بقلم : الجاك محمود أحمد الجاك
تناولنا في المقال السابق وبذات العنوان أعلاه تحفظاتنا علي رئاسة الإمام الصادق المھدي للمجلس القيادي لتحالف نداء السودان من واقع أخطاءه وإخفاقاته التاريخية التي أسھمت بقوة في تعميق الأزمة السودانية وفي تشظي الوجدان الوطني ضمن أسباب وعوامل أخري قادت الي تقسيم البلاد وإستقلال جنوب السودان. ھذه الحلقة نخصصھا لتناول مخرجات إجتماع باريس كما جاءت في البيان الختامي وما يسمي بالإعلان الدستوري لتحالف نداء السودان.
لقد عكس إجتماع نداء السودان الأخير في العاصمة الفرنسية باريس إصطفافاَ آيدولوجياَ واضحاَ لرموز المركز من أبناء الشمال والوسط النيلي، مع إلحاق بعض أبناء الھامش المؤدلجين والمغرر بھم. نستطيع قراءة ھذا الإصطفاف المخزي من خلال مخرجات الإجتماع التي جاءت مخيبة للآمال والتطلعات، وعلي نحو كان متوقع كما ذكرنا في الحلقة الأولي. ونحن إذ ننتقد مخرجات ذلك الإجتماع نعيب عليھا الآتي:
معروف بداھ َة أن حل أي مشكلة يتطلب الإعتراق بالمشكلة في المقام الأول، ويتطلب ذلك التشخيص الدقيق للمشكلة وتحديد أسبابھا وجذورھا قبل تحديد الوصفة العلاجية المناسبة لھا، ولعل ھذا ما أخفقت فيه قوي نداء السودان. فمثلاَ لم يرد في البيان الختامي أو في أي من بنود ونصوص الإعلان الدستوري لنداء السودان ما يشير الي إعتراف ھذا التحالف بفشل الدولة السودانية منذ تأسيسھا في إدارة التنوع الموجود في البلاد، مع أنه معلوم بالضرورة لأي سياسي عادي أن الفشل في إدارة التنوع والإصرار علي فرض ھوية آحادية إقصائية )الھوية العربية والإسلامية( وما صاحبتھا من عنصرية مزدوجة )عرقياَ ودينياَ(َ قادت الي ھيمنة الأقلية الحاكمة بتركيز السلطة والثروة في يدھا وتھميش الأغلبية وھو ما قاد بدوره الي حروبات طاحنة في أطراف البلاد ووسطھا إنتھت الي ھتك التنوع العرقي والديني في ظل غياب مشروع وطني حقيقي يؤسس لدولة وطنية تحترم وتعكس واقع السودان بتنوعه التاريخي والمعاصر. في تقديرنا أن ھذا الإغفال والتجاھل المتعمد لھذه القضية المحورية جاء كنتاج طبيعي لعدم إعتراف اللاعبين الأساسيين ومھندسي نداء السودان بوجود التنوع من الأساس، ولا شك أن في ذلك محاولة مستميتة من العصبة لتثبيت الوضع الماثل والتكريس لإستمرار الأزمة وھذا ھو أس المشكلة منذ العام 1965، فالوضع المأزوم الذي أوصل البلاد الي حافة الإنھيار ھو نتاج تراكمي لسياسات وتوجھات كل النخب التي إحتكرت حكم البلاد منذ ما يسمي بإستقلال السودان وليس من إنتاج أجندة الإسلام الساسي وحده. لذلك قاد عدم الإعتراف بجذور المشكلة نداء السودان الي إختزال الأزمة الساسية للبلاد في تناول أعراضھا وقشورھا مع تجاھل تام لأس الداء، الأمر الذي يشكك في نوايا وأھداف ھذا النداء. يتضح ذلك في المادتين )1( و )2( من الإعلان الدستوري حيث تم تقديم الأزمة المعيشية المتمثلة في ميزانية الإفقار، الإرتفاع الجنوني للأسعار، إرتفاع سعر الخبز وإنخفاض قيمة العملة الوطنية، غلاء الأدوية المنقذة للحياة وإرتفاع أسعار المحروقات. ھكذا جاءت قضية الوضع المعيشي مقدمة علي مخاطبة الأزمة الإنسانية الناتجة عن الحرب العنصرية المفروضة علي شعوب الھامش وعلي وقف الحرب نفسھا كمدخل لحل الأزمة الوطنية. فما الذي يجعل مواطن الھامش المكتوي بنيران تلك الحروب
في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق يحس بأن نداء السودان يمثله ويدافع عن قضاياه ومظالمه إذا لم تكن تلك القضايا والمظالم من أولويات ھذا النداء؟!
