شرق تشاد _صوت الهامش
في الوصول الى معسكرات اللاجئين بدولة تشاد آثرنا ان نقتفي أثرهم والطرق التي سلكوها وما واجههم من أهوال هربا من الحرب حتى وصولهم الى هذه المعسكرات البائسة ، مئات الكيلومترات قطعها الآلاف من الأسر السودانية في مناطق دارفور المختلفة للوصول الى معسكرات اللجوء في تشاد ، هربا من الموت الذي تناثر من حولهم في الحرب العبثية التي شنها النظام المُباد، على دارفور .
ووصل عدد اللاجئين الى أكثر من إثنين مليون لاجئ فقدوا منازلهم واراضيهم تجارتهم وزراعتهم وانعامهم بفعل الغارات الجوية التي كان يقوم بها النظام السابق على قراهم ، وقضت الغارات الجوية على كل شيء ولم تستبقي لهم غير الذكريات المرة وفقدان الاحباب، في حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي.
إستمرار المعاناة
في معسكر كلنقو المعاناة تعز على الوصف ، فائزة آدم سيدة في الأربعينات من عمرها ، تقول انها تسكن في هذه الفيافي وهي منطقة شبه صحراوية ذات طبيعة قاسية خاصة في فصل الصيف ، لاتوجد بالمعسكر مساحات زراعية ولا يوجد ري لبعض المحصولات المنزلية البسيطة ، وتضيف بأن أمراض مثل سؤ التغذية بين الأطفال من الأمراض الشائعة في المعسكر وتبلغ المعاناة قمتها بين الناس الرضع والحوامل وهن محرومات من أبسط أنواع الرعاية الصحية .
وأشارت الى ان المعسكر يعاني من عديد المشاكل الأخرى فالسرقة منتشرة هنا بسبب العطالة وندرة العمل بالنسبة للشباب والكبار على حد سواء ، خاصة وان المنظمات التي كانت تقدم لهم بعض الدعومات قد قطعت هذه المؤن منذ أكثر من عام ونصف العام ، الأمر الذي أدي توالد العديد من الإشكاليات .
عدد من المشاكل الاجتماعية حيث زادت حالات الطلاق وهروب الأزواج وترك المسؤلية بكلياتها للنساء ، الأمر الذي يضاعف من معاناتهن ، واضافت انها تتمنى ان تقوم جهة بتبني مسؤليتها عن المعسكر وما يدور فيه لجهة ان احوال اللاجئين باتت فوق كل احتمال ، ونوهت فائزة الى ضروة وجود مراكز صحية متخصصة بالمعسكر حيث تموت النساء الحوامل عند الوضوع هنا بسبب انعدام الرعاية الصحية وما تزال النساء يلدن بطرق بدائية دون اي تعقيم او تدخل طبي الأمر الذي يؤدي الى فقدان العديد من الامهات خاصة صغار السن واللائي يخضن عملية الوضوع للمرة الأولى .
ونوهت الى معاناتهن في جلب الحطب للطبخ حيث يسرن مسيرة نحو 17 كيلو خارج المعسكر لجلب الحطب ، ولا تخلوا الرحلة في الغالب من هجوم قطاع الطرق حيث تحدث بعض عمليات الاغتصاب مع سرقة كل ما يملكون ، وقد علقت فائزة آمالا كبيرة على القائد مني اركو مناوي بسبب تفقده للمعسكرات مشيرة الى ان زيارة مناوي للمعسكرات تشير الى قرب الفرج خصوصا وانه قد وقف شخصيا على ما يعانوه في هذه المعسكرات.
التهجير القسري
ولا ينسي اللاجئون السُودانيين المقيمون في شرق تشاد ما مرو به من أهوال،وصعوبات بسبب الحرب التي شنها النظام المٌباد ومليشياته عليهم، فالوصول إلي هنا في شرق تشاد لم يكن بالأمر اليسير،قطع النسوة الاف الأميال في رحلة الهروب من بطش الالة العسكرية،وسلاح المليشيات،التي هجرت السُكان من مناطقهم وسيطرت عليها بقوة السلام ولم يجد ضحايا الحرب،حلاً غير الفرار على أمل النجاة من العدوان .
وتقول رئيس اتحاد المراءة بمعسكر “كلنقو” للاجئيين السٌودانيين بشرق تساد سيدة أبكر في حديثها لـ”صوت الهامش” انهم تم تهجيرهم من بلدهم السودان من ولاية غرب دارفور بسبب الحرب،وأشارت أنه لم يكن أمامهم من مفر الا دولة تشاد التي أوتهم في ظل ظروف إنسانية بالغة الصعوبة والتعقيد .
