ملكال :صوت الهامش
ملحوظة: لم استطيع انزال صور الجثث لبشاعتها…
اشلاء وجثث متناثرة على الارض وآخرى منتفخة على امتداد ضفاف النيل الغربية، تلك المشاهد كانت العنوان الابرز الذي طغي على اي مشهد آخر في غرب مدينة ملكال التي زرناها أمس الاول برفقة قيادات من الجيش الشعبي لتحرير السودان .
رصدت كاميرتى أكثر من “56” جثة منتفخة تملأ الارض وتعود لعناصر “ريك مشار” حسب الرواية الرسمية للجيش اذ قال عنهم الناطق باسم الجيش العميد “لول رواى”، ان القتلى ينتمون لقيادة المتمرد “جونسون اولينج” القائد الميداني لريك مشار في المنطقة، مبيناً ان أولينج شن هجوماً مسلحاً مساء الجمعة 14 من اكتوبر الجاري منطلقاً من مكان تمركزه بمنطقة “واو شلك” بهدف الاستيلاء علي مناطقنا في كل من “ليليو و وارجوك” غرب النيل، فتصدينا له وسقط عناصره قتلى اثناء الاشتباكات بنيران الجيش الشعبي وولى أخرين بالفرار بعد ان تكبدوا هزيمة نكراء تاركين خلفهم قتلى وجثث ملقاة على الارض.
مدخل
بدعوة قدمها الجيش الشعبي لتحرير السودان لجميع وسائل الاعلام المختلفة العالمية منها والمحلية ، سافرنا أمس الاول بطائرة عسكرية ” هليكوبتر” من جوبا الي حاضرة ولاية شرق النيل”ملكال” من اجل تغطية اعلامية للاحداث التي جرت على ضفتها الغربية .
اقلعت بنا الطائرة من مطار جوبا الدولي في تمام الساعة العاشرة ونصف صباح الاحد 16 اكتوبر من الشهر الحالي ، وعددنا “22” صحفياً من مختلف الوكالات العالمية كقناة الجزيرة ورويترز والاناضول وغيرها، بالاضافة الي مراسلي الاذاعات والصحف المحلية، ويرافقنا في هذه الرحلة الناطق الرسمي باسم الجيش الشعبي العميد لول رواي قلواك.
لم يفصح العميد عن معالم الرحلة او الهدف الاساسي منها غير انه اكتفى بالقول “ان هذه الزيارة ستكون رد للشائعات التي روجت لها بعض وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي والتي تفيد ان عاصمة ولاية شرق النيل “ملكال” قد سقطت على يد قوات التمرد، ونحن ذاهبون معكم لدحض هذه الشائعات” مبيناً ان هنالك أمور اخرى ستتعرفون عليها وانتم في ارض الواقع.
كان ضجيج محرك الطائرة عالياً وحرمنا من تبادل اطراف الحديث فيما بيننا الا اننا لم نحرم من الاستمتاع بالمناظر الغلابة التي تزخر بها الطبيعة في بلادنا رغم نكبتها، وكنا نحدق بالارض من على الطائرة وكان المنظر بهيج وجميل، وقد شكلت ارتفاعات الجبال الشامخة وخرائط النيل الملتوية لوحة فنية في غاية الروعة والجمال، فضلاً عن اخضرار الشجر وكثافة الغابات التي ادهشنا منظرها من الفضاء وهي مناظر لازمتنا حتى وصولنا الي سماء ملكال، اذ بدت ملكال من فوق مدينة جميلة ورسمة هندسية فريدة من نوعها الا اننا كنا نجهل ما تخبئه لنا الارض من عجائب ومصائب.
