قاسم صالح
التجربة التاريخية التي مرت بها شعوب هامش السودان “الشعوب الافريقية” هي تجربة تتطلب عودتنا لقراءة التاريخ من جديد. تحديداً ان الحرب الثقافية ليست جديدة علي الانسانية بل ظل هذا يحدث منذ فترة الانسان الاول. الحرب الثقافية الدائرة هي ذات الحرب التي جعلت تاريخ الامم الزنجية في افريقيا يكاد يكون شفوي ,اكثر من ما هو موثق ومكتوب.
ومن المعلوم ان السودانييين القدامي قد ساهموا بشكل ملحوظ في تطور الحضارة الانسانية منذ الاف السنين. وقبل مجئ العرب الي السودان كان الانسان السوداني بقيمه العليا متسامح غير عنصري, يعامل الغير باحترام وتقدير. الا ان كل ذلك تغير مع مرور الزمان.
عليه فان الشعوب الافريقية في السودان عانت منذ فترة العبودية الأولي لعلي وعسانا نستحضر تاجر الرقيق “الزبير باشا” ومعاونيه من عائله البدري. ضمنياً هذه الفترة لها إفرازاتها ولها ابعادها الاجتماعية “كمصطلح الجلابة” الذي يستخدم اليوم في الحياه اليومية من دون علم بمحتوي هذا المصطلح السام الذي يحمل في جوهره من الكراهية، وعدم الاعتراف بالمكون الاخر الاً في إطار العبودية والدونية. استخدم هذا المصطلح الخطير تاريخياً لتجار الرقيق الذين كانو يمثلون طبقة اجتماعية لما كانوا يتحصلون عليه من أموال ببيعهم لاناس احرار مثلهم كرقيق.
هذا المصطلح (الجلابة) يستخدم اليوم بين أوساط المثقفين السودانيين الذين بدراية منهم يستخدمونه للتعالي والغير عالمين به يستخدمونه بغبائهم، اي ان الاشخاص المستلبين يستخدمونه من دون وعي منهم وبالتالي يحدثون قطيعة بينهم وبين المجتمع الذي يشقون من اجله. وهذا ما نريد التطرق اليه في هذه الورقة النقدية لكتابات عبدالعزيز بركة ساكن، في طبيعة الاعمال الابداعية ، الثقافية، الاجتماعية، الفلسفية والأدبية نجد ان الذي يكتب المادة المعنية لا ينفصل عن المجتمع الذي اتي منه.
الكاتب عبدالعزيز بركة ساكن احد أبناء الكنابي التي واجهت اسواء انواع الاستعلاء الثقافي والتنزيح الثقافي بل الابادة الثقافية، نجده قد فلح في الكتابة للهامش السوداني وتجلي ذلك في الجنقو مسامير الارض، مسيح دارفور وليس نهاية بسمهاني. ولكن عندما لم يكن هناك ركيزة معرفية لأي كاتب نجد السقوط السريع. الأديب بركة ساكن لم يكن كأي شخص يكتب, لانه مع كتاباته تبتسم بنت من أقصي جنوب القصارف حيث الفيافي والأماكن المنسية. مع خط قلمه يوكد لناان هناك منسيين في جنوب القضارفت كما هو يحدث ذالك في كمبو افطص الي يواجه اليوم اسوا انواع الابتزاز من قبل بعص القوميات التي تدعي الانسانيه كما هو الحال في معظم المناطق المنسية في السودان. وبالتالي قد تجد الناس هناك يصيحون باعلي الأصوات ان ابننا قد كتب عنا! ونفس السياق نجده في مسيح دارفور.
ولكن عندما ينفصل هذا الكاتب عن المجتمع ستحدث القطيعة ومع القطيعة تجد ضمنياً ان الخيانة قد حدثت. ان الشعوب التي واجهت الاضطهاد في السودان هي بالطبع افريقية زنجية، لان هذه الشعوب علي مر تاريخ السودان الحديث قد لقت اسواء انواع العنف والاستلاب الثقافي لدرجة ان الأشخاص اصبحوا يفكرون بذوات ليست لهم. اي ان العقل الباطن لهذه الشعوب قد انفصلت عن مكوناتها الاصلية اي الشخص يفكر بوعي ليس له. ونجد تجليات هذا الخطاب في الذي ينادي بافريقانية الدولة, نجده ينادي بها من المحتوي العربي تحديداً هذه الطبقة الاخيرة هي التي كانت السبب في الابادة الثقافية لهذه الشعوب”الافريقية”.
