تمضي أيام وما زالت انتهاكات جسيمة لحقوق مواطني ولاية غرب دافور تُرتكب من كل حدب وصوب من قبل مليشيات الجنجويد وبعض المتواطئين والمتآمرين معهم وبتصميم وبتنظيم وتوجيه تام من قبل كوادر المؤتمر الوطني بالولاية! فلربما يثور سؤالا استنكاريا في ذهن القارئ ابتداء؛ لماذا فلول النظام البائد بالجنينة؟ وهل مدينة الجنينة منطقة خارجة عن دائرة الثورة السودانية وترتيباتها الرامية نحو وضع نهاية لنظام يوليو 1989 للأبد؟ وهل مدينة الجنينة خارجة عن نطاق جُغرافية الدولة السودانية وحكومة حمدوك العاجزة بل من كماشات لجنة تفكيك تمكين نظام الإنقاذ، كما يحلو للأستاذ “وجدي صالح” أن يترنم به في كل مؤتمراته الصحفية؛ بأنهم سوف يقومون بتفكيك نظام الإنقاذ صامولة صامولة! أين ولاية غرب دافور من شعارات الثورة السودانية في الحرية والسلام والعدالة ؟وما دور قوي المجتمعية والثورية الفاعلة حيال ما يدور في مدينة الجنينة من ظروف إنسانية مأساوية بالغة التعقيد إثر حادث جنائي عرضي أدت لإزهاق روح شخص مما يُعتقد انتمائه للمكون العربي وكما حٌسمت الأمر لدي دوائر الاختصاص في الدولة، ولكن المليشيات المسلحة استغلت هذه الحادثة الجنائية الفردية وحققت لِذتها وشهوتها العدوانية المعروفة في القتل والحرق والتنكيل والنهب العلني لمواطنين أبرياء عزل لا حول ولا قوة لهم بعد أن إعتصرتهم الحرب وامتص رحيق خيراتهم وزجتهم في أتون معسكرات النازحين ،وكل هذه الأفعال الإجرامية واللاإنسانية تمت بالجنجويد انفسهم بالوكالة تلبية لرغبات جلاديهم (المؤتمر الوطني )بالخرطوم .
ولربما لم تكن خافٍ لمُتابعي الشأن الدارفوري ولمُدركي خيوط اللُعبة السياسية والاجتماعية في إقليم دافور؛ لجميع الأحابيل والحيل التي كانت تستخدمها حكومة الإنقاذ المُبادة، وما تمخضت عنها من إفرازات سالبة التي تقف الآن شوكة حوته أمام محاولات الإصلاح والتغيير الحقيقي في السودان ،وفي ذلك ،تُعد قوات الدعم السريع التي وُلدت من رحم الجنجويد وعصابات النهب المسلحة ومليشيات المسلحة الإجرامية أصدق تعبير لأعلي مراحل تجليات تطور إنقاذ (3) بأسوأ صورها ! ، لان ما يُرتكب الآن في مدينة الجنينة من جرائم وانتهاكات ومخالفات باسم حرية التعبير والتجمع السلمي صورة هي الأخرى لاستمرار جرائم ضد الإنسانية التي بدأت منذ عهد حكومة الإنقاذ ،لان حق التعبير والتجمع السلمي حق مدني حضاري ويجب أن يتم ممارسته في حدود ما يحفظ ويحترم حقوق الآخرين في الأمان الشخصي والكرامة الإنسانية ولا يعطل أو يشل حركة المواطنين ويعرضهم لخطر الهلاك بالجوع والمرض ! إن ما يُنفذ من إغلاق وحصار تام لكل الطرق والمنافذ من والي مدينة الجنينة، ومنع دخول المواد الغذائية والعلاجية اللازمة، وحرمان المصابين والجرحى من نقلهم وتلقيهم العلاج بالخرطوم أو أي ولاية أخري ،وتعطيل حركة المطار والأسواق وكل سبل معايش وحياة المواطنين بل ممارسة كل صنوف الإرهاب وإدارة حملات نهب منظمة في كل منافذ وطرق المدينة بما فيهما طريق “اديكونق ” الرابط بين تشاد والجنينة وكوبري “كريندق” من الناحية الشرقية وكذلك كبري “اردمتا “،حيث الإهانة والإذراء وتغريم كل شخص من أراد الدخول الي المدينة مبالغ مالية ؟ هل مثل هذه السلوكيات تمت للاعتصام المدني بصلة، أم جريمة ضد الإنسانية مكتملة الأركان؟