مؤتمر صحفي لقائد المنطقة
هبطت بناء الطائرة عمودياً في حاميةعسكرية وسط مدينة ملكال في الساعة الواحدة ظهراً اي بعد ساعتين ونصف من الطيران، وفور وصولنا استقبلنا قائد المنطقة اللواء “بطرس بول بول، قائدة الفرقة الثانية (قرنتي) وحوله جنود مدججون بالاسلحة، وبعد طقوس عسكرية مألوفة رحب بنا القائد وعقد مؤتمراً صحفياً شرح لنا فيه ما دار في ملكال قبل يومين، وقال ” ان عناصر التمرد التابعين لريك مشار في المنقطة الغربية للنيل تدعى (واو شلك) شنو هجوماً على مناطقنا التي تجاورهم مساء الجمعة “14” اكتوبر، وقد تصدينا لهذا الهجوم وكبدناهم خسائر فادحة” واجبرنا من تبقى منهم على الانسحاب، وأكد بول ان هنالك اخبار مخلوطة ومفبركة يتم تداولها على نطاق واسع عن ملكال، فتارة يتحدث الاعلام عن هجوم قام به الجيش الشعبي على مناطق المتمردين وتارة يتحدث بعضها عن سقوط ملكال على يد قوات التمرد، واوضح بول ان كل هذه الاخبار مجرد شائعات لا تمت الحقيقة بصلة، واضاف” سنقوم بجولة تفقدية معاً وسنطوف المناطق التي جرت فيها الاحداث باعتباركم صحفيون معنيون بعكس الحقائق كما هي لعامة الناس، و لهذا السبب دعيناكم.
زيارة ميدانية لارض الاحداث
وبعد المؤتمر الصحفي مباشرة اتجهنا بالسيارات الي ضفاف النيل، ووجدنا سفينتين صغيرتين “بنطونين” في انتظارنا، ركبنا عليمها ومعنا اللواء بول بول وموكبه العسكري وعبرنا النيل غرباً الي الضفة المقابلة، وتحديداً الي منطقة تدعى “ليلو” وهي واحدة المناطق التي دارت علي ارضها الاحداث، وعند وصولنا الي الربع الاخير ماقبل الشاطئ توقف بناء البنطون وسط المياه وراينا مدرعتين عسكريتين (دبابتين) تدخلان النيل عائمتين فوق المياه مثل (المراكب)) وهما في طريقهما الينا، واذا بالقائد يطلب منا النزول من البنطون والركوب عليهما، وفعلنا، وواصلنا عبور النيل، الي ان بلغنا اليابسة.
اسقبلتنا رائحة الجثث المتعفنة التى ازكمت انوفنا قبل ان يستقبلنا جنود الفرقة الثانية للجيش الشعبي الذين قابلونا بالهتافات والمارشات العسكرية، نزلنا من المدرعتين وهممنا بتحسس الكاميرات، فطلب القائد منا للمرة الثالث بان نتوجه للميدان الذي على بعد خطوات من مكان وقوفنا أمام الخنادق المحفورة، هذا قبل ان نطرح له اي سؤال، وقد فعلنا ايضاً امتثالا لاوامره ، وكانت المفاجئة التي لم نكن نتوقعها ان تكون بهذا الحجم، راينا جثث بشرية بعضها على الارض بالزي العسكرى واخرى عارية تماماً كما خلقها الخالق بدون اي كسوة، وقد بدأ بالانتفاخ والتحلل ، اي ان اغلب الجثث ينطبق عليها وصف الحيوانات الميتة التى نراها مرمية في اماكن تجميع قمامة المدن وهي مرفوعة الاطراف من شدة النفوخ.
وقفنا نرصد بالكاميرات جثة تلو آخري الي ان رصدنا عدد “37” جثة في منطقة “ليلو”غرب نيل مدينة ملكال، وقد حذرنا القائد من التوغد الي احراش الغابة أكثر بالرغم من عدد الجثث لايزال متواصل في الظهور وبالرغم من ان مدرعاته وجنوده منتشرين على بعد مسافة بعيدة من حولنا، ولكنه كان مصر على ان نتوقف حتى لا تتعرض حياتنا للخطر.
كلمة القائد اللواء بطرس بول لول.
وفي كلمته التي القاه في مكان الجثث، قال اللواء بطرس بول بول لوسائل الاعلام” كما تشاهدون فهؤلاء الذين ترون جثثهم ملقاة على الارض هم متمردين هاجمونا في مناطقنا، ولذلك سقطوا امام خنادقنا” ونحن لم نبادرهم بالهجوم كما يروج له في بعض وسائل الاعلام، فنحن موقفنا في الجيش الشعبي هو الالتزام الكامل بوقف اطلاق النار الذي ورد في اتفاقية “تسوية النزاع” المبرمة في اديس ابابا بين الحكومة والمعارضة المسلحة، لذلك بقينا في مناطقنا، ولم يسبق لنا يوم وهاجمنا مناطق المتمردين، وزاد بالقول “نريد ان نترك المجال للعملية السلمية التي يقوم بها السياسيون في البلاد.