ولفتت انهم تذوقو طعم المعاناة كالعلقم في فترة لجوئهم الأولى بعد ان فروا من حياة كانت آمنة ومستقرة الى حياة جديدة كان عليهم بذل ما وسعهم من جهد ليعتادو عليها ، وأردفت “هنا في المعسكر كنا نتحصل على كورة من العيش وجركانة زيت،وبليلة بعد ان كُنا في السابق نزرع آلاف الافدنة في اراضينا في غرب دارفور،إنها الماساءة،بدلنا من أن كنا منتجين حولتنا الظروف لمجرد أناس ينتظرون المنظمات الدولية لتنمحنا مواد غذائية بالكاد تكفي لأيام قليلة” .
منوهة الى ان اجترار الماضي والذكريات لايفيد ولايوصف ، الا انها تامل في ان يعودوا الى ارضهم وفق عملية سلمية حقيقية تراعي تعويضهم عن هذه السنوات التي زاقوا فيها العذاب كله ،من فقد للأرواح والأطفال والأراضي والحواكير والديار ، وقبل ان نغادرها أصرت سيدة على ضرورة تقديم كل من تسبب لهم في هذه المعاناة الى محاكم عادلة .
فيما أكدت اللاجئة عزيزة بخيت بأنها تقيم في هذا المعسكر منذ 16 عاما ، وتابعت بقولها “أصبحنا ناكل الماريق الذي كانت توزعه المنظمات أنا وأطفالي الأربعة لعدم وجود اي غذاء آخر غيرة لي ولابنائي ، مشيرة الى ان والد أطفالها كبير في السن ولا يعمل لعدم وجود فرص عمل هنا” وزادت بقولها” المنظمات وقفت شغلها عندها سنة وثلاثة أشهر ماشفنا شئ” .
وفي ظل هذا الوضع القاتم وعدم قدرة والد أطفال عزيزة على إعانة أطفاله،لم يكن أمامها حلاً سوي الخروج للعمل في مهن شاقة لتفي بمتطلبات أبنائها وقالت “مافي طريقة غير نمشي قريضة نشتغل في كمائن الطوب وفي بعض المرات نقوم بجمع الحطب لنبيعه في السوق بسعر رخيص” .
وأوضحت الى أنهم سمعوا بأن البشير سقط ولكنهم لم يلمسوا اي تغير في البلاد ، وقالت “سمعنا عمر البشير خلي الحكم لكن لسه البلد شين” في إشارة إلي أنهم لم يلمسو تغييراً جرى خاصةً في مناطق الحرب لجهة أن أراضيهم التي فرو منها تُسيطر عليها مجموعات أخري ولم يطردوا منها بجانب غياب الأمن .
وتابعت قائلة “قريب ده في ناس طردوها من البلد وجو قاعدين في وادي مُرة بلد ده لسه شين” وذلك في إشارة لأحداث معسكر “كرندينق” بولاية غرب دارفور الذي هُجر سُكانه الذين يتواجدون الان في معسكر بمنطقة “وادي مٌرة” بشرق دولة تشاد.
فقدان الوالد والأطفال
المئات من المٌعاقين حركياً بفعل إصابات الحرب،ينتشرون في معسكرات اللاجئين السُودانيين بشرق تشاد،من بينهم حسن آدم جمعة الذي قال لـ”صوت الهامش” أنه أصيب على يد مليشيا الجنجويد بمنطقة ــ بيضة ــ بولاية غرب دارفور ، منوها الي كيفية نجاته من المحرقة بعد إصابته بطلق نار في أرجله مُسبباً له إعاقة دائمة .
وبين أنه تم حمله على دابة ( حمار ) من قبل فٌكتب له النجاة مشيرا الى سيرهم مسافات طويلة لاقوا فيها من الاهوال ما لاقوا قبل ان يصلوا الى دولة تشاد والاقامة بمعسكر “قاقا” المُكتظ باللاجئيين، مؤكداً أن بعض المنظمات وفرت لهم الغذاء ومشمعات للسكن ، جمعة قال بأنه تزوج داخل المعسكر ولدية أربعة أطفال يعانون مع بقية الأطفال في المعسكر من سؤ التغذية بسبب النقص في المواد بعد ان مر عام وثلاثة شهور على توقف المنظمات من مدهم بالغذاء الذي كانت توفره لهم .
غير ان المفجع في قصة جمعة ان أطفاله الأربعة غادرو مع والدتهم إلي جهة لا يعلمها بعد ان فشل في تقديم الغذاء لهم بسبب إعاقته وانقطاع المنظمات عن دعم المعسكرات بتشاد ،وتمنى جمعة في ختام حديثه وهو يُغالب دموعه ان يعود الى بلاده بعد استتباب الأمن وعودة أراضيهم لهم وتعويضهم عن سنوات النزوح والتشرد.