اسم الكاتب-ة: ايليا أرومي كوكو
:البريد الالكتروني
eliyakuku@gmail.com
نص الموضوع:
“كلما بذلنا عرقنا بصدق من أجل تحقيق السلام العادل ، سيقل نزيفنا عندماتنشب الحرب”
– نورمان شوارزكوف
تمهيد:
في البداية اترحم لارواح شهداء الحرية و الضمير الذين دفعوا ارواحهم الطاهرة فداء و نبراسا نقتدي به في مسيرتنا نحو سودان جديد. حرا و معافي و جامعا بعيدا عن المناهج القديمة الطاردة. ابعث برسالتى هذه لكل الذين وضعوا آمالا عراضا غداة تعيننا وزيرا للدولة للعمل و التنمية الإجتماعية بحكومة الثورة لاذكرهم بأنا بعيدين من تحقيق شعار “حرية سلام عدالة”. في الحقيقة هذا التكليف وضعنا في قائمة الشرف كوزير عاش جل عمره ضحية للإضطهاد المؤسسي القائم في السودان منذ الاستقلال ولذا مشاركتنا في حكومة ما بعد الإنقاذ لها مدلولاتها الرمزية لمجتمعي الصغير بكاودا و كل المجتمعات التي عانت غياب الدولة الجامعة و التوافقية )consociational( بالسودان و لامانة التأريخ ظل المجتمع الذي خرجت من رحمه خارج دولاب الدولة منذ الإستقلال. في الحقيقة لقد عاني هذا المجتمع كل انواع العنف البنيوي و المؤسسي )physical and structural violence( وكان انسان هذا المجتمع و بيئته مسرحا للحروب العبثية علي مدار ثلاثين عاما من عمر السودان و اصبح يعيش في سودانا آخر. لذلك احي و اشيد بالقائمين بامر هذا التعيين لعلهم اوفوا في حقى بالمشاركة الفعالة في صنع و رسم السياسات بالدولة و ليس بلعب دور ثانوي كما اختبرتها دهاليز السياسة السودانية في تعاملها مع الهامش علي مر الحكومات المتعاقبة. لكننا تفاجأنا بتدجين دورنا لخلق صورة زائفة باظهار وجه مشرق لحكومة تراعي التعددية الموجودة بالسودان وهي ابعد من ذلك بكثير. اود ان اعبر عن امتناني لهذا التعيين “المعيب” الذي جعلني مدركا بأن السودان ما زال بعيدا عن طريق التغيير المنهجي و المؤسسي و نتمني من القائمين بالأمر بتدارك هذا الوضع المائل قبل فوات الأوان.
1. في البداية نؤكد باننا جئنا إلى وزارة العمل والتنمية الاجتماعية في ظل الحكومة المدنية للقيام بأعمال جادة والتعاون في إحداث التغيير المنشود الذي يفيد السودانيين رغم التباينات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والمناطقية. و من اجل الدفع بعجلة التغيير اجتهدنا لاكتساب فهما أعمق ومعرفة شاملة وإدراك للثغرات في المنهج و السياسات policygaps)( والتوقعات(expectations ) في وزارة العمل والتنمية الإجتماعية بغية المساهمة الفعالة و الهادفة لتجويد الاداء في فترة اسثنائية من تأريخ السودان.
2. اتينا مدركين لتوقعات المواطن من حكومته الانتقالية، خاصة توقعاته من هذه الوزارة التي يمكن تعريف دورها إلى حد كبير على أنها تسعي في تحسين العلاقة بين الدولة والمجتمع(state-society relations) لأن وزارة العمل و التنمية الإجتماعيةساهمت في الماضي في خلق علاقات مشوهة ومفسدة بين الدولة والمجتمع من خلال التأطير لسياسات غير عادلة ساهمت في ما يعرف بالعنف الهيكلي من قبل الدولة
.(structural violence)
3. من داخل هذه الوزارة رسمت السياسات الاجتماعية المجحفة منذ الاستقلال و من مزايا هذه الوزارة ، دورها في صياغة سياسات تضع معايير لتحديد من يحصل على المساعدات الإنسانية، كيف ومتى. لقد اصبحت كل عمليات العنف الهيكلي مثل سياسات الحرمان(deprivation) التي تستهدف قطاعات معينة من المجتمع السوداني وكل الأسئلة المتعلقة بمن يمكنهم الحصول علي الخدمات الأساسية لأطفالهم والأدوية والأدوات المنقذة للحياة يتم تحديدها من هذه الوزارة .لذا نجد أن اغلب السياسات التمييزية في التوظيف في الخدمة العامة و سياسات العون الإنساني وبرامج خفض الفقر يتم التأطير لها من هذه الوزارة.
4. لقد مكنت الوزارة بعض سياسات تدخل الدولة في الشؤون المسيحية من خلال اتخاذ قرارات بشأن تصاريح العمل والإقامة لرجال الدين والهيئات التابعة للكنيسة.و قد تبنت الوزارة في العهد البائد دور التنسيق لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية من خلال السياسات التي قدمتها المؤسسات المختلفة التي كانت موجودة من قبل والتي تقع الآن تحت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية مما جعل علي عثمان محمد طه، النائب الأسبق للرئيس عمر البشيريطلق على هذه الوزارة اسم وزارة التخطيط الاجتماعي. فمن خلال عمله بالوزارة استحدث برامج لا انسانية )inhuman( من شاكلة سياسة “الهندسة الاجتماعية” و “اعادة صياغة المجتمع” ومن خلال تلكم السياسات تشكلت التشوهات الحالية لتخلق التفاوتات و التباينات و الفوارق الإجتماعية و الإقتصادية وعدم المساواة التي ألمت بالسودان حتى الآن و جعلت من السودان “سودانات” مما دفع المؤرخ البريطاني ريتشارد كوكيت )Richard Cockett( برسم صورة “العاصمة الرابعة” ليعبر عن المهمشون في العاصمة المثلثة و الذين يرسمون لوحة للفقر والبؤس الذي افرغته سياسات الحروب و التهميش.