وقال بول انه بوسع قواته دحر المتمردين من المناطق التي يسيطرون عليها ولكنه لم يشاء فعل ذلك لانه لا يزال هناك امل في نجاح عملية التسوية السلمية لانهاء الخلافات السياسية بين القيادات في البلاد.
وفي سياق متصل طلب بول من الصحفيين نقل الحقيقة كما هي في ارض الواقع معرباً عن امله بان يعرف العالم حقيقة ما يدور في ملكال، عن المعتدى ومن المعتدى عليه!، وادرك قائلا ” كما نزلتم في ملكال فهذا يثبت حقيقة ان مدينة ملكال لم تسقط في يد المتمردين كما روج له اعلام المتمردون، وايضاً وضحت حقيقة اننا لم نهاجم احد، ولكن بالتأكيد لنا حق الدفاع على الدولة وعلى انفسنا، وانا أوكد لكم اننا سنتمسك باماكن تواجدنا، اذا تعرضنا لهجوم من المتمردين فلن يلومو الا انفسهم وسيكون مصيرهم مصير الجثث التي تشاهدونها.
كلمة الناطق باسم الجيش
ومن جانبه قال الناطق باسم الجيش العميد “لول رواى”، ان القتلى ينتمون لقيادة المتمرد “جونسون اولينج” القائد الميداني لريك مشار في منطقة ” واو شلك المجاورة”، مبيناً ان أولينج شن هجومه المسلح هذا مساء الجمعة 14 من اكتوبر الجاري وينطلق من مكان تمركزه بـ”واو شلك” بهدف الاستيلاء علي مناطقنا في كل من “ليليو و وارجوك” غرب النيل، والغاية من هذا الهجوم هو السيطرة على مناطق قريبة من مدينة ملكال حتى يتسنى لمدافعه الحربية ضرب اهداف داخل مدينة ملكال ونحن تصدينا له وسقط عناصره قتلى اثناء الاشتباكات بنيران الجيش الشعبي وولى أخرين بالفرار بعد ان هزموا هزيمة نكراء مخلفين وراءهم جرحي وجثث ملقية على الارض وقال لول انه لا توجد خسائر في صفوف قواته، لانهم كانوا متمركزين داخل خنادقهم على حد قوله.
وبعد المؤتمر الصحفي عدنا الي ظهر الدبابتين وعبرنا بهما المياه مرة اخرى الي حيث يقف “البنطونين” داخل وسط النيل، ومنها اتجهنا جنوباً متوسطين النيل صوب منطقة تبعد 7 كيلو مترات تقريباً من مدينة ملكال يطلق عليها “وارجوك” نزلنا واتجهنا نحو الادغال، وبعد ان قطعنا مسافة مدتها خمس دقائق سيراً على الاقدام استقبلنا رائحة الجثث التي اصبحت معهودة لانوفنا، والحدث طبقا ما شاهدناها في “ليلو” نفس الجثث العارية نفس الانتفاخ، نفس التفاصيل تقريباً بالاضافة الي عدد ” 12″ مدفع رشاش ماركة ” B.K.M ” قال الناطق الرسمي باسم الجيش انها تتبع لعناصر التمرد وتركوها بعد ان الحق بهم هزيمة قاسية في المعركة. والملاحظ ان العدد التي رصدناه هذه المرة كان “19” جثة.
كما قلت الحال لم يختلف كثيراً عاد اللواء بطرس بول بول وكرر لنا كلمته الاولى كرسالته آخيرةمنه قبل ان نغادر ونعود الي جوبا، لكن بتركيز هذه المرة اذ قال اذهبوا واظهروا الحقائق كما هي واضاف ان لان هذه هي الحقيقة واضاف ان عدم ستر الجثث ليس لاننا لا نستطيع، وليس لاننا نريد ان نبين انتصارنا للناس، لا، بل لنوكد للعالم من هو المعتدي ومن المعتدى عليه في احداث ملكال، وبهذه الكلمات وصلت رحلتنا الي نهايتها، وقد تتبعنا نفس الخطوات الاجرائية مع الدبابات والبنطونات وصولاً الي مكان طائرتنا في قلب مدينة ملكال، وغادرناها في تمام الرابعة عصراً.