أحمد المهدي
يعتبر السلام من القيم الإنسانية العظمى التي ظلت متواجدة على الدوام في أعمال الفلاسفة والشعراء والأدباء والتعريف الأمثل له هو غياب الخلاف والعنف والحرب أو غياب كل ما له علاقة بالعنف مثل الجرائم الكبرى المنظمة أو النزاعات بأشكالها المختلفة والسلام أيضاً تعني الاتفاق والانسجام والهدوء.
أما السلام الأجتماعي Social Peace يقصد به وجود حالة السلام والوئام الإنساني داخل بيئة المجتمع المعاش كعنصر اساسي من عناصر تقدم وتطور بناء المجتمع وافراده.
على الرغم من اختلاف المجتمعات البشرية عن بعضهم البعض في عدة عوامل مثل الإنتماء الديني أو المذهبي أو المستوى الاجتماعي ظل يجمعهم عقد اجتماعي وهو إلتزام غير مكتوب يتناول حقوق وواجبات كل طرف في المجتمع والخروج منه يمثل انتهاكاً لحقوق أطراف أخرى مما يتطلب التدخل الحاسم لتصحيحه.
مارس النظام البائد أسواء أنواع الجرائم وابشعها في حق المواطن السوداني عامة وإنسان دارفور خاصة بتدميره الممنهج لهذه القيمة المثلى التي ظلت ينعم بها إنسان الإقليم على مر العصور عبر التقسيم الاجتماعي وبث خطاب الكراهية والزج ببعضهم في خوض صراعات سياسية من أجل أطالة أمد بقائه على السلطة على حساب الجميع وكان الثمن الذي تم دفعه هو القتل والتشريد بين معسكرات النزوح واللجوء وتعطيل عجلة التنمية بالإقليم وظل معالجة هذا الأمر يتصدر أولويات الجبهة الثورية السودانية على الدوام لذلك تم تضمينها باتفاقية جوبا لسلام السودان وتم وضع الأساس له عبر الفصل الثالث من اتفاق مسار دارفور تحت عنوان ( العدالة والمسائلة والمصالحة) وبتفصيل أكبر في البند 21 المعرف بالحقيقة والمصالحة وفقراتها الخمس وكذلك البند 22 الخاص بتكوين لجنة الحقيقة والمصالحة وتقدير مهامها والتي كان يفترض تكوينها في غضون 60 يوماً من تاريخ توقيع الاتفاق.
بعد توقيع الاتفاقية وعودة قيادات الجبهة الثورية السودانية إلى البلاد قامت حركة جيش تحرير السودان – المجلس الانتقالي بخطوات جدية وحقيقة في هذا الاتجاه حيث قامت بأطول وأعظم رحلة لم تشهد له البلاد مثيلاً من قبل وكانت من أجل التبشير بالسلام وشرح بنوده وتمليكه لعموم الشعب السوداني، استمرت لأكثر من ستون يوما طافت فيها الحركة جميع ولايات دارفور الخمس بمحلياتها المختلفة شملت جميع معسكرات النزوح وكذلك مكونات الإقليم المختلفة قدم فيه الدكتور الهادي إدريس يحى رئيس الجبهة الثورية السودانية ورئيس الحركة شرحاً وافيا للاتفاقية وقام بتمليكها لعدد كبير من المواطنين كما قام أيضاً بتوزيع عدد كبير من النسخ إليهم للإطلاع عليها وظل يؤكد لهم على الدوام خلال تجواله تلك على أن الانتقام لا يبني دولة داعياً الجميع بنشر رسالة التسامح والسلام عقب تحقيق العدالة حتى ينعم الجميع بالاستقرار والتنمية.
رغم كل هذه المجهودات برزت مؤخراً بعد الصراعات المفتعلة بأثارة نار الفتنة في بعض المناطق خاصة في الجنينة وسرف عمرة وبعض من مناطق جنوب دارفور كان الغرض منها تعطيل هذا المجهود الكبير الذي بذل في سبيل تحقيق السلام الأجتماعي الذي ظللنا ننشده ونسعى إلى تحقيقه مهما تكلف من أمر، ولكنها عدت بالرغم ما خلفت من مأسي وازهاق للأرواح تجاوزت المئة قتيل، المرحلة المقبلة تتطلب اليغظة والوعي الجمعي وتضافر جهود الجميع للوقوف أمام جميع التحديات لخلق سلام اجتماعي دائم في عموم ربوع بلادنا.