تقرير؛ إبراهيم إسماعيل إبراهيم شرف الدين
العودة الطوعية هو الخيار الاستراتيجي الذي يمهد لعملية اعادة البناء وتعمير مادمرته الحرب ولكن تتضاءل الفرصة مع غياب الأمن واصرار النظام على الحل الأمني والعسكري للأزمة الإنسانية المتفاقمة في مناطق الصراع ولاسيما إقليم دارفور والنوبة والانقسنا، فهل يتمكن حزب المؤتمر الوطني من الإلتفاف على قرارات المحكمة الجنائية بالتخلي عن دعم الإرهاب؟؟
مع بزوغ كل فجر جديد يضيق القناق على السودانيين ويتسع الفتق عليهم لرتقه ولا يلوح اي بارقة امل في الأفق الموصد بسبب انتهازية الحركات المسلحة التي اتخذت من الأزمة الإنسانية مطية لتحقيق مآرب شخصية لا تمت للمصلحة العامة بصلة وكانت اتفاقية ابوجا بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، ثم تلتها الدوحة بارقامها المتسلسلة وغيرها من اتفاقات صورية لا تساوي قيمة المداد الذي كتبت به حدث ولا حرج فالقائمة طويلة طول الأزمة الإنسانية التي يكتوي بنارها المضطهدين بالمخيمات، ينتظرون مصيرهم المبهم تحت القصف وهجمات الجمجويت المستمرة، وأخيراً انتهت مسرحية حركة التحرير والعدالة الذي أدى فيها الديمنقاوي التيجاني سيسي محمد اتيم وهتيفته دور الكومبارس بهروبه المفاجئ إلى لندن بسبب عدم منحه منصب نائب الرئيس او رئيس الوزراء، وهكذا اختفت ملايين الدولارات ضختها مشيخة قطر في صندوق إعمار دارفور لتشجيع العودة الطوعية ووقف الحرب ولكن مازال الحرق والقتل مستمر مع تدريب النظام الاف المليشيات.
في غياب دعم المنظمات الإنسانية واجراءات السلامة يعيش اللاجئين بمخيم كريسان المجاور لحقول وانبوب الغاز الذي يبعد من المخيم بضعة أمتار، غربي غانا ظروف قاسية حيث يبذلون قصارى جهدهم من أجل توفير المتطلبات الضرورية.
ويعمل معظم اللاجئين بمن فيهم السودانيين في صناعة الفحم النباتي وهو المصدر الرئيسي لتوفير النقد والسيولة بالمخيم الذي يحتضن عشرات اللاجئين من 14 جنسية مختلفة. ولكن الإقبال على الفحم يتزايد في موسم الأمطار كما ترتفع الاسعار ليصل سعر الجوال حوالي 7$ وهو أرخص بكثير مقارنة بالمعاناة والمخاطر التي تتخللها عملية صناعة الفحم، بداية بالحصول على موافقة مالك الأرض واستئجار ماكينة القطع الذي يكلف حوالي ال 30$ مرورا بعميلة توضيب الحطب وجمعها في مكان قريب من ميدان يتم تنظيفه جيدا تمهيدا لعملية الرص وحزم الحطب بطريقة علمية لتمكين مرور النار كي يحترق الحطب بشكل جيد وهو ما يؤثر في جودة الفحم، ثم انتهاءا بعملية تغطية الحطب المرصوص بالأعشاب وأغصان الشجر قبل الدفن وإشعال النار. تستغرق المهمة برمتها حوالي 3 أسابيع حتى يتمكن اللاجئين من عرض انتاجهم في السوق فيما القوة الشرائية والاقبال على الفحم ضعيفة ويعود ذلك لوجود بدائل أخرى مثل الغاز والحطب.
ويفتقر مخيم كريسان لأبسط مقومات الحياة في ظل توقف الامدادات الغذائية منذ أكثر من عقد وانعدام الرعاية الصحية ويضطر سكان المخيم استخدام الدراجات النارية لنقل المرضى والنساء الحوامل إلى مستشفى (ايكوي) على بعد 4كم ولكن اللوائح الجديدة التي اصدرتها وزارة الصحة تلزم اللاجئين بدفع نصف قيمة تجديد البطاقة في حال انتهاء الصلاحية.
وتفرض السلطات المحلية رسوم باهظة لإصدار تصريحات باستخدام الأرض وقطع الأشجار ولا يعفي التصريح عن ملاحقة السلطات الرسمية المسؤولة عن حماية الغابات.
وتبعد المسافة بين أماكن إنتاج الفحم داخل الادغال وسوق بلدة (ايناسي) حوالي 10كم ولكن يتعذر نقل المنتج بالدراجات النارية في فصل الخريف لوعورة الطريق فيضطر اللاجئين حمل جوالات الفحم التي يزن الواحد منها حوالي 30كجم على رؤوسهم لقطع مسافة 5كم يمرون عبر نهر لتوصيلها إلى الضفة الأخرى في عملية محفوفة بمخاطر جمة.
وفيما ينتظر السودانيين المهلة التي حددها دونالد ترامب للنظر في امكانية إلغاء حظر دخولهم للولايات المتحدة الأميركية أصدر مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في غانا جوابات لبعض اللاجئين السودانيين تفيدهم بتعليق اجراءات إعادة التوطين الخاصة بهم لاجل غير مسمى بحسب ما ورد على لسان بعض من شملهم القرار.
وتستعين المفوضية الحكومية المسؤولة عن شؤون اللاجئين في غانا؛ وهي جهة تملك سلطة عليا على مفوضية الأمم المتحدة بمترجمين غير سودانيين لايجيدون اللغة العربية ولا اللهجة السودانية ناهيك عن اللغات السودانية الأخرى ولاسيما لغات الشعوب التي ارتكبت في حقها الابادة الجماعية والتي مازالت مستمرة إلى يومنا هذا. وتعتبر الترجمة وسيلة أساسية لتوصيل المعلومات وفهم الأسباب الحقيقية التي أجبرت اللاجئين ترك أوطانهم.
واتاح سهولة الحصول على جواز السفر والمستندات السودانية الفرصة لكثير من الأجانب لتقمص الهوية السودانية من اجل الحصول على حق اللجوء والاستفادة من خدمة اعادة التوطين التي تقدمها المنظمات الإنسانية كأحد الحلول الجذرية للاجئين السودانيين بسبب الأزمة الإنسانية ومن ضمن الحلول أيضاً العودة الطوعية والدمج في المجتمع المحلي.
ومن هنا من قلب الأزمة الإنسانية الطاحنة والظروف القاسية التي يحياها اللاجئين بمختلف جنسياتهم في مخيم كريسان الذي يعيد إلى الأذهان مراكز اعتقال النازية في عهد هتلر حيث تضرب السلطات الغانية طوقا امنيا ولاتسمح بدخول الصحافيين والنشطاء الحقوقين المستقلين، نناشد المنظمات الإنسانية والحقوقية بالتدخل لإنقاذ الوضع وتقديم المساعدة.