صدر الأسبوع الماضي تقرير لمنظمة العفـو الدولية يدين نظام البشير باستخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين في المنطقتين ودارفور. إضافة إلى أسلحة محرمة أخرى مثل القنابل العنقودية التي اتهم النظام باستخدامها منذ بداية الحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق قبل خمسة أعوام. ورغم أهمية التقرير الا انه أتى متأخرا، إذ أن استعمال المواد الكيميائية والملوثة للمياه والأرض والتي تستهدف الإنسان مباشرة قد رصدت منذ بداية الحرب في جبال النوبة. وقد بلغ المواطنون عن حالات الإصابة برشح جلدي غريب بمجرد انتهاء قصف الطيران الحربي للنظام. إلا أن المنظمات الدولية كانت تبحث عن أدلة قوية، نسبة للأهمية الكبيرة لخرق الحظر الدولي على استخدام الأسلحة الكيماوية.
ان الأسلحة الكيماوية تعد الأكثر خطرا على البشرية بعد الأسلحة النووية، فهي قادرة على أحداث خسائر بشرية كبيرة في وقت قليل، كما أن التلوث الناتج عنها يدمر الأرض والبيئة لسنوات حسب نوع المواد المستخدمة. بالنتيجة فإن اتفاقية حظر استخدام الأسلحة الكيميائية التي صادق عليها السودان، تمنع بتاتا تصنيع أو استخدام السلاح الكيميائي في الحروب. كما أن المجتمع الدولي يتخذ تدابير صارمة باستمرار حيال اي شكوك حول استخدام أسلحة كيميائية او حتى امتلاكها أو محاولة تصنيعها. وجزء كبير من المخاوف من أسلحة الدمار الشامل التي اتهم العراق بامتلاكها كان متعلقا بتاريخ العراق في استخدام الأسلحة الكيماوية. ولا ننسى أن أمريكا كانت قد أوشكت على قصف الأسد بعد استخدامه للأسلحة الكيمائية قبل عامين.
ان منظمة حظر الأسلحة الكيميائية ومقرها لاهاي، هي الهيئة الأممية المسؤولة عن التحقيق والتعامل مع الأسلحة الكيميائية والتخلص منها. وقد أجبر نظام الأسد على التخلص من أسلحته الكيميائية خلال العامين الماضيين.
من المعروف أن نظام البشير وللاسف وبمساعدة من إيران تمكن من بناء مصانع أسلحة عسكرية متقدمة من بينها الأسلحة الكيميائية. والآن بعد تقرير امنستي، سيتم تحويل الملف لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي، وهذه ستكون ورقة ضغط هامة جديدة على النظام. ولكن لا يجب أن تعتمد القوى السياسية السودانية والمجتمع المدني على الضغط الدولي في هذه القضية. بل يجب أن يكون هذا التأكيد الجديد على مدى بشاعة جرائم هذا النظام، يجب أن يكون دافعا موحدا للسودانيين للتصدي للبشير وإيقاف هذه الفظائع.
ان السودان وبفضل البشير أصبح على قائمة الدول ذات التاريخ الأسوأ في الجرائم ضد الإنسانية في عصرنا الحديث. في قائمة تبدا بألمانيا النازية ولا تنتهي بإسرائيل ونظام الأسد مرورا بالتطهير العرقي في رواندا وجرائم حرب البلقان. إننا في قائمة الدول التي مارست أبشع الجرائم ضد شعوبها، ودون أي محاسبة إلى الان للمجرمين رغم ازدياد قائمة الجرائم كل يوم. لهذا على القوى السياسية التوقف بجدية عند مسالة العدالة الانتقالية وهي تتحرك نحو اي عملية سلام. فأي سلام لا يشمل داخله آليات العدالة الانتقالية الفعالة لن يستمر، فضحايا كيماوي البشير مع ضحايا مجازره ومقابره الجماعية والجوعي والمرضى والعراة بحصاره لن يكون السلام بالنسبة لهم في وقف الحرب فقط، بل في التأكد من تحقيق العدالة حتى لا تتكرر ابدا هكذا جرائم فيما هو قادم من تاريخنا.