فھل فات علي قوي نداء السودان أن شعوب ھذه الأقاليم الثلاثة قد صادرت الدولة حقھا في الحياة والكرامة الإنسانية، وإرتكبت وما زالت ترتكب ذات الدولة في حقھم جرائم الإبادة الجماعية والإغتصاب والقتل الممنھج وتنفذ سياسة الأرض المحروقة بھدف تھجيرھم وتنزيحھم من مواطنھم الأصلية، فيما تجلب ذات الدولة مرتزقة لمحاربتھم وإحتلال أراضيھم للإستيطان فيھا؟! وحتي الخبز الذي تتباكي عليه قوي نداء السودان لا يحلم به المواطن وطفله في مناطق النزاع أصلاَ، ناھيك عن وجوده بأسعار مرتفعة، ذلك لأن الدولة ظلت تستخدم الغذاء كسلاح. ثم ھل خطر علي بال فصائل نداء السودان أنه حتي إذا وقفت الحرب فإن اللاجئين والنازحين لن يكون في مقدورھم العودة الي مناطقھم الأصلية التي نزحوا ولجأوا منھا لأنھا قد تم إحتلالھا وإستيطانھا بواسطة مرتزقة أجانب وبتخطيط من الدولة؟!
ھل فكرت قوي النداء ما ھو شعور ضحايا الحرب والنزاع في السودان الذين يواجھون آلة الموت يومياَ عندما يتجاھل أھل المركز مأساتھم وھم جزء أصيل من شعب السودان، بينما يبكون أطفال غزة وسوريا وما وراء البحار؟!
ثانياَ، من التناقضات والمفارقات أنه وعلي الرغم من أن المادة )2( – القفرة )2( من الإعلان الدستوري قد أكدت علي مبدأ سيادة حكم القانون، وھو أمر جيد بالطبع ويحسب للنداء، الا أن الإعلان الدستوري لم يفرد أي مادة أو نص يتعلق بإلغاء قوانين الشريعة الإسلامية التي كانت وما زالت طرفاَ أساسياَ في النزاع، ھذه الشريعة التي كانت سبباَ في إنفصال جنوب السودان و بموجبھا تم إعلان الجھاد علي شعب النوبة وإبادة شعب دارفور المسلم! فھل يفسر ھذا السكوت في سياق تواطؤ العصبة مع أجندة الإسلام السياسي التي مزقت وحدة البلاد شر ممزق وما زالت تھدد ما تبقي من وحدة السودان، أم أنه تواطؤ مع مشروع الصحوة الإسلامية الذي طرحه الإمام كبرنامج إنتخابي في العام 1986 ، أم أنه تعبير عن اللامبالاة وموت الضمير عند النخب السودانية؟!
لعل أجمل ما قرأت عن موت المثقف في بحر ھذا الأسبوع ھو المقال الرصين الذي خطه قلم الشاعر الكاتب والأديب فضيلي جماع، وقد جاء في ذلك المقال: ) لم يعش نظام في إفريقيا المعاصرة علي الفھلوة وإشعال الحروب قرابة الثلاثة عقود، وما يزال قادته غارقين في سرقة ثروة البلاد وتكميم الأفواه والتباھي بأنھم باقون مثل نظام الإسلامويين الحالي في السودان. ليس السبب لأنھم أكثر بأساَ وشجاعة من غيرھم – بل ھم أجبن من فأر. إنما السبب من ضمن أسباب أخري ھو تقاعس النخب من جمع صف القاعدة الكبيرة وتوعيتھا لتقف بنياناَ مرصوصاَ ضد النظام الذي بات يأكل جثته إن لم يجد ما يأكله(، فكم صدق ھذا الشاعر والكاتب الوطني النبيل مع ذاته وشعبه وھو يصف النخب السودانية الفاشلة بالمتقاعسين، ونزيد علي وصفه أنھم متواطئين مع ما يجري…حقاَ إنھم مثقفي بلادي القابعين بعيداَ مع الجن في وادي عبقر، لا فرق بينھم وبين بلة الغائب!!
