهر الماضي الى القاهرة ومنها للعاصمة الفرنسية باريس لحضور اجتماعات ما يطلق عليها بقوى نداء السودان لإقناعها على ضرورة التخلي عن فكرة اسقاط النظام بقوة السلاح، ليجئ البيان الختامي لهذه المجموعة الفنادقية متطابقا مع ما اراده السيد الصادق المهدي.
وجاء البيان الختامي لقوى نداء السودان يوم السبت 17 مارس 2019م متناقضا في شكله وموضوعه في كل جزئياته على النحو التالي:
*ثالثا : العمل الجماهيري
إذ أنّ النظام لم يترك بابا لخيار وطنى سلمى متفق عليه إلا واوصده، ولن نترك نحن بابا للانتفاضة إلا وعبرنا من خلاله إلى الثورة الشعبية الشاملة , أشاد الاجتماع بوحدة قوى المعارضة السودانية ، وبالانتظام فى العمل السياسى تحت مظلة موحدة ، واعتبر الاجتماع أن الاتفاق على هذه الوحدة من الأهداف التى تم إنشاء تحالف قوى نداء السودان لتحقيقها , ووجهت قيادة قوى نداء السودان بضرورة تطوير آليات التنسيق و تعزيزها بما يحقق هدف العمل المشترك من أجل إزالة النظام.
*سادسا الاعلان الدستورى
تم إعتماد إعلان دستوري يوجه ويحكم عمل نداء السودان بوصفه تحالف مدنى سلمى يرتكز على استخدام وسائل المقاومة السلمية الجماهيرية لتحقيق التغيير المنشود.
الإعلان الدستورى لقوى نداء السودان:
2. نداء السودان ملتزم بتحقيق مطالب الشعب السودانى المشروعة بالوسائل الخالية من العنف، إنتفاضة شعبية على سنة 1964 و1985 او حوار بإستحقاقاته على سنة كوديسا جنوب افريقيا 1992
3. نداء السودان مكون من احزاب سياسية وقوى سياسية حملت السلاح لمقاومة النظام، ومنظمات مجتمع مدنى.
4. هذه القوى السياسية لجأت لحمل السلاح لمقاومة نظام احتل السلطة بوسائل عسكرية، ومارس حكمه بالقهر الغاشم.
5. القوى السياسية الحاملة للسلاح أعضاء نداء السودان ملتزمة بأهداف النداء السلمية المدنية البعيدة عن العمل العسكرى , وملتزمة بوحدة السودان فى ظل المواطنة بلا تمييز، وفى ظل الحرية والعدالة والتنمية.
الواردة اعلاها، هي أجزاء أو مقتطفات من البيان الختامي الهزيل لقوى نداء السودان، والمرء هنا لا يحتاج لمعرفة اللغة التي كتب بها هذا البيان ليكتشف التناقضات المخجلة والإرتدادات النضالية إذا كان لهذا التجمع الغوغائي تأريخ نضالي أصلاً.
البيان مثلاوبلا أي رجفة ذهن يتحدث عنأنّ النظام لم يترك بابا لخيار وطنى سلمى متفق عليه إلا واوصده، ولن نترك نحن بابا للانتفاضة إلا وعبرنا من خلاله إلى الثورة الشعبية الشاملة. لكنه -أي البيان اكد على اتخاذ الوسائل السلمية طريقا للمقاومة.. بالقول ( نداء السودان ملتزم بتحقيق مطالب الشعب السودانى المشروعة بالوسائل الخالية من العنف، إنتفاضة شعبية على سنة 1964 و1985 او حوار بإستحقاقاته على سنة كوديسا جنوب افريقيا 1992م).ليتضح لنا غباء هذا التجمع الخشبي وانه لا يحسن الاختيار بين البدائل المتاحة التي من شأنها تجنيب السودان المصائب والأزمات.
