محمود جودات
قبل الدخول في الموضوع دعونا نطرح بعض التساؤلات ونجيب عليها . السؤال الاول : لماذا يعتقد بعض الخلق من البشر أنهم افضل من غيرهم ويتعالوا عليهم عرقيا أو ثقافيا وغيره من أنواع التمييز ويحدث هذا التعالي والتمييز باشكاله المختلفة ؟ أولا : يعتمد الانسان دئما على قوته المادية الثروة ثم ثانيا : مكانته الاجتماعية السلطة والنفوذ والجاه وفيما بالاضافة إلى ما تربى عليه من ثقافة البيئة المحيطة له ثالثا : الفكرية، الفكر المشبع بالعنجهية والتكبر والتعالي هذه العوامل الثلاثة هي جوهر توالد العنصرية وتأصيلها في المجتمعات المدنية فردا أو جماعة .السؤال الثاني : لماذا يتواجه الناس فيما بينهم وكل يدافع عن ثقافته او تمييزه ويعتقد أنه يختلف عن الاخرين ؟ لكل إنسان كيان وهو المحتوى الذي حمل تكوينه وهذا الكيان لابد من الدفاع عنه لأنه يمثل الوجود والقيمة الالإنسانية وإذا ما شعر الكائن بانه في خطر أو يواجه هجوما من اي طرف مضاد يستهدف تفريغ هذا الكيان من محتواه فيصبح لا شيء فالدفاع عن الجود من شريعة الحياة . لا توجد دولة في العالم مكونة من قبيلة واحدة إلا أن تكون مملكة والملك والرعية من نفس العائلة الوحدة . التنوع سمة طبيعية في تواجد الكائنات ومن ضمنها البشر حيث انزل الله فيهم اية في كتابه الكريم حيث قال ( يا ايها الناس أنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا أن اكرمكم عند الله اتقاكم أن الله خبير عليم ( الحجيرات س11 ) وان التمدد البشري هو الذي يخلق التنوع لتنوع الثقافي ومطلوب من الدولة أن تجعل من تواجد التنوع الثقافي حوار ايجابي متفاعل مع المعطيات بحيث يكون ركيزة للإبداع الكلي يعكس السمو والرفعة للقيمة الثقافية في الدولة . كلمة استلاب ( alienation ) لها دلالات جدلية تتصف بالميوعة والتشتيت ويذهب الفيلسوف الفرنسي بول ريكور في وصف الاستلاب بأنه كيائن مريض محددا علة مرضه فيما يسميه ( بالاثقال السيمانطيقي / surcharge semantique ) بمعني أن لفظ الاستلاب مثقل بالمعاني والدلالات لدرجة انه اصبح يعني كل شيء،حتى كاد لا يعني شيئا ًولأنه يستخدم في عدة حقول علمية وسياسية وفلسفية وحتى الفنية وحتى في الحب والمشاعر استلاب الوجدان والعواطف ونحن نقصد باستحدامه في هذا المقال بالاستلاب الثقافي ( cultural alienation) والذي يبدأ بالقوة الناعمة ويتطور ليصل إلى مرحلة تهديد الهوية وفي تقديرنا هي تعني بالدلالة الموضوعية التسليم والخضوع بطريقة ما من طرف إلى طرف اخر وبإختياره لأن الاستلاب عملية اختيارية والاستلاب على الرغم من أنه اختياري بالنسبة للفرد او الجماعة ولكنه خطير لأبعد الحدود لأنه القاعدة التي يتولد منها الصراع بين الهويات والحالة السودانية اصدق مثال . من المغذيات الفكرية السالبة ، عدم القبول أو عدم الاعتراف بثقافة طرف من الاطراف المتواجدة مع مجموعة في نفس الرقعة الجغرافية وهذا يعني اعلان حرب على هويته وطمسها وهي مرحلة من مراحل الاستلاب الثقافي المحتدم، ومن الفهم الغبي الذي جعل المستعربين في السودان يشعرون بأنهم افضل من الاخرين هذا الفهم مرده سياسة اختلاق الاختلاف والتمايز المبني على عوامل سطحية هي سحنات البشرة الفاتحة اللون نسبية ونعومة الشعر والعلم المكتسب يحسبها البعض فضيلة تجعلهم اكثر تعاليا على الاخرين بالرغم من أن كل تلك العوامل ماهي إلا مكونات طبيعية يكتسبها الإنسان ولا يجوز أن تكون أداة لتفريق النسيج الاجتماعي في الوطن الواحد وحتى الكسب العلمي عمل بشري محدود لا يمثل حقيقة الفكر البشري في ذهن الانسان لأن المعارف ترتكز على المواهب والمواهب يخلقها الله مع الانسان لذلك كان ومايزال معظم علماء ومفكري العالم غير متخرجين من جامعات واكثر الذين قدموا للبشرية العلوم النافعة لم يتلقوا علما من أحد، لذلك ليس هنا ثمة مبرر يدفع طرفا أن يستلب ثقافة طرف اخر أو يقلل من قيمتها ويعمل على احتوائه في ثقافة اخرى هو نفسه غير راض عنها سوأ أن كانت بالقوة الناعمة او القهرية . ومسئولية الانسلاب تقع على الجانب الذي سخر نفسه للطرف الاخر وجعل نفسه في حالة فقدان الأهلية وخضع للانقياد لأنه يدور في