لقد جاء في المادة )2( من الإعلان الدستوري للنداء أن نداء السودان ملتزم بتحقيق أھداف النداء المدنية البعيدة عن العمل العسكري وملتزم بوحدة السودان. فيما ألزمت المادة )6( الفقرة )ب( من الإعلان
الأمانة العامة لنداء السودان والتي يترأسھا قائد فصيل مسلح بالضوابط المدنية وبآداء مھام سياسية محضة لا علاقة لھا بالعمل المسلح. ولا شك أن المواد والفقرات أعلاه قد جاءت تأكيداَ للرفض القاطع من جميع الفصائل المنضوية تحت تحالف نداء السودان للكفاح المسلح كوسيلة للنضال وتغيير النظام،
وھذا ما يؤكد قبول قادة الحركات المسلحة المشاركة في إجتماع باريس بشروط الإمام وإملاءات عرمان بالتخلي عن الكفاح المسلح والتنازل عن حق المقاومة والدفاع المشروع عن شعبھم، ومن ثم الخضوع التام لوصاية الإمام وعرمان توطئ َة لتحقيق حلمھما بتصفية ثورة الھامش والتخلص من كابوس الكفاح
المسلح الذي ظل يؤرق مضاجعھما بإعتبار أن إمتلاك الھامش للسلاح سيجعل منه قوة ردع حتي في حالة التوصل لأي تسوية سياسية ومساومة تاريخية، وھذا ما يھدد إستمرارھيمنة الأقلية الحاكمة علي مفاصل الدولة، وفيما يبدو أنھما قد نسيا أن ھذا السلاح الذي فشلت الدولة بكل آلتھا وترسانتھا العسكرية في تجريدنا منه بالقوة لا يمكن تجريدنا منه بھذه الفھلوة والأونطة!
إن التنازل عن الكفاح المسلح خطوة لم نكن نتوقع أن يقدم عليھا أي تنظيم ثوري حقيقي يحترم تضحيات ونضالات شعبه وقضاياه المصيرية خاص َة في ظل إستمرار سياسات التطھير العرقي والإبادة الجماعية ومخطط الإحتلال والإستيطان الذي يستھدف أراضي ومناطق الشعوب الأصيلة في السودان – وھنا حق لنا أن نتساءل، أي ثورة تلك التي لا تستطيع قراءة وتفسير حركة التاريخ لدرجة إستسلامھا ھكذا في وضح النھار لتتحالف مع ذات العقل المدبر لكل كوارث البلاد؟! ونعجب كيف يرھن بعض القادة الثورة ومصير شعب كامل بطموحاتھم ومصالحھم الشخصية؟! نأمل الا يعدو الأمر كونه إنعكاس لقلة خبرة وسوء تقدير قابل للتصحيح قبل فوات الأوان، خاص َة وأننا نشك في أن مؤسساتھم القاعدية كانت جزءاَ من ھذا القرار الذي أوقعھم في ھذا الفخ الخطير، ھذا إن كانت لھم مؤسسات قاعدية أصلاَ إذ لا نعتقد أن الثوار الحقيقيين في الميدان موافقين علي تجريدھم من السلاح الذي يعتبر الوسيلة الوحيدة للدفاع
المشروع عن وجود شعبھم، ويمثل في ذات الوقت قوة ردع وضامن وحيد في أي تسوية سياسية عادلة، وليس أدل علي ذلك من إمتعاض قواعد ھذه الحركات المسلحة وھجومھا اللاذع علي قيادتھا في إستنكار واضح لتلك الخطوة المخذلة. وما لم يتم تدارك وتصحيح ھذا الخطأ القاتل، فإن التاريخ لن يرحم – كما أن الشعوب المھمشة لن تغفر للذين تعمدوا تعويق نضال الھامش وتأخير ثورته لأنھم يعلمون أن الشعب ھو القوة الحاسمة في التاريخ، ولن يستطيع أي قائد أو زعيم كائن من كان أن يجبر الشعب علي الإستسلام.