5. هذا الوضع الماثل و الموروث يجعل من وزارة العمل و التنمية الإجتماعية ركيزة اساساية و من أهم المؤسسات لقيادة التغييرالمنشود و الطموح للشعب السوداني على مدى تبايناته السياسية والاجتماعية والاقتصادية. كما نشير بأن لهذه الوزارة فرصة كبيرة في خلق نواة جديدة لرأس مال إجتماعي سوداني) social capital( فاعل ومتفاعل اجتماعيا واقتصاديا بإمكانه رفد الحكومة الانتقالية باهم مورد متمثلا في المورد البشري الكفؤ والمنتج. ولوزارة العمل و التنمية الإجتماعية في ظل الثورة دورا اساسيا في تحسين فرص العدالة الإجتماعية في تجويد الخدمة العامةimproved public )service delivery) لترسيخ مفهوم جديد لدولة العدل) just state( باتباع نهجا جديدا ودقيقا لإحداث تغيير هيكلي من شأنه تعزيز العدالة الاجتماعية وترسيخ مبداءالأمن الإنساني(human security) والسلام المجتمعي(societal peace) المستدام لتحرير السودانيين من العوز والخوف (freedom from want and
.fear)
6. لوزاراة العمل و التنمية الإجتماعية دورا هاما لكسر الفوارق الاجتماعية مثل النوع والعرق والدين والمنطقة والاعاقة و الوضع الإجتماعي و الاقتصادي والدفع بأجندة التغيير إلى الأمام من خلال وضع استراتيجية لتحسين كفاءة وسرعة مؤسساتنا في اقتلاع سياسات النظام البائد وكل السياسات المجحفة التي تمس كرامة الانسان في السودان.
7. من وجهة نظري أن من ابسط الأهداف التي يمكن ان تحققها هذه الوزارة في الفترة الإنتقالية تتمركز حول تحسين صورة السودان المشرق من خلال اتاحة الفرصة لشعبنا لتقرير مصيره الإجتماعي والثقافي والإقتصادي المرتبط بمعاشه وذلك من خلال التوزيع العادل للفرص و الإرتقاء بالكفاءة الإنتاجية. بهذا يمكننا المساهمة في ترسيخ مفهوم السيادة الوطنية المنبثقة من مجتمع راض عن اداء حكومته و مجتمع له علاقة ايجابية مع الدولة وحينها سننجح في استعادة شرعية الدولة السودانية من خلال الشرعية المكتسبة من الأداء ال مرضي )output legitimacy( و اضفاء صورة “الدولة العادلة .” لماذا الإستقالة؟
1. لقد اتينا برغبة صادقة للمساهمة في التغييىر و لم نأت لشرف الوظيفة والوزارة. لسبع اسابيع مكثتها بالوزارة كنت في بحث مضني للإجابة عن اختصاصنا في وزارة لها احدي و عشرون وحدة تتراوح بين ادارية لمجلس لديوان وامانة و مفوضيات بعد ان اتضح جليا وصار دورنا بلا صلاحيات ملموسة و شبيهة بالوزير الاحتفالي (ceremonial).
2. منذ اداءنا القسم بتأريخ 26 يناير 2022م ما زلنا نطالب برسم واضح لإختصاص وزير الدولة. الغريب في الأمر انه و في نفس يوم اداء القسم اعلن تجمع المهنيين السودانيين و من خلال مؤتمر صحفي بعدم دستورية تعيين وزراء الدولة وانهم في قوي الحرية و التغيير ليسوا جزاء من تعييننا الذي يعتبر خرقا للوثيقة الدستورية. منذ ذلك الحين الي اللحظة لم يقم مجلس الوزراء و من يعنيهم الأمر بالنفي او التوضيح لهذا الإتهام الخطير. في الحقيقة منذ ذلك الحين شعرنا بتأنيب الضمير ووضعنا انفسنا في طريق الاستفسار لمعرفة حقيقة هذا الأمر.
3. لذا اود ان اعلنها اليوم داويا بأن ضميرنا الشخصي والوطني لا يسمح لنا في لعب دور مخالف للوثيقة الدستورية و مخالفا لتوجه المكونات الرئيسية للثورة والحكومة المدنية .
و اعلاننا للإستقالة ينبع من ايماننا بأهداف الثورة وايفاء لصحوة ضميرنا لاننا افترضنا
جزافا بأننا معيننون من قحت لكننا تفاجأنا بموجب اعترافهم الضمني بأنهم ليسوا جزء من تعييننا، فيبقي السؤال المحوري من هم وراء هذا التعيين الذي يخالف الوثيقة الدستورية و ماهو الهدف.
4. أخيرا عندما قبلنا هذا التكليف كان من منبع ايماننا في المساهمة الفعالة في التغيير الحقيقي والمقصود (deliberate) والصادق والثوري و ليس للتسويف، وضميرنا لا يسمح لنا أن نكون جزءا من إعادة تنظيم الممارسات القديمة في ثورة محاصرة وبها متربصون كثر يحاولون بشتي السبل إفراغها من مقاصدها و مضمونها. نؤيد الإنتقال الصادق والعادل المفضي الي سودان معافي و سلام مستدام ونؤكد باننا سنقاوم بكل ما نملك من قوة و عزيمة لرفض التحول المنقوص و المتعارض مع قيمنا و مبادئنا لاننا لا نملك اعز من كرامتنا.
استيفن امين ارنو –11 مارس, 2022 م