عادة ما يلجأ مفلسو الفكر والعقلانية من الطغاة علي استخدام اليد والرجل ضد من يهزمونهم بالمنطق والعقل من عامة الشعب ، كتعويض عن ما يفتقرون إليه من مقارعة الحجة بالحجة بغرض الإيحاء للطرف الآخر بأنه يملك من القوة والبأس ما لا يملكون ، من باب _إذا كنتم ذو فكر و عقل.. فنحن ذو بطش وقتل .
* أكاد لا أصدق عيني وأنا أتابع المؤتمر الصحفي الذي عقده المجلس العسكري في الثانية من صباح اليوم الثلاثاء ، بحضور رئيس هيئة الأركان وقائد العمليات العسكرية وقائد شعبة الاستخبارات العسكرية وقائد الفرقة السابعة مشاة وقيادة منطقة الخرطوم وقائد العمليات بالدعم السريع إضافة إلى الناطق الرسمي بإسم المجلس العسكري ، حول ما جري من مجازر بحق المعتصمين بالقيادة العامة وشارع النيل وكوبري الحديد ومدخل جامعة الخرطوم وغيرها من أجزاء مقر الاعتصام المحيطة بالقيادة العامة مساء الاثنين الثامن من رمضان الموافق 13 مايو الجاري ، إذ أن ما صرح به قادة القوات المسلحة خلال المؤتمر الصحفي من أقوال تغاير تماما ما شاهدناه وشاهده الملايين من الشعب السوداني عبر اللايفات المنقولة من أرض الحدث والتي تبث بوضوح إنكباب عشرات من التاتشرات العسكرية المحملة بقوات تابعة للدعم السريع _حسبما بدت_ علي المعتصمين أمام بوابة جامعة الخرطوم أثناء الإفطار وإمطارهم ضربا بالهراوات والعصي قبل أن تتوعدهم ب(الطحن) !
فقد أجمع المتحدثون من ممثلي قوات الشعب المسلحة علي أن ما جري كان إستهدافا مباشرا لقوات الجيش المتمركزة أمام المعتصمين لفك المتاريس ، وأن قوات مسلحة مندسة من ناحية البحر والكوبري حيث تمركز الثوار هي من أطلقت النار تجاه الجيش فأصابت من أصابت وقتلت من قتلت من الثوار والجيش علي حد سواء ، ففضل الجيش الانسحاب حفاظا علي أرواح المدنيين المعتصمين ولم يطلق رصاصة واحدة !
* إنكار القبيح أمر بديهي جبلت عليه البشرية جمعاء ، لكن الإنكار وحده غير كافي لتبرئة الجاني ، خصوصا عندما تتوفر الأدلة الدامغة التي تثبت تورطه بالصوت والصوره المباشرة مصحوبة بتلك الإرهاصات والتهديدات التي تؤكد النية المبيتة من قبل تلكم الجهات ل_طحن_ المعتصمين مع سبق الإصرار والترصد ، علاوة علي تلك النظرات الواضحات والدقسات والهمسات والهمزات واللمزات و الغمزات اللا شعورية التي وزعها الضباط المتحدثون و إلتقطتها كاميرات البث المباشر خلال المؤتمر الصحفي ، والتي تعكس بدورها هي الاخري أن فاعل الحدث هو هذا المتحدث أمامنا لا غيره .
* فتعمد تجاهل الضباط المتحدثون لنتائج هذه المجزرة التي خلفت العشرات من المصابين بجانب أكثر من أربعة قتلي وتركيزهم علي أمر تصعيد المعتصمين وتصلبهم أمام المتاريس والإشادة بدور القوات المسلحة في إزالة جزء منها و عدم اكتراثهم هذا بتلك الدماء التي سكبت مرارا أمور تفضح وتعري ما حرصوا علي إخفائه .
وما همسات قائد شعبة الاستخبارات الاستهتارية حول سلمية الثورة وحديثه عن تكدس الشاحنات التموينية المتجهة إلى دارفور في الخرطوم بسبب التروس ، إلا شرح واضح لما خفي من سوء النيات .
حديث قائد عمليات الدعم السريع بخصوص الاستفزاز الصادرة من بعض المعتصمين وتلميحيه بأحقية قواته في اقتسام كعكة الثورة _دون مزايدة من أحد _ ذلة أخري تكشف القناع عن القاتل المتخفي بثوب البراءة .
كما أن إشارات الناطق الرسمي باسم المجلس العسكري بخصوص طلب جديد ينوي المجلس تقديمه في لقاء الغد بقوي الحرية والتغيير نقطة تحمل دلالات تبين أن هذه الحادثة مفتعلة من قبل المجلس العسكري نفسه وبتخطيط من قادة النظام السابق الذين ما فتئوا يسرحون ويمرحون دون حسيب ولا رقيب ، للضغط علي قوي الحرية والتغيير للتنازل عن بعض ما تم التوصل إليه من اتفاق قبيل هذه المجزرة .
* فلا مندس ولا كتائب ظل ولا جماعة جهادية ولا ثورة مضادة غير المجلس العسكري الذي يحاول جاهدا التذاكي علي من يفوقونه عقلا وفكرا ودهاء ويسعي بكل ما أوتي من مكر ودهاء لإعادة إنتاج النظام البائد وتخليص المجرمين منهم من ملاحقة عدالة السلطة المدنية ريثما يلتقطون الأنفاس ليعودوا مرة أخرى بصورة أكثر وحشية ودموية .
وإلا فما المانع من أن يسرع المجلس العسكري في حل كتائب الظل وتجريدها من عتادها الحربية وإعتقال قادتها علي الأقل وكل من يثبت تورطه في قتل وتعذيب أبناء الشعب السوداني ؟
ولماذا لم يعرض صور رموز النظام السابق إن كانوا قد اعتقلوا حقا ، سيما بعد ظهور العباس البشير الذي سبق أن صرح المجلس بإحتجازه بمعية أخويه ؟
ولماذا الانسحاب من مواجهة تلك القوات المندسة _حسب قولهم _ وترك المعتصمين العزل أمام وابل من الرصاص لأكثر من ثلاث ساعات أو يزيد ؟
ولماذا لم يتم الإعلان عن تلك الجهات طالما هي ليست تابعة للدعم السريع ولا القوات المسلحة ؟
* حتي تتوفر الإجابات المقنعة علي هذه التساؤلات وغيرها من خلال أفعال لا أقوال ، يظل المجلس العسكري هو المجرم الوحيد الذي يقتنص أرواح المعتصمين بغية إركاعهم وتمريغ أنوفهم الشامخة ، لكن هيهات.. هيهات .
أحمد محمود كانم
المملكة المتحدة_ مانشستر
14مايو 2019