عبد العزيز التوم
كون امتناع الشرطة في العاصمة عن أداء واجباتها في بسط الأمن تحت ذريعة أن أفرادها يخضعون للمساءلة في حالة تجاوزهم للقانون ؛هذه هي قمة الغطرسة والصلف التي وصلتها جهاز الشرطة ،وهذا تأكيد علي أن الشرطة التي تترعرع في كنف الأنظمة الشمولية لا يمكن أن تحيا في الأجواء التي تسود فيها المساءلة والشفافية ،وتود أن تكون يدها دائما مطلوقة ، تبطش وتقتل وتنتهك الحرمات باسم القانون دونما حسيب أو رقيب، وبذلك تستوي الشرطة في أداءها فعلا ووزنا مع شعارات الديكتاتور اللعين الذي أسس بمقولته الشهيرة ” لا نريد أسير أو جريح ” اكبر مشروع شر في وجه الأرض ،وبحق السماء والأرض سوف تلاحقه اللعنات الي الأبد.
أن الشرطة التي ينبغي أن تكون في ظل الدولة المدنية، هي الشرطة التي تمارس مهامها بحرفية ومهنية عالية وعلي نحو متساو بين الجميع، تتفهم الاحتياجات الأمنية لمختلف الشرائح المجتمعية، تحترم القانون وتعمل على ترسيخ دعائم سيادة حكم القانون، وتقوم باحترام كرامة المواطن السوداني، وهي بذلك تكون كغيرها من أجهزة الدولة والأفراد المنتسبين لها تخضع للقانون، هذا هو مبدأ سيادة القانون الذي نود أن يسود بين الجميع.
وكما ذكرنا في مقالنا السابق عن “الشرطة والتنميط العنصري “، أن ظاهرة انتشار الجريمة في العاصمة لا يمكن أن تحل بأطلاق يد الشرطة ومنحهم حصانات مطلقة ضد المساءلة، كما يروج لها بعض ضباط الشرطة الذين تربوا على أحضان الديكتاتورية البغيضة وشربوا من ثديها وقويت بهم شوكتهم المهنية. بل أن الجريمة يجب أن تنظر إليها بأبعاد مختلفة ويتم تقديم حلول اجتماعية وقانونية التي تخاطب جذور المشكلة (problems resolution approach).
وقد أبنا، أن ظاهرة النقرز التي تغلق مضاجع الناس في الخرطوم، لم تكن وليدة الصدفة التاريخية، بل نتاج طبيعي لشن الدولة حروب طويلة الأمد ضد مواطنيها، وما صاحبتها موجة النزوح حول العاصمة القومية، وباتخاذ الحكومات إجراءات تعسفية في مواجهة الاحتياجات الأساسية لحقوق هؤلاء الضحايا من السكن والعيش الكريم، بل لجأت الحكومات في تفصيل قوانين عنصرية في حق هؤلاء الناس باعتبارهم غير مرغوبين فيهم قد ولد غبن اجتماعي، وادي الي انتشار الجريمة في هذه المناطق.
لكي تكون المسالة واضحة حتي لأولئك الذين في قلوبهم أقفال، والذين عُميت أبصارهم عن قراءة حقيقة المشهد الأمني بالعاصمة وظلوا يضربون طبول الحرب ضد النقرز وحاضنتهم الاجتماعية ويصورونها وكأنها نبت شيطاني لا أساس لها من المجتمع ،نقول ، أن المشتبه به الأول في صناعة الفوضى والخراب وبث الرعب بين المواطنين، هي الشرطة لا غيره، لان الشرطة بفعلتها هذه تراهن علي تحصين أفرادها تحصينا مطلقا من أي مساءلة قانونية(وكان لسان حالها تقول ما أجملك يا زمن الشمولية ) هذا أن لم نسيئ الظن ،أن الشرطة تعمل لمصلحة فلول النظام المُباد لزعزعة الأمن ومن ثم أفشال الحكومة المدنية.