الخرطوم – صوت الهامش
أثارت إجازة مجلس الوزراء السوداني، موازنة 2020م، الأسبوع الماضي، جدلا واسعا، في الأواسط السياسية والشعبية في السودان، ووصفها البعض بموازنة “الصدمة” التي تبناه رئيس الوزراء معتز موسى، في عهد الرئيس المخلوع عمر البشير، ودعا البعض لإسقاط حكومة عبد الله حمدوك، بسبب عجزها لحل الأزمة الاقتصادية الخانقة، التي ظل يعاني منها السودان منذ أعوام.
وبعد ضغط الرأي العام السوداني، تراجع مجلس الوزراء، عن المضي قدما، لعرض هذه الموازنة، لمجلس السيادة، كخطوة أخيرة لإجازتها بصورة نهائية، فحين الحكومة الانتقالية تواجه تحديات مالية وسياسية كبيرة، الأمر الذي يضعها في مواجه مباشرة مع الشعب السوداني، الذي ينتظر منها حلحلة قضاياه التي بسببها أسقط نظام حزب المؤتمر الوطني.
وفي خضم اقتراب 2020 وضغوط الشارع السوداني، ورفض الموازنة التي أجازها مجلس الوزراء، الي أي اتجاه يمضي حمدوك وحكومته، وهل يفلتا من العقبات؟
وتعليقا على أسئلة “صوت الهامش” قال الأستاذ الجامعي، والكاتب الصحفي، الدكتور فيصل عوض حسن، “بالنسبة للمُوازنة التي أعلنها مجلس وزراء الدكتور حمدوك، أراها كارثة حقيقيَّة، ولا يُمكن لعاقل تمريرها أو المُوافقة عليها لأنها مبنِيَّة على مُؤشِّرات “فرضيات” غير واقعيَّة، وبعضها في رحم الغيب، وهذا يجعل مالاتها مجهولة ويتقاطع مع حملات التضخيم المُصاحبة للدكتور حمدوك ووزير ماليته البدوي الذي أطلق سِلْسِلة من التصريحات الوردية المُبَالَغ فيها.
مؤتمر الاصدقاء
مضيفا “انه وفقاً لتقديرات الحكومة، غير الموضوعية، وأنَّ حمدوك ووزير ماليته لم يُرَاجِعا ميزانية العام الحالي 2019 من، فكيف يُقدَّمون موازنة العام القادم؟ وبماذا قارنوا مؤشراتها؟! وكيف يستندون على ما يُسمَّى مؤتمر أصدقاء السُّودان؟
وتساءل “هل يُعْقَلْ بناء موازنة (دولة) وفقاً لـ(تبرُّعات) بعض الموصوفين بأصدقاء، الذين وعدوا في مُؤتمرٍ الربع الأول من العام المالي المعني؟! وماذا لو كانت التبرعات أقلَّ من التقديرات المُضمَّنة في الموازنة، أو لم يقم المُؤتمر من أساسه، مع (تخفيض) قيمة الجنيه أمام الدولار.
وتابع عوض: ولا أقول “رفع قيمة الدولار” لأنَّ الدولار ثابت والمُشكلة هي في الجنيه السوداني، وهذا خطأ شائع لا يسع المجال لتفصيله! كيف سيغطون عجز المُوازنة، خاصة مع ارتفاع حجم المصروفات العامَّة وفق (الشطحات) التي أعلن عنها الوزير نفسه؟!
وقال ان الأمر يزداد سوءاً مع ارتفاع مُعدَّلات التضخم واستمرارها في الارتفاع، لا سيما مع غياب التصدير وضعف عائدات القليل منه، مُقابل ارتفاع قيمة حجم الواردات وتوقعات ارتفاعها أكثر.
آثار الزيادة
وأردف بالقول: بالنسبة لما يُشيعه هؤلاء بشأن رفع “الدعم” عن المحروقات، فهناك تضليل إسلاموي ورثه حمدوك ووزير ماليته، والصحيح هو “رفع الأسعار” إذ لا يوجد دعم من أساسه ليتم رفعه، بخلاف حديثهم “غير الصادق” عن غاز الطهي الذي تمَّ تحريره بالكامل منذ عامين أو أكثر، أما .
