بقلم عثمان نواي
اصدرت مجموعة الأزمات الدولية اليوم تقريرا شديد اللهجة فى التعبير عن المخاطر التى تواجهها البلاد على الصعيد الاقتصادي والسياسى بسبب إعلان البشير للطوارئ. فقد انتقد التقرير القرارات الأخيرة للبشير ،و وصفها بأنها محاولة للامساك بالوضع عبر القوة الأمنية. وذلك رغم ان كرت الطوارئ هو كرت قديم، الا ان ما قام به البشير فعليا ليس سوى السماح للجيش بادارة البلاد . وهذا حسب التقرير جزء من الحسابات الداخلية المتعلقة بالانقسامات داخل النظام الحاكم. يقول التقرير ان هناك جناحين الان هم الجناح العسكرى وجناح الإسلاميين، فى الوقت الذى يبدو ان البشير والعسكر مستعدين الى التضحية بالشعب السودانى واستخدام كل درجات العنف للبقاء فى السلطة ،يعتقد التقرير ان هناك جزء من الإسلاميين يرغبون فى التعامل مع الاحتجاجات بشكل اكثر إيجابية. وحذر التقرير من ان اتساع الشقة بين الفريقين قد يقود الى مواجهة خطرة بين الطرفين المنظمين للغاية والمسلحين جيدا. على الصعيد الاخر التقرير يحذر من أن الطوارئ فى الغالب سوف تزيد من العنف المستخدم وسوف تزيد أيضا من التكاليف الاقتصادية، وبالتالى الأزمة الاقتصادية سوف تزداد. حيث ان الاقتصاد الان يهوى بشكل سريع وفى حالة سقوط حر دون اى افق دعم من الخليج او غيره .
ان الحلول التى يطرحها التقرير، وخاصة حول دور المجتمع الدولي، هى نفسها التى تسربت مؤخرا عن ضرورة تقديم صفقة للبشير للتخلى عن السلطة فى مقابل تأجيل القبض عليه من قبل المحكمة الجنائية حسب المادة ١٦ من قانون روما المؤسس للمحكمة ، والتى تسمح لمجلس الأمن بتأجيل تفعيل القضية لمدة عام. فى المقابل فإن دول الخليج والدول الافريقية يمكن ان يكون دورها هو تقديم منفى أمن للبشير. على ذات المنوال يطرح التقرير على المعارضة ضرورة القبول بأن المؤتمر الوطنى جزء من الخارطة السياسية فى البلد، وانه لا بد وان يكون له مكان فى الحكومة الانتقالية المقبلة، ولكنه لن يكون قائد لها، وهذا التنازل الكى يجب ان يقدمه المؤتمر الوطني في المقابل .
ان مجموعة الأزمات الدولية من المعروف انها من اهم think tanks ، او مصانع القرارات السياسية الدولية فى العالم. وهى لا تبدى أراء او تحلل فقط لكنها تصنع وتوجه سياسات دولية مؤثرة. ان الدور الخارجى فى ما يجرى فى السودان لم يتبلور بعد بشكله المكتمل لاى نوع من التدخل النهائى الواضح. لكن كما نصحت المجموعة الدول المهتمة بالسودان ،ان تنصح البشير من خلال القنوات الخلفية، اولا بأن يتخلى عن التوجه نحو العنف المفرط، وهو السيناريو الذى تتجه له الأوضاع حسب التقرير. وثانيا ان يقبل بالتنحي مقابل تأجيل القبض عليه.
ان تحليل الوضع الراهن فى السودان يحتاج إلى كثير من المعلومات التى يصعب ان تتوفر الى جهة واحدة اى كانت. لذلك هناك ثغرات عدة فى اى تحليل. على كل حال لا يبدو ان هناك من يملك تصور واضح لمخارج الأزمة الراهنة، بمعنى الإجابة عن سؤال كيف وبأى سيناريو سيتم عملية الإسقاط بشكل عملى ،هل سيتنازل البشير ام يحدث انقلاب قصر يجبره على ذلك ، ام انقلاب فى الجيش ام ضغوط دولية وتدخل، ام ماذا؟ الواقع المعقد الآن يفترض رؤى كثيرة لاتزال مفتوحة على جميع الاحتمالات. لكن يظل الصغط الحقيقي والعامل الحسم هو الشارع بس..
nawayosman@gmail.com