أن الألم ليعتصر قلب كل غيور وضمير كل إنسان وهو يرى المأساة المريعة التي يمر بها الشباب السوداني منذ دخول الانقاذ سدت الحكم في العام ١٩٨٩ ، لم يكن في أدنى تفكيرها هذه الشريحة الواسعة من المجتمع وهي عماد الأمم ومستقبل الدول المتحضّّرة لكنهم لا يعلمون ..
فلم أر نظام الخرطوم نادى برفع مستوى الشباب وعمل على تأسيس دولة قائمة على الكفاءة والمهنية من خلال وضع قوانين وقواعد مدنية تحفظ للشاب المتعلم حقه وتوفر له سبل العيش الحر والحياة الكريمة وبالتالي تؤمن له ظروف الإبداع والإنتاج والفكر الخلاّق والبناء الذي بدوره يفيض على الدولة بالفائدة العملية والعلمية وينشئ مجتمعا صالحا محبا للعمل رافضا للكسل والإهمال على العكس من ذلك ، وجدنا شبابنا ومنذ نعومة أظفاره غارقا في مسؤولية اكبر من عمره وأضخم من طاقته على التحمل وهذا الكائن المسكين نسي مطامع الشباب وملاذ المراهقة وأحلام الطفولة واتجه إلى الشارع والى العمل لان الواجب الإنساني فوق كل أحلامه ورغباته وطموحاته ، فهو إما أخ لعدة أطفال تركهم والدهم بعد مقتله في احد حروب العبث الجهادية التي جاءة بها الانقاذ ، أو أن المرض قد اقعد أبويه وترك له إرثا ثقيلا قاسيا .
شبابنا اليوم ليسوا كبقية الشباب بل إنني أكاد اجزم ان دورة الحياة لدينا لا تمر بالطفولة والمراهقة والشباب بل إن طفلنا بمجرد قدرته على المشي والكلام فان الهموم تناديه والآلام تقول له امض إلى حتفك وتحمل المسؤولية الشاقة فأنت في بلد اسمه السودان ليس فيه رحمة ولا إنسانية ، القوي يأكل الضعيف وليس للظالم فيه من رادع .
ومن المضحكات المبكيات إننا من أوائل الدول التي جعلت للشباب وزارة لكنها وزارة ليست بمستوى الحدث ، و من واقع مرّ يعيشه الشاب فقد كانت الوزارة رياضية بحتة وكأن شبابنا جميعهم في الرياضة مهتمون ولبقية الاتجاهات تاركون ..
هل اهتمت وزارة الشباب بالصبي والمراهق وهما بذرة الشاب الأولى ومنها تبرز مواهبه الحقيقية واتجاهاته وميوله . هل خصصت وزارة الشباب أماكن تعليمية مجانية لهؤلاء كي يحسوا بأنهم من قبل حكومتهم مقدرون ومن مجتمعهم غير منبوذين . هل يعلم أي وزير شباب صعد إلى هذا الكرسي بان منصبه أفضل من وزيري الداخلية والدفاع والمالية والخارجية فضلا عن غيرها فهو أساس بناء الدولة . هل حاول الوزير أن يبني مؤسسات ثقافية وترفيهية في كل محلية وفي كل فضاء وفي كل قرية . لماذا يعرف الشاب مسبقا مصيره المنتظر فإما بائع في الشارع أو جندي في الجيش أو الشرطة .
لماذا لا تلزم وزارة الشباب الحكومة بتعيين الخريجين كافة لكي يشعرالشاب بإن هناك مستقبلا ينتظره .
هل نعي حقا ما يتعرض له ( الطفل – الصبي – الشاب ) من ضغوط اجتماعية شديدة تبعده عن الوطنية وتنمي لديه حب الأنا والشهوات على حساب المبادئ والقيم الجميلة .
ألا تعلم الحكومة ووزراؤها ومجلس النواب الممثل للشعب أن الشاب يقضي معظم وقته في البحث عن عمل يسد به رمقه ورمق عائلته أو يتسكّع لاهيا تذبل زهرة شبابه بدون فائدة له ولبلده وتخسر الدولة أجيالا وأجياال بين الحرمان والكبت أو الانغماس في المعاصي .
أدعو الحكومة والبرلمان أن يعطوا لوزارة الشباب أهمية خاصة في الموازنة لتستطيع بناء المؤسسات والمنشآت التي تخص الشباب منذ بداية مرحلة المراهقة حتى التأهيل الكامل لخدمة البلد ، كذلك أطالب الحكومة بان يكون وزير الشباب مهنياً مائة بالمائة ليس للمحاصصة الحزبية والقبلية ايضآ وزارة الثقافة ، فهاتان الوزارتان هما السلاح الأهم بيد أي نظام يحاول رسم مستقبل مشرق للدولة والشعب .
يجب أن يكون هناك اهتمام بالجانب الفكري والنفسي والتعليمي إضافة إلى البدني لان الشباب ليسوا بالضرورة جميعهم رياضيون كما أسلفنا …
أتمنى من المهتمين كافة بأمر الشباب أن لا ينسوا الجانب النسوي ، فالشابات في السودان مهملات ومهمّشات بدرجة قاسية ، فالواجب الالتفات إلى هذه الشريحة المهمة والخطرة في الوقت نفسه وتوفير الأجواء النفسية والعلمية والثقافية الملائمة لتأخذ دورها الحقيقي في البناء والتطوير .