جوبا – صوت الهامش
رصد تقرير لمؤسسة طومسون رويترز جماعة من الفنانين والموسيقيين في جنوب السودان يضطلعون بمهمة تعبئة الشباب في أرجاء البلاد عبر الموسيقى ورسوم الجرافيتي والأشعار على أمل جلب السلام للبلد الذي مزقته الحرب.
وعاد التقرير بالأذهان إلى عام 2011، عندما امتلأت شوارع العاصمة جوبا بالمحتفلين بميلاد أحدث دولة في العالم. لكن الآمال المنعقدة على المستقبل قد تشوهت بعد 4 أعوام من الحرب الأهلية التي شردت نحو ثلث السكان البالغ تعدادهم نحو 12 مليون نسمة.
وقال التقرير إن حركة “أنا تَعبان” تحاول التعبير عن الغضب جراء الوعود الفاشلة وقمع الأصوات المستقلة عبر الترويج للسلام والوحدة بين الشباب من خلال وسائل الإعلام التي يحبونها كموسيقى الراب وأشعار “الصلام” وفيديوهات على اليوتيوب.
وتقول الطبيبة الشاعرة أياك كول دينغ ألق، 32 عاما، من المشاركات في تأسيس حركة “أنا تعبان” في جوبا عام 2016، “كجنوب سودانيين، نحن موصومون بالعنف لكنا نتعمد أن نكون غير تقليديين. لقد رأينا كيف فشل النشاط التقليدي. لا تهم الطريقة طالما أننا لا نؤذي أحدا فيما نعمل.”
وتسعى الحركة حاليا للانتشار في جميع أنحاء البلاد. لكن حملتها تواجه أخطارًا. ويقول أعضاء الحركة إنهم تعرضوا للاستجواب وتمت مصادرة سياراتهم واضطر بعضهم إلى السفر خارج البلاد لدواعي السلامة والأمن.
ومن جهتها، رفضت حكومة جنوب السودان التعليق على معاملة أعضاء حركة “أنا تعبان”. وكانت ذات الحكومة قد أنكرت في السابق قيامها بحظر حرية التعبير على أي إنسان.
قدرة الشباب
وانزلقت دولة جنوب السودان الوليدة إلى هوة حرب أهلية عام 2013 بين قوات موالية للرئيس سالفا كير من جانب ونائبه السابق رياك ماشار من جانب آخر. وقد سقط جراء تلك الحرب عشرات الآلاف فيما نزح ملايين.
وأوردت بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان تقارير تفيد بأن أكثر من 100 ناشط وصحفي إمّا تعرضوا للقتل أو الاعتقال أو للفصل أو التفتيش منذ منتصف 2016 مع إغلاق بعض الصحف عادة على يد الحكومة.
واستطاعت البعثة التحقق من الانتهاكات في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة فقط، بخلاف تلك المناطق التي تسيطر عليها المعارضة فقد تعذر التحقق من الانتهاكات فيها بسبب غياب الأمن وقيود الحركة.
وكانت محادثات في إثيوبيا الشهر الماضي تحاول إنعاش اتفاق سلام مبرم عام 2015 ووضْع نهاية للحرب، قد انتهت دونما التوصل لأي اتفاق.
ويقول مَنسّى ماثيانغ، وهو موسيقي وعضو مؤسس في حركة “أنا تعبان”، إنه قد كان ضروريا الانضمام للشباب من أجل بلد أفضل للمستقبل.
وتقع نسبة 90 بالمئة من الجنوب سودانيين تحت سن الـ 45، بحسب تعداد أجري عام 2008. لكن الأمية تغطي نسبة 70 بالمئة، فضلا عن تفشّي البطالة، حسبما تظهر إحصائيات تابعة للأمم المتحدة.
وقال ماثيانغ “إن شباب جنوب السودان لم ينالوا الفرصة منذ زمن طويل لكي يتحدثوا ويعبروا عن أنفسهم. كان يجب أن نعمل لنجعل الشباب يدرك أن لديه القدرة – القدرة على التحدث وعلى التغيير .. إننا نرغب في رؤية حركة (أنا تعبان) في كافة ولايات جنوب السودان.”
ويرى بيتر بيار، رئيس منتدى القادة في جنوب السودان، ومقره جوبا، إن “حركة (أنا تعبان) هي إحدى الجماعات الشبابية المتزايدة العدد – سواء في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة أو المعارضة – وهي تناضل من أجل مستقبل أفضل.”
وأضاف بيار “إن التغيير الوحيد الممكن في هذا البلد هو تغيير غير عنيف – وهذا ما نحن بصدد محاولته.”
ويسعي بيار لتجميع الأكاديميين والكنسيين وقادة الشباب جنبا إلى جنب للترويج للسلام والتنمية.
وسائل التواصل الاجتماعي
يرى بيار أن حركة “أنا تعبان” أعطت أملا للشباب المُحبَط في العاصمة عبر الفن والموسيقى.
وكان أول فيديو نشرته حركة “أنا تعبان” قد نشر على اليوتيوب في أغسطس 2016، وضمّ فنانين وشعراء “صلام” ونشطاء، وتم إهداء الفيديو “لأولئك المفقودين في الحرب وكل الذين لا يزالون هنا ويعانون ما يكفي لعمل التغيير الذي نحتاجه”.
ويتم عمل مشاركة بشكل سريع لحملات التواصل الاجتماعي للحركة التي لها فروع في كينيا وأوغندا وإثيوبيا.
وتزين جداريات “أنا تعبان” حوائط المباني في شوارع العاصمة جوبا. وتحمل الجداريات أقوالا مقتبسة لـ نيلسون مانديلا وفيديل كاسترو وجون قرنق الذي يعتبر بمثابة الأب الروحي لجنوب السودان.
وفي العاصمة الكينية نيروبي، ثمة مؤسس آخر لحركة “أنا تعبان” هو جون بن دي نجونغ، يلتقي بانتظام مع نشطاء جنوب سودانيين للمشاركة في كتابة سياسية وشعرية.
ويقول دي نجونغ، الذي كان في السابق أحد الجنود الأطفال، إنه فرّ إلى كينيا بعد أن تعرض زملاؤه للاختطاف والتسميم والقتل. وقد تلقى تهديدا بالقتل.
ويضيف دي نجونغ “كنا نظن أن لنا بلدًا … ليس هذا ما حاربنا من أجله.”
وتقول جاكلين سادراك، من فرع حركة “أنا تعبان” في أوغندا، إن أمل المنفيين يتمثل في أن يتم التوصل لاتفاق سلام بحيث يستطيعون “العودة إلى بلدهم جنوب السودان والإحساس بأن لهم حقوقا.”
وعلى الرغم من فشل التوصل لاتفاق سلام حتى الآن، إلا أن شباب جنوب السودان لا يزالون يحدوهم الأمل.
يقول ماثيانغ “لديّ هذه الفرصة عبر موسيقاي التي أعزفها وأؤدي دورا في التحدث بالنيابة عن شعبي وما نرغب فيه كشعب. معظم أغانيّ تتحدث عما أصبو إليه من سلام في بلدي.”