وقال إن آثار زيادة أسعار المحروقات، سيترتب عليها زيادات خياليَّة في كل شيء، ولن تفي الزيادة المُعلَن عنها في الرواتب بتغطية هذه الفروقات، حتَّى ولو كانت الزيادة على الراتب “الإجمالي” وليس “الأساسي” كما يعتزم حمدوك ووزير ماليته “لو صدقوا”.
وأشار أن الحكومة الان أعلنت عن عدم زيادة الأسعار أو الدعم كما يحلوا للمضللين، والبعض صَوَّرَ هذه الخطوة بالانتصار، بيد ان المنطق يقول أنَّ التراجُع أكبر دليل على (فشل وتخبُّط) حمدوك ووزير ماليته، ويضعنا أمام ثلاثة احتمالات: الأوَّل أنَّهم اتخذوا قرارهم أولاً ثُمَّ تراجعوا عنه دون دراسة أو خطة معلومة، والاحتمال الثاني أنَّهم يتلاعبون بالشعب ويضللونه.
وزاد عوض، ان الاحتمال الثالث أنَّهم “فاقدين الأهليَّة العقليَّة” فالأسئلة المنطقية تطرح نفسها بقوة، وهي على اي أساس كان قرار حمدوك ووزير ماليته برفع (الأسعار)؟ وهل تم تجميد هذا القرار بناء على (طلب) جماعة الحرية والتغيير، أم قدمت لهم بديل منطقي علمي وعملي؟ ولو قالوا بأنَّ (قحت) فعلت ذلك، فما هو هذا البديل، وهل سألوها عن لماذا لم يقدموه من قبل؟ أم أن حمدوك والبدوي يعملون بنحوٍ (منفرد) وبعيد عن بقية (الجماعة)؟
وتابع “وهل يعني ذلك أيضاً أن حمدوك والبدوي اتخذوا قرار رفع (الأسعار) بلا دراسة رصينة؟ ولو ادعوا وجود دراسة فما هي تفاصيلها ومتى تم أعدادها؟ وما المؤشرات التي استندوا عليها في عملية الإعداد؟ وهل احتوت الدراسة بدائل أخرى، وهل قاموا بمفاضلتها مع قرار (رفع الأسعار)، وما هي أسس المفاضلة ونتائجها؟!
وأضاف، لو لم تقدم قوى الحرية والتغيير بديلاً، فهل من المنطق، والمهنية، والمؤسسية التراجع عن قرارٍ مُؤثر وخطير كهذا لمجرد (طلب)؟ ولو أصلاً كانوا سيتراجعون لماذا افتعلوا هذه الزوبعة من أساسه؟ وإنَّ ما يجري في السودان الآن عبثٌ كبير، خطورة تتعدَّى موازنة 2020م، ووزارة المالية، وتشمل البلد بمن فيها.
توصيات
من جهته قال الخبير الاقتصادي بالجامعة الأميركية في القاهرة، حامد التجاني، لـ “صوت الهامش” إن مسألة الموازنة، وإجازتها لمدة ثلاثة أشهر، ثمة اختلاف كبير في الرؤية والسياسات .
وأوضح أن المشكلة الأكبر أن حكومة عبد الله حمدوك، غير قادرة على وضع خطة تخاطب بها الأزمة العميقة للموازنة، وان الخيارات المتاحة للشعب السوداني، يكون فيه نقاش اوسع، تصل لتوصيات وتطبق الحكومة هذه التوصيات.
وأضاف أن حمدوك مشغول بمهام وزارة الخارجية، والقيام بحملة علاقات عامة، وليس هناك رغبة للدخول في نقاش عميق، لتقديم خيارات، ويتقدم الصفوف في هذا الإطار، وترك موضوع الموازنة لوزير المالية إبراهيم البدوي، غير أن هذه الحكومة يسيرها حمدوك، والمطلوب تقدم حكومته برنامج للإصلاح الاقتصادي، وتقدم الحديث في هذه المسألة، ويناقش الشعب والمختصين والوصول لخلاصات.
وتابع التجاني، لابد من رفع الدعم، غير أن الكيفية تطلب حوار واسع، ومن المهم أن يكون هناك سلام، وإذا تم تحقيقه من الممكن توفير الصرف على الأمن والجيش، توظيف جزء منه على الصحة والتعليم، ووضع برنامج رفع الدعم على مراحل تصل لأربعة سنوات.
