ياسر درنجك
دافور كانت دولة مستقلة ذات سيادة كاملة ولها عملة نقدية وحدود جغرافية وعلاقات سياسية واجتماعية واقتصادية مع الممالك والسلطنات في غرب افريقيا ،وكان لها جيش وقوات نظامية وأجهزة مدنية تقوم بمهام خدمة المجتمع. ايضاً كانت معبراً للقوافل الاسلامية التي تأتي من غرب افريقيا المتجهة الي السعودية بغرض الحج مما ساعد في دخول الإسلام واعتناقه، وكان الدين الجديد لا يشكل مصدراً للشر بقدرما يمثل معتقداً روحياً لتنظيم حياة الانسان الروحية لكي يشعر بالأمان والطمأنينة من غضب الطبيعة وكافة مطبات الحياة ، وايضاً من مخاوف عقاب ما بعد الموت او كما يعتقد.
آما من الناحية الاقتصادية ، فكانت لدارفور موارد بشرية ،طبيعية ، معدنية وثروة حيوانية شجعت التجار للقدوم اليها من مختلف الجهات بما فيهم التجار العرب الذين يتحدثون اللغة العربية ويعتنقون الإسلام كدين لهم ،وبما ان القران نزل باللغة العربية ساهم بدوره في ان يتسارع الناس لتعلمها بغرض تسهيل عملية فهم هذا الدين الجديد. وكان للذين ادخلوا اللغة العربية أغراض استراتيجية؛ فبدات بطمس اللغات الأخرى وكل الموروثات الاجتماعية والثقافية لشعب دارفور ،بل واخترعوا ان بعض الثقافات تمثل جرماً امام الله وعيباً اجتماعية ،ولان اللغة والثقافة متلازمتان تتأثران بالمتغيرات فاذا فقدت احداهما الأخرى تكون الأخرى غير قادرة علي الصمود لوحدها .فكان استهدافهما امراً في غاية الأهمية بالنسبة لغزاة الفكر ،لان أهمية اللغة تكمن في التواصل والتخاطب والتعبير عن الثقافات والعادات والتقاليد ولها تأثير مباشر علي توجهات البشر لأنها تعكس شخصية الانسان وهويته التي ستبقي ملازمة له طول حياته. (اندثار اللغة يعني اختفاء الهوية).
عندما ادرك شعب دارفور حجم التهميش الثقافي والظلم الاجتماعي والاقتصادي الذي لحق بهم جراء تشبثهم الكامل بهذين العاملين ؛ بدأوا بالمناداة برفع المظالم عنهم عبر عدة حركات مناهضة منها مدنية واخري مسلحة ،الا ان المركز اقر مواجهة هذه الحركات بويلات العنف والعقاب الجماعي وصلت حد الإبادة الجماعية .
وبالرغم من هذين العاملين الا انهما لم يشفعا لشعب دارفور من القتل والاغتصاب والتنكيل وتدمير الحرث والنسل المستمرة الي الان
عبر هذه المحطات من التاريخ ،نجد ان دارفور اكثر تأهيلاً وكفاءةً للقيام بعملية حق تقرير المصير لتحديد العلاقة بينها والمركز (والدولة السودانية) الذي رسمه المستعمر، فهو حقاً اجتماعيا لعدد كبير من الناس توجد بينهم روابط مشتركة مثل اللغة ، الثقافة والتاريخ، وايضاً انه حق الشعب في ان يختار شكل الحكم الذي يرغب العيش في ظله والسيادة التي يريد الانتماء اليها.
عموماً ان تقرير المصير لا يمثل الانفصال او الاستقلال ، انما هو يمثل معيار العيش في الدولة الموحدة القائمة علي الاختلاف والتنوع ،ويعزز من فرص الديمقراطية ويرسخ معاني الحرية والوحدة الطوعية القائمة علي الاعتراف بالآخر والاحترام المتبادل والتنمية المتوازنة والمساواة امام القانون والمواطنة بلا تمييز .
ياسر درنجك
10/102019
جوبا