بقلم/ عبدالرازق عثمان إيتو
بينما كنت ذاهباً وسط حشود من الناس في أحدى أسواق العاصمة والكل منهمكاً في همه؛ حيث المناداة وإستخدام وسائل تسويقية لإغراء المارة بشراء بضائعهم وبعض مواد الأغذية (منقة بشطة، بطيخ و…….الخ) المفروش على درداقات، وكذلك ملبوسات وأحذية وغيرها. تمر عربة تحمل مجموعة من الجنود وتستحوذ كل ما يقابلها.
أصبح المشهد معتادا للجميع وخصوصاً الذين يصارعون ليلاً ونهاراً بحثاً عن لقمة عيش يحفظ حقهم البقائية لحين إشراق يوم جديد، واللافت للنظر هنا أن كل العاملين في هذا المجال هم من أبناء عامة الشعب وأقصد هنا أولئك الذين ليس لهم جمل ولا ناقة في السلطة، وليس لهم صلة بالأماكن الفاخرة ذات البضائع والسلعة الحديثة والتي لا يمكن أن تطاردهم (الكشة) سواء الأجراءات الإجرامية من قِبل النظام من فرض ضرائب باهظة تارة وإجبارهم على دفع مبالغ نقدية طائلة لأغراض تفقيراً وبالتالي ملئ خزانتها الفاسدة بأموال الفقراء والمساكين تارة أخرى. في هذا الجوء المؤلم يكابر ويعمل العامل ويقضي معظم ساعات يوميه لولا كله في البحث عن مبالغ غير كافية وتنتهي بين ركوب المواصلات وشراء إحتياجاته الأساسية وفوق هذا وذاك يكفل بمصاريق تدريسه وفي بعض الأحيان يعتني بأسرته المنكوبين الساكنين في مخيمات النزوح واللجوء.
غالبية العاملين هم من فئة الشباب يشتغلون عند أطراف الطرقات وبين زقاقات السوق، نسبتاً لعدم وفرة مساحة بموجبها يعمل هؤلاء البائسين والمنسيين. وساعات عملهم في الظهيرة نتيجاً لإنشغالهم بالحياة الدراسية أو القيام ببعض الأعمال في الفترات الصباحية. هؤلاء الشُباب تركوا أقاليمهم وأهاليهم وأقرابئهم وقَدموا للعاصمة( عاصمة الصفوة )، بغرض حياة ربما تسود فيها الكرامة والرفاه الإقتصادي وبالتالي الإعانة بإنفسهم وأهاليهم، ولكن هذا لم يكن موجداٌ في عاصمة الذل والهوان بل أصبح الوضع أكثر تعقيداً حينما وجدوا أنفسهم بين سندان الأمر الواقع ومطرقة الحكومة النازية. شكلت نظام الخرطوم مجموعة من الجنود حيث تسميهم الجميع بإسم الكشة وهي قوات لا تعرف الشغفة وتعمل بلا هوادة لتنفيذ أوامر السلطان وتكمن مهمتهم في طرد الذين يعملون في أطراف الأسواق بعد طردهم من أقاليمهم الأصلية بحجة إفراغ العاصمة من المنبوذين والمخربين. ففي الوقت الذي حمل العامل بضائعه على عربة صغيرة(درداقة) وجلس عند طرف شارع فسيح وسط السوق؛ بغية عرض منتجاته للمارة وبالتالي تسويقه بطريقة أسرع، أحتشدت الكشة وبدأت تستحوذ كل ما يواجهها بلا رحمة ولا أي واذع من ضمير يذكر، فإقتربت العربة صوب العامل وبدأ الجنود في رفع الدرداقة إلى العربة ورفض العامل من رفع درداقته بحجة أنه يعمل هنا منذ فترة طويلة، وأثناء حديثه إستدار الجندي خلفاً ورفع رجله ورفس الدرداقة ملقياً بذلك أرضاً؛ حيث تشتت البطيخ المقطوعة والمنقة المشطة( يقطع المانجو إلى أجزاء ويُأكل بالشطة). تعب العامل في الحصول على الدرداقة وكذلك في الحصول على البضائع وجاء الكشة بليلة وضحاها مارست سياسة همجية بربرية أفقرت العامل. رغما ذلك فإن غالبية الجنود عبارة عن أبناء هامش قِدموا إلى هنا( العاصمة ) وليس لهم عمل أو جهه لكسب الرزق فإطروا إلى العمل كجنود كشة بإستقطاب النظام ووفظهم لصالح بقاءه وفقر أبناء جلدتهم.
من الجانب الإنساني يحق لكل فرد العمل وعلى الدولة توفير الخدمات الأساسية للمواطنين والحفاظ على حياتهم وعدم تعرضهم للأذى بأي صورة كانت. ففي وطني كل الحقوق معدومة وأصبحنا في العراء بلا مأوى أو مأكل او ملبس أو بقية الحقوق الأساسية، فما حصل سيحصل وسيحصل في الدولة السودانية مرهونة بذهاب النظام الذي لا يعترف بأبسط الحقوق. والكل يعرفه بسياسته المجحفة والتفقيرية وكذلك سياسة الفصل العنصري والعمل بكل قواه لإستئصال قوة ومد الفكر الهامشي( عامة الشعب )، وطرد المواطنين من ذو أفكار وخلفيات تاريخية ومعتقدات وإنتماءات مغايرة لأفكار وسياسة المركز ( الصفوة ) للحفاظ على الوضع الحالي والسابق من سيطرة المركز على الهامش. فماذا نحن فاعلون حيال حقوقنا المعدومة؟ وكيف لنا أن نصمت ونكف أيادينا والاكتفاء بالنظر فقط على تلك الجرائم؟. نظام الخرطوم لم يبقى هكذا وذهابه عامل الزمن ليس إلا، فهيا يا جماهير شعبنا الأبي نثور ونسقط نظام القتل، التهجير، التفقير، الإغتصاب ونظام الإبادة الجماعية، وبذلك سعينا لإحداث تغيير شامل وكامل والمواطنة هو الخيار الأوحد لنيل حقوقنا وواجباتنا.
تعليق واحد
هكذا هي بلدنا يا اخي تعودنا علي مثل هذة العفعال
في ظل الحكومتنا الفاسدة …..