ولربما كانت لأول مرة أن تُتَاح فرصة لسكان الخرطوم لمعرفة الطبيعة الوحشية لميلشيات الجنجويد أو كما يحلو لبعض الدوائر تسميتهم بقوات الدعم السريع ،يوم أن أقاموا اكبر معرض للانكسة والسراويل النسائية في قلب الخرطوم وأمام القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة السودانية بعد أن نظموا حملات اغتصابات جماعية للحرائر والثائرات ،ورقصوا وهللوا وكبروا علي جماجم الموتى ،ورموا بجثث الشهداء في مياه النيل ،ولربما تكون هذه التصرفات لهي الأهون من نوعها للجنجويدي الذي يحمل طفل بريء في كتفه ويلقه في نار مشتعلة علي الرغم من نظرات الطفولة البريئة . أن الجنجويدي الذي ظهر ببعض صورته وأفعاله في اعتصام القيادة العامة لا يسوي شيئا فيما يحمله في جعبته، فهو أسوأ ما يمكن تجسيده كوحش بشري! ، لتاريخ اللحظة كل هذه الممارسات الجنجويدية لم يتم وضع نهاية لها في إقليم دافور في اتجاهاته وجغرافياته المختلفة ،وفي اللحظة التي تتأني قلمنا من الكتابة عن مأساة الجنينة ،العشرات من المواطنين يتم تهجريهم وتنزيحهم من قراهم في شرق جبل مرة وجثث مُلقاة علي الأرض لم يتم دفنهم ،كل هذه التصرفات الإجرامية يتم في ظل الثورة السودانية التي حلمت بها جميع شعوب السودان لتحقيق واقع تسود فيه احترام حرية الإنسان وكرامته ؛لدولة لا تكون فيها السيادة لميلشيات الجنجويد والمجرمين ،لوطن ينعم فيه المواطنين بالاستقرار والسلام، كان من الأجدر أن تتنزل شعارات هذه الثورة علي الجميع، لان الجنجويدي الذي قتل “بهاء الدين” في الخرطوم وقامت الدنيا ولم تقعد هو ذات الجنجويدي الذي يحاصر الآن المدنيين في الجنينة ويقتل الأبرياء في شرق جبل مرة ! كم تمنينا أن تخلق الثورة السودانية فرصة لتوحيد جميع مشاعر وعواطف السودانيين نحو مناهضة الظلم والانتهاكات بكافة أشكالها، غياب هذا الوجدان المشترك ومشاعر التوحد بين السودانيين، كان له القدح المعلى في استقلال جنوب السودان، ويمكن أن تكون له اثأر سالبة على مستقبل بناء ووحدة الدولة السودانية.
علي الرغم من استفحال الأزمة في ولاية غرب دافور وبلوغها حدا ينذر لكارثة إنسانية كبيرة ؛ألا أن حكومة حمدوك وجميع أجهزة الدولة ظلت تدير ظهرها وكأن لم يكن شيء حيال كل هذه الانتهاكات والفظائع التي تُرتكب من قبل مليشيات الجنجويد ،وظلت الأجهزة الأمنية والعدلية والقضائية عاجزة تماما عن فرض هيبة دولة وتعزيز سيادة حكم القانون ،ولتاريخ اللحظة لم تظهر نتائج تحقيقات لجنة النائب العام حول الانتهاكات التي تمت ارتكابها إبان المجزرة الأولي في معسكر كريندق للنازحين ،ولم تتخذ لتاريخ اللحظة السلطات الرسمية بالدولة أي إجراءات لوقف مصادرة حقوق مواطني الولاية من قبل مجموعات مناصرة يتم تصديرهم من جميع ولايات دافور ،مع العلم أن هذه المجموعات جميعها مسلحة ،وأفراد منتسبون لقوات الدعم السريع، وأيضا تم استجلاب مجموعات مسلحة أخري من دولة تشاد ،وتقوم قوات الدعم السريع بتقديم الدعم اللوجستي العسكري وغير العسكري ،وتوفير الغطاء الإعلامي لهم ، تحت مبررات وشرعنات دعم الاعتصام بالولاية ! أي اعتصام هذا؟ الم يكن تجميع وتحشيد كل هذه المجموعات المسلحة الي ولاية غرب دافور يشكل تهديد أمني حقيقي؟ عليه نناشد الحكومة المركزية التدخل فورا لإيقاف ما يتم الآن من حصار تام لمدينة الجنينة وتعريض المواطنين لخطر الهلاك بالجوع والمرض.
عبد العزيز التوم إبراهيم
[email protected]