وفي تناقض واضح يقر الإعلان الدستوري لقوي الھبوط الناعم في المادة )6( الفقرة )ح( علي أن النداء ملتزم بعدم الإفلات من المساءلة علي الجرائم والمفاسد، في الوقت الذي يتماھي فيه موقف نداء السودان في قضية ملاحقة المحكمة الجنائية الدولية للبشير وأركان نظامه تماماَ مع موقف الإمام الصادق المھدي الرافض لتسليم البشير للمحكمة الجنائية والداعي الي تفعيل المادة )18( من قانون المحكمة والمادة )16( من نظام روما الأساسي. إن مطالبة الإمام بتفعيل المادتين أعلاه المقصود منھا تجميد مذكرة التوقيف وإرجاء التحقيق أو وقف المقاضاة بناءاَ علي طلب من مجلس الأمن الدولي الي المحكمة بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وذلك لإحالة الملف ليتولى القضاء السوداني مقاضاة المتھمين محلياَ بواسطة محكمة وطنية أو محكمة ھجين تضم قضاة سودانيين. بالطبع لم يفت علي الإمام أنه ليس في السودان قضاء مستقل أصلاَ، وأنه ليس من عادة قضاء السودان أن يمارس ولايته علي الجرائم محل النظر خاص َة علي الكبار والشواھد في ذلك كثيرة لكن من الواضح أن ھدف الإمام يكمن في وقف ملاحقة المحكمة الجنائية الدولية للبشير من خلال إحالة الملف الي القضاء السوداني لضمان التأثير علي سير العدالة وبالتالي تعطيل القضية، أو بالأحري قتلھا. وقد ذھب الإمام أبعد من ذلك في ھذا المنحى من خلال ورقته التي قدمھا أمام المعھد الملكي للشئون الدولية عقب إجتماع باريس الأخير عندما قال: سنقدم للنظام ودائرة سلطته غصن زيتون يشكل له مخرجاَ من إستھداف كثيرين ينشدون تصفية الحسابات
)لاحظ عقدة الذنب عندما تجعل الجلاد متوجساَ من ضحيته خوفاَ من إنتقام متوھم(. ويقول الإمام في ذات الورقة فيما يتعلق بموقفه من مذكرة توقيف البشير: إنه يمكن تفعيل المادة )18( من قانون المحكمة الجنائية والمادة )16( من نظام روما الأساسي، فضلاَ عن التحدث مع رؤساء بعض الدول الذين يمكنھم المساعدة حينما يتطلب السلام والإستقرار في السودان ذلك.
جاء في المادة )6( من الإعلان الدستوري أن نداء السودان ملتزم بتحقيق مطالب الشعب المشروعة باالوسائل الخالية من العنف، أو الحوار بإستحقاقاته علي سنة كوديسا جنوب إفريقيا، لكن قبل أن ندلي برأينا في تجربة الكوديسا التي يصر الإمام ونداؤه علي إستنساخھا وإسقاطھا علي السودان، حق لنا أن نتساءل:
1- من الذي فوض الإمام إبتداءاَ للتنازل عن دماء مئات الالاف من ضحايا الإبادة الجماعية في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، والتنازل عن دموع المغتصبات وأنين الأطفال في معسكرات النزوح واللجوء؟! ثم من أعطي ھذا الإمام حق توزيع صكوك العفو والغفران مجاناَ ھكذا في قضية ضحايا مجزرة بورتسودان وشھداء سد كجبار وضحايا بيوت الأشباح وشھداء ھبة سبتمبر التي أجھضھا الإمام والتنازل عن حق القابعين في بطون الأسماك وقاع البحار ھرباَ من جحيم ھذا النظام الفاشي؟!
2- ثم لماذا يصر ھذا الإمام التسعيني علي إحتقار الضحايا وإستفذاذھم بمقولته التي تنضح بعنصرية نتنة عندما قال: )البشير جلدنا وما بنجر فيھو الشوك(، بمعني أننا لن نسلمه للمحكمة الجنائية، كما لن نقبل بمحاكمته رغم إرتكابه للإبادة الجماعية، وكأنما قام البشير بإبادة حشرات وليس بشر ومواطنين سودانيين ولذلك لا يستحق في نظر الإمام المحاكمة للإقتصاص منه، أم أن ھذا الإزدراء السخيف للضحايا ھو تجسيد للخطاب المھدوي العنصري في آخر تجلياته )يعني كلام زول فاكر لسع الدنيا مھدية(؟!
وبالرجوع الي تجربة كوديسا جنوب إفريقيا التي يتشدق بھا الإمام الصادق المھدي لتطبيق فكرة الحقيقة والمصالحة، فمعلوم أن الصادق المھدي قد أدمن طرح أفكار وخطاب لا يتسق مع واقع السودان ولكنھا تعبر بالطبع عن الأھداف والرغبات والمصالح التي تحركه، سواء كانت مصالح مادية أو معنوية. فإصرارالإمام الشديد علي تجربة الكوديسا التي تبنتھا قوي الھبوط الناعم في وثيقتھا المسماة بالإعلان الدستوري ھو إصرار غير بريئ ويمكن أن يفسر في سياق تواطؤ سدنة المركز مع الإمام علي تقديم طوق نجاة )غصن زيتون( تساعد الجناة في الإفلات من المحاسبة والعقاب.