لقد فاجأنا ساكن عندما قالها بشكل ترك في نفوسنا فاجعة كبيرة حينما كان في قلب افريقيا “ان مشروع البان افريكان لا يمثله”! وتابع اكثر من ذلك انه ضد هذا المشروع. التقيت به في احدي المكتبات الفرنسية في باريس وعرضت عليه السؤال “لماذا انت ضد هذا المشروع مع انك يمكن ان تكون اكثر شخص قد ساعد في ظهور مشكلة الهامش المنسي من شعوب السودان المضطهدة بعد الدكتور ابكر ادم اسماعيل؟”
ومرة اخري فاجأني عندما جسد مشروع البان افريكان فقط في عبارة “ان البان افريكان اليوم عبارة عن مؤتمرات تاريخية”, لقد صدمني حقيقة في نظرته السطحية لحركة البان افريكان. ولكن في تحليلي انه شخص قد انفصم عن واقعه ويفكر بعيدا عن مجتمعه وهذا هو مربط الفرس، لقد اثبت فرضية انه يفكر بوعي ليس له، وان ما يقوم به يذكرنا بـ” النور عثمان ابكر- رائد الإفريقانية داخل مدرسه الغابة والصحرا
نفس الشخص الذي نادي بالمكون الافريقي في مدرسه الغابه والصحرا، لطالما ان هناك مدرسه ستقام من اجل مناقشه مساله الهويه, لابد من حضور المكون الافريقي داخل هذه المدرسه، باعتبار انها مدرسة ستجاوب علي سوال عميق السؤال الذي يراود الناس عامه، و أوساط المثقفين بشكل خاص (الهويه السودانيه)، هذا مايجعلنا نتحسس دواخلنا بين الحين والآخر، حتي نكون علي درايه ان هويتنا لم تسرق مره اخري، ولكن الأشخاص الذين نادو بالمكون الافريقي في تلك الفتره التاريخية لا يستطيعون التفكير بعيداً عن المكون العروبي، لذالك نحد الازدواجية اصبحت متلازمة لكل الاعمال الفكرية، والفنيه تحديداً سؤال الهويه السودانيه، الشعوب الافريقيه في مدرسه الغابة والصحراء تم استيعابها استيعاب اغصايئ، لذالك انهم أتفقو علي ان إنسان السودان هو إنسان سنار، بالطبع لقد رائينا ماذا كتب محمد عبدالحي، في قصيدته”العوده الي سنار”ء
خطاب ساكن في قلب افريقيا أعاد لنا قراءات الصراع من جديد “في السودان” وهذا يلمح الي ان ما نقوم به جميعاً ليس بوعي كامل بإرادتنا وان الأحداث المتسارعة لم تستطع ان تغير في نفوسنا. تصفحنا لكتب ما بعد الاستعمار لم نستفيد منها بعد بل اننا نقوم بقراءتها كالجرائد. حديث ساكن يبين لنا لماذا لم يتمدد مشروع البان افريكان في السودان تحديداً انه اذا انطلق من السودان قد يحدث تغيير كلي لبنية وعي للشعوب السودانية. بل اثبت لنا ان السبب الرئيسي الذي اعاق هذا المشروع هم المثقفين السودانيين “العروبين، ومثقفي الهامش المستلبين.
هذا يترك فينا نقطة لاعادة قراءة المدارس الفكرية السودانية منذ فجر الاستقلال. كذلك ان مدرسة الغابة والصحراء كانت تشير الي افريقيا وشبه الجزيرة العربية في ان واحد، وهذا سيثبت لنا فرضية ان من كانو ينادون بافريقانية المدرسة لم ينادوا بها بكامل وعيهم بل انهم كانوا يفكرون بوعي عروبي من داخل الحقل العربي. عليه ساكن لم يكن مجبور علي ما فعله ولكن ضميره لم يتركه علي حاله الا بعد ان نطق بتلك الكلمات المسمومة “انه ضد مشروع البان افريكان”، هذا هو مضمون عقله الباطن.
ان المحاولات الجادة لوضع الامم الزنجية السودانية في الحقل المعرفي اي الدراية بالاحداث وما يحدث قد يتطلب زمن ليس بالقصير. وانه لابد من احداث قطيعة معرفية لكل ما يدرس داخل الجامعات والمدارس السودانية، ولكن لكي تحدث هذه القطيعة لابد من المعرفة بمحتوي هذه المناهج، حتي يري مشروع البان افريكان النور الذي يجد معارضة او حرب من الذين يجب ان يدافعوا عنه كالاديب ساكن، ما يجعلنا نتقهقر الي الخلف مع عجله التاريخ. التاريخ الذي انقلب علينا ليجعلنا في مؤخرة الامم بعد ان كنا من قبل الرواد.
هذا الفعل الذي قام به ساكن اكاد اجزم انه ما جعل تاريخنا يكون شفوي ومعظم الذي وجد حظ من الكتابة كتب بايدي غير افريقية.
في مقارنة مع الدكتور ابكر ادم اسماعيل، نجد الحقل الذي يعمل فيه ابكر هو الذي يجب ان ينخرط فيه ساكن من منظور افريقي. ولكن لا يمكن ان لا نصطحب بنية الوعي لدي كل الكاتبين، نجد ابكر لا ينفصل عن مجتمعه اي انه يشقي بالمجتمع الذي ينادي به منذ ان بدأ يكتب وتناول المشكلة السودانية من منظور التهميش والتمركز في البنية الكلية للمجتمع السوداني. منذ فترات تكوين السودان الحديث نجد التمهيش ضارب في جذوره، هذا ما جعل ساكن يخرج من مجتمع هامش الهامش “فيافي القضارف” ونصطحب ايضاً الدوافع التي قادته الي عملية العودة الي الجذور الافريقية “دارفور”. كما يذكرنا بشكل جلي كتابات ايمي سيزير “العودة الي الوطن الأصلي – افريقيا”، ولكن عودة ساكن لم تكن ذات جدوي تحديداً انه لم يستفيد منها بل يمكن ان نطلق عليه مصطلح العقلية البرغماتية التي تدفع صاحبها للذهاب الي ارض المعارك وبين الحروب من اجل كتابة رواية او كتاب.
مع مسيح دارفور نجد ان ساكن قد احتل مكانة سامية بين الامم الافريقية والاوربية، مع مسيح دارفور أيقن العالم ان الشعوب الافريقية في السودان تعرضت لابشع انواع القتل الفردي والجماعي. بل ان رواد الحرب ذهبوا الي ابعد من ذلك وأصبح الحرب فن يستخدم لسكان جبل مرة في حالته الاخيرة عندما استخدم ضدهم السلاح الكيميائي، ولكن مع نفس الكاتب الذي يروي كل هذا نجد المفارقات وانسلاخه عن مجتمعه.