انه غباء سياسي ان تعترف نداء السودان بان النظام يستخدم كل وسائل القوة والقهر للإستمرار في السلطة ، بينما ترفض هي استخدام نفس الوسائل لإقتلاعه وتسع وعشرين عام في السلطة تكفيه؟.
انه الغباء السياسى بكل أبعاده ان تتوقع نداء السودان من نظام يحكم السودان باللمز والهمز لتسع وعشرين عاما ان يستجيب لمطالبها التي تسميها هي بالمطالب الجماهيرية والشعبية؟
نعم، ان ما جاء في البيان الختامي من مقررات ارتدادية إنما تعكس ضعف القدرات العقلية لنداء الصادق المهدي في تقييم الأمور بنصابها الحقيقي، وان كل ما تسعى إليه هذه المجموعة الفنادقية المتحركة من دولة لأخرى فقط لإثبات الوجود والتحدي لاثبات الفوقية القسرية وهي تتخبط بشكل عشوائي بين الأمواج المتلاطمة في ظل اسقاطها للسلاح طريقا للخلاص من النظام القائم.
الكل يعلم ان الصادق المهدي رجل كذاب ومنافق، لا يتردد في اسقاط كل ما بداخله من مشاعر سلبية وعدوانية واطماع داخلية على الطرف الآخر -خاصة الحركة الشعبية لتحرير السودان وتشويه صورتها لتحقيق مبتغاه وهواه في حالة عمى سياسي، حيث كل شئ متمحور حول نفسه وتضخيم ذاته حتى يصل الى حالة من النرجسية التي لا يرى أخطاءه أو يعترف بها.. لكن السؤال هو: ما الذي يجعل مني اركو مناوي وجبريل ابراهيم اللذان يزعمان ان لهما قوات ومناطق محررة يسيطران عليها، القبول بالصادق المهدي رئيسا عليهما، بل يتنازلا عن استخدام القوة لإسقاط نظام لا يعرف إلآ الأسلوب ذاته في الحفاظ على السلطة.. وماذا سيقولان لقواتهما إذا كان فعلا لديهما قوات في الميدان؟
هل يعلم جبريل ابراهيم ومني اركو مناوي ومن ورطهما في هذا البيان الإستسلاميإ، أن أي فقرة من هذا البيان الإستسلامي تكفي لأن يخرج الشعب الدارفوري، حيثما وجد فوق هذه الأرض، ليقول بصوت عالي.. إرحلوا بهدوء يا أيها المتاجرين بقضايانا المصيرية، وكفاكم استغباءا واستهبالا واستخفافا؟.
وقبل الختام، ألآ ترون أن البيان الإنشائي الإستهبالي، تحدث عن بعض المعتقلين في سجون النظام، لكنه لم يتطرق مطلقا الى المحكمة الجنائية الدولية وجرائم عمر البشير وقتله لأكثر من 500 مواطن دارفوري.. تجاهل مدفوع الثمن، أي أن أي حديث عن جرائم البشير في اجتماعات نداء السودان سيشعل “الشهوة الإنتقامية” لديه وبالتالي تكون العودة الى الخرطوم محفوفة بالمخاطر.. ما أبخس الثمن!!؟.
إن اجتماعات نداء السودان أو “خداع السودان” كما يسميها البعض ما هي إلآ فقاعة انتفخت وسرعان ما ستهوي بأصحابها!! وهي تأتي ضمن مؤامرة يقودها كما قلت الصادق المهدي ضد الحركة الشعبية لتحرير السودان -شمال والقوى الثورية الأخرى الحاملة للسلاح، ولقصر نظر أعضاء هذا التجمع وفشلهم في قراءة المستقبل القريب الذي سيقلب المعادلة ويهوي بهم الى الأبد، فإن التخلي عن السلاح لإسقاط النظام منحهم دوراً يتلخص في السير على رمال مصالحية شخصية انتهازية متحركة نحو الخرطوم، لكن تلك الرمال سوف تبتلعهم جميعا.