ونحن إذ نرفض الكوديسا كصيغة لحل مشكلة السودان، إنما نعزي رفضنا الي فشلھا في حل مشكلة جنوب إفريقيا وذلك للأسباب الآتية:
)1( لم يكن القصاص مطلباَ للجنة الحقيقة والمصالحة في كوديسا جنوب إفريقيا حيث وصفت الحقيقة والمصالة علي أنھا مقايضة، بمعني أن يروي مرتكب الجريمة تفاصيلھا فتدون ثم يحصل علي العفو، أي القصة مقابل العفو وھذا ما ساعد الجناة علي الإفلات من المحاسبة والعقاب إذ لم يكن الضحايا طرفاَ في العفو أو المطالبة بالقصاص علي غرار ما حدث في تجربة رواندا.
)2( في تجربة الكوديس ٍا لم يتم جبر الضرر بتعويض الضحايا كحق مادي ومعنوي مشروع، وبما يتناسب مع حجم الضرر، وحتي في بعض الحالات التي تمت فيھا محاسبة الجناة قانونياَ فقد تم ذلك
بموجب قوانين نظام التمييز والفصل العنصري )الأبارتايد( حيث أن معظم الأفعال والممارسات محل الإتھام لا تشكل جريمة في تلك القوانين العنصرية.
)3( لقد فشلت الكوديسا في إعادة تقسيم الثروة التي تركزت في أيادي البيض، كما فشلت في حسم قضية ملكية الأراضي والإقتصاد في البلاد وبذلك أبقت الكوديسا علي ھيمنة البيض علي الأراضي ومفاصل الدولة وخاص ًة الإقتصاد.
)4( إن أبارتايد جنوب إفريقيا وعلي سوءاته كان أفضل وأرحم بكثير من أبارتايد السودان، لأن البيض في جنوب إفريقيا وعلي الرغم من عنصريتھم الا أنھم لم يرتكبوا الإبادة الجماعية في حق السود كما لم يقوموا بجلب مرتزقة لمحاربة سكان جنوب إفريقيا الأصليين وإحتلال أراضيھم والإستيطان فيھا كما حدث ويحدث في السودان، أيضاَ لم يقحم البيض الدين في صراعھم مع السود في جنوب إفريقيا. ولذلك نحن بحاجة الي فتوي من دعاة وأنصار تجربة الكوديسا ليبينوا لنا كيف يمكن معالجة ھذه القضايا الشائكة والخطيرة.
)5( ھنالك كثير من الأدلة والشواھد علي وجود فعلي لممارسة الرق وإعلان الجھاد علي شعوب أصيلة في السودان وعلي تورط العصبة الحاكمة في نھب ثروات البلاد وبيع أراضيھا وأصولھا في الداخل والخارج، فالسؤال ما ھي رؤية أنصار ودعاة الكوديسا لمعالجة ھذه القضايا، ام أنھا في نظرھم ستسقط بالتقادم؟!
)6( ھنالك لغات وثقافات تمت إبادتھا بسياسات ممنھجة من الدولة وأيضاَ ھناك تدمير متعمد لآثار الحضارات الأصيلة والعريقة في السودان بھدف طمس معالمھا وإخفاء حقائق التاريخ، فما ھي رؤيتكم لتسوية ھذا الملف الخطير؟!
صفوة القول إن الكوديسا لا تمثل الصيغة والآلية المناسبة لحل مشكلة السودان، ومما يجدر ذكره ھو أن ھناك إعتراف قد تبلور وھو سائد الآن في جنوب إفريقيا نفسھا بفشل كوديسا الأولي 1991 وكوديسا الثانية 1992 اللتان إنتھتا الي لا شيئ، فكيف يستقيم المنطق أن نطالب بتطبيقھا في السودان رغم إختلاف الواقع والحقائق ھنا وھناك؟!
لعل تشبث الإمام الصادق المھدي وإصراره الشديد علي تجربة كوديسا جنوب إفريقيا نابع في الأساس من علمه التام بأنھا فشلت في حل مشكلة جنوب إفريقيا وھذا ما أكدته الأدلة والشواھد، كما يدل ھذا الإصرار علي رغبة الإمام الجامحة في إبتلاع ثورة الھامش عبر نمط عدالة لا يفضي الي تغيير حقيقي في بنية الدولة المعطوبة، وتقطع الطريق أمام أي محاولة لإعادة ھيكلة وبناء الدولة السودانية حتي يضمن إستمرار ھيمنة الأقلية الحاكمة )الجلابة( علي مفاصل الدولة، مع تحسين طفيف لشروط العبودية.