فلك الانخداع الايجابي ( Lulled by the positive ) لأنه أحب ذلك أن يحدث له، وفي حالة غفلة عن النتائج السالبة المترتبة على ذلك الخضوع ولكن في مرحلة الاستفاقة يمكن للطرف السليب أن يتحرر من الانسلاب لأن عملية الانسلاب عملية شخصية وفردية في كل المراحل ماعدا مرحلة المقاومة وهي المرحلة التي يشعر فيها السليب أنه لقد اخطاء الاختيار يرغب في التراجع وتصحيح وضعه وفي ذات الوقت اصبح السالب يسيطر على السليب ويتسطيع اجباره على البقاء في شكله المسخ المشوه . الانسلاب يؤدي إلى ان يتخلى الإنسان السليب عن اصله ويتم بذلك تغيير لهويته تبعا لما هو خاضع ، الخضوع للاستلاب له عدة ميكانيزمات دفاعية مبطنة تعمل على تطويع السليب وجعله طيعا مستجيب دون ادني مقاومة والميكانيزمات هي عبارة عن اداوت تنفيذ الاستلاب الثقافي ودعنا نقر بان الحالة السودانية هي الاكثر شيوعا في عملية تنفيذ الاستلاب الثقافي المبنية على اساس الجغرافية البشيرية من حيث التكوين والنمط الجيني ونشير على ان الميكانيزمات الدفاعية المبطنة تحمي نفسها عن طريق استلاب حقوق الاخرين باستخدام القوة الناعمة وهي عبارة عن الادوات التي تختلقها وتتحكم في ادارتها في تنفيذ عملية الاستلاب الثقافي الادوات يمكن ان تكون عبارة عن منظمات مجتمع مدني تقوم بدور السيطرة ونشر الثقافة الاحادية العازلة للأخر بشكل يعصب على الاخرين المقاومة والوقوف ضدها ولا يكون لهم خيار غير التعاطي معها فيصبحوا ضحية الاستلاب وضياع هويتهم الاصلية والقومية وكذلك الادوات يمكن ان تكون هي الحالة الطاغية بقوة السلطة حيث تكون هي عملية مسيسة تديرها سلطة الدوولة في تصنيف الطرف واعطائه درجات علية على حساب الأطراف الاخرى فيكون دور الدولة تشغيل مؤسساتها وتسخيرها لخدمة التمييز والعنصرية ودعم بقية الادوات والمؤسسات العاملة في مجال الثقافة للممارسة والتطبيق حسب التوجيهات الصادر من قمة الدولة راجع الصورة الواقعية للسودان هل تمثل حقيقته ؟؟ في حالة الدولة الطاغية التي تسخر مؤسساتها كادوات لتنفيذ عملية الاستلاب اي كان نوعه ونحن قصدنا الثقافي فأن الضحية وهو السليب سوف يعاني صعوبة التحرر من الاستلاب لأن الحالة المرضية قد تكون وصلت إلى درجة الوفاة العوامل الزمنية والتفاعل الايجابي السابق لا شك يكون قد لامس الجذور بطبيعة الحال مثل الانساب والتداخل العرقي وتمازج الدم فهي دخلت عن طريق الانخداع الايجابي ( Lulled by the positive) بالتالي عملية التحرر من الاستلاب الثقافي تصبح في غاية الصعوبة ولكنها ممكن في حالة جعلها عملية تحررية مستقبلية لفائدة الاجيال القادمة .. في المجمل يعاني من هذا الاستلاب الثقافي بشكل مباشر الاعراق الافريقية من قبل المجموعات المستعربة المتوالدة في السودان هذه المجموعات المستعربة المتوالدة في السودان استطاعت ان تستثمر وضعها الاقتصادي والعلمي والتي وجدث فيه بحكم الظروف والعوامل التاريخية المعروفة هي التي ورثت هذه المجموعات واعطتهم مصدر القوى مما مكنهم في استخدام الميكانيزامات لمتاحة في تنفيذ الاستلاب الثقافي بتدرج حتى وصل إلى اعلى مستوياته من القبح البشري في تدمير ثقافة السليب . عمليات الاستلاب هي صراع مجتمعي تم تفعيله من القاعدة إلى القمة بحيث يصبح صراع بين المركز الذي يمثله مجموعات العناصر المستعربة وعندما نقول المجموعات المستعربة نشير إلى ان هذه المجموعات تكونت نتيجة لأكبر عملية استلاب ثقافي وعرقي يحدث في وطن وفهي الآن تمارس عملية الاستلاب الثقافي ولعرقي بكافة الاساليب ضد الهامش الذي يمثله المجموعات الافريقية في السودان بدأت بالقوة الناعمة بالادوات والممارسة والتوجيهات ثم وصلت إلى القوة القهرية الحرب والاجبار . وأخيرا نريد أن نقول لا يفلح من ظل حليفا للشيطان وقانعا بفكره في الله في خلقه أن يقنعني بأنه سيصبح ملاكا فان كنت لا تقبل بي بأن نعيش معا على تراب الله لأنني لا اشبهك فاتركني وشأني لا تحاول أن تسلبني حقي في الوجود ولقد منحني ربي هذه الحياة فلا تجبرني أن اكون انت لأنني لن اكون إلا أنا ولأني لم أفكر يوما أن تكون انت انا وظللت احتويك بالحب دون أن اعرف انك تضمر لي الشر …