المشكلة ليشت اقتصادية
ونبه الي ان من الممكن وصول الخطة لـ 2025 حتى يصل الدعم لمن يستحقه، ولا يكون الدعم شاملا بالصورة الحالية، خاصة في الوقود والغذاء .
وأردف صحيح يؤدي ذلك الي إرتفاع الأسعار، ولكن الرفع يكون متدرج، الي حين ان تتحسن الأوضاع الاقتصادية، وان عملية رفع الدعم باتت ليست مسألة اقتصادية، بل سياسية ومحتاجة لنقاش عميق وصريح وصادق، ويقوم بهذه المبادرة رئيس الوزراء نفسه، المختفي عن النقاش، وترك موضوع الموازنة لوزير المالية”.
واسترد التجاني قائلا: انه لابد من أن يخاطب حمدوك الشعب، ويوضح له الخيارات، وتأجيل موضوع الموازنة يفاقم الازمة، وان الحكومة الانتقالية ليس أمامها خيار غير القروض الخارجية .
مشيرا الي ان هناك عدم قدرة للحكومة للاستدانة من الخارج، وهذا الاتجاه ويتيح فرصة للحكومة القادمة فرصة للقيام بذلك، وهذا أفضل.
ولفت الي ان استيعاب موظفين جدد، لا يخدم الموازنة، وان الحكومة تعاني من الترهل الإداري، ولابد من تقليل من حجمها، وأنه ليس هناك طريقة لاستيعاب موظفين جدد بشعارات سياسية.
التمكين والصفوة
واتهم التجاني، الأحزاب السياسية في السودان، بانها تريد تمكن نفسها في مؤسسات الدولة، وان ذلك لا يساعد السودان، وان ثمة فرصة لاسترشاد التوظيف والتقليل منها، وبالتالي التقليل من الصرف، وتخفيض الضرائب، والصرف والسماح للقطاع الخاص الفرصة لإتاحة فرص العمل للشباب، بدلا عن التوظيف في القطاع العام .
وطالب بخروج رئيس الوزراء، من عباءته التي تقوم بحملة العلاقات العامة في الخارج، ويواجه الواقع ويطرح القضايا، والبدا بالإصلاح الاقتصادي والسلام، لأهمية ذلك.
وقال ان الحكومة الانتقالية مشغولة بالقضايا الأيدلوجية “شيوعيين واسلاميين” وان الواجب يتطلب التفكير في حياة الناس ومعيشتهم، وان الصفوة المسيطرة على السلطة والثروة في السودان تريد ادخال الأيدولوجيات في الحياة العامة.
وأضاف جاء الأوان للتركيز في عملية السلام والإصلاح الاقتصادي، وان هذا يحتاج لحوار عميق، غير ان التزييف الذي تمارسه الحكومة الانتقالية لا يؤدي الي الامام.
منع الرسوم
وكان مجلس الوزراء، قد أجاز مشروع موازنة 2020م، الأسبوع الماضي، وبالابقاء على “دعم القمح وغاز الطهي، والرفع التدريجي للمحروقات”.
وقال وزير المالية إبراهيم البدوي، عقب إجازة مشروع الموازنة، إنها ستضاعف الصرف على التعليم والصحة مقارنة بموازنة عام 2019م بجانب الالتزام بمجانية التعليم الاساسي الحكومي، ومنع فرض اي رسوم بجانب توفير الوجبة المدرسية المجانية للتلاميذ للمدارس الحكومية، وتخصيص نسبة إثنين في المئة من التحويلات الجارية للولايات، والالتزام بمجانية العلاج بالمستشفيات الحكومية ومنع فرض الرسوم العلاجية من أي جهه.
مؤكدا إزالة التشوهات والفوارق في المرتبات والاجور وزيادة المرتبات بنسبة 100 في المئة، خلال هذه الموازنة، وزيادة الحد للاجور من 425 الى 1000 جنيه شهرياً، وخلق اكثر من 250 الف وظيفة كحد ادني للشباب.
وابان البدوي، أن موازنة 2020م ترتكز على ثلاثة محاور اساسية هي تحقيق اهداف التنمية المستدامة من خلال “تخصيص الموارد والاهتمام بمتابعة البرامج لتحقيق موجهات الميزانية في مجال التعليم والصحة والمياه والخدمات الاجتماعية”.