(The best of the worst)
يقولون أن الديمقراطية هي أفضل الأسوأ أي ليست مثالية ولكنها أفضل تجارب عرفه الأنسان عبر التاريخ والي الآن . ولذا نجد دائما تثار جدل ونقاش حولها عادة بعد انتخابات في أي دولة , مهما كانت هذه الأنتخابات شفافة لن ترضي نتائجها جميع اطراف المشاركة في هذه الأنتخابات . علي ضوء هذا الفهم وقد تابعنا جميعا الأنتخابات الرئاسية التشادية التي جرت في ابريل الماضي وظهرت نتائجها النهائية المعتمدة من المحكمة الدستورية في الأسبوع الماضي بفوز الحركة الوطنية لألأنقاذ بقيادة أدريس دبي إتنو رئيس الجمهورية الحالي والأحزاب المتحالفة معه بما نسبته ما يقارب 60 % من الأصوات الناخبين , ومن الجولة الأولي . وقد تبين للمراقبين النسبة العالية للتصويت وتبين ايضا مدي أنخراط أو أهتمام الناخبين الذين هم في سن الأقتراع في المسار السياسي الذي حدده قيادة تحالف الأحزاب , كما تبين مدي مصداقية العملية الأنتخابية بشهادة جميع المراقبين الذين شاركوا في تقيم هذه الأنتخابات . وقد صاحبت هذه الأنتخابات الزخم الأعلامي الفاسد عبر وسائل التواصل الأجتماعي , لتقبيح كل ما هو جميل وأهدار كل أنجاز وقلب الحقائق ونشر الأفتراءات والأشاعات والأكاذيب وأختلاق الوقائع وتكبير الأخطاء لأحباط المجتمع وبث روح اليأس فيه ومحاولات كثيرة لجر البلاد والعباد الي قضايا الأنصرافية , كمتاجرة بقضية( زهورة ) الجنائية وجعلها قضية سياسية .ولكن أرادة الشعب التشادي كانت الأقوي . وبرهن أمام العالم بأنه شعب مدرك أهمية التضامن الديمقراطي لأستقرار الوطن , بعيدا عن دعوات المعارضة لممارسسة القبلبية والجهوية والتي تقود البلاد حتما الي الصراعات والتطاحن والأقتتال التي عانتها تشاد وذاقت مرارتها سنوات ما بعد الأستقلال . وكما أتضحت من قراءة نتائج هذه الأنتخابات ان الشعب التشادي قد أقتنع بأن الأختلاف والتعدد في الأجناس والألسن علي عمومه سنة من سنن الله في خلقه ( ومن آياته خلق السموات والأرض وأختلاف ألسنتكم وألوانكم أن في ذلك لآيات للعالمين ) وهذا رد موضوعي لتلك الشبهات والمزاعم والأكاذيب والضلالات التي أطلقها وروج لها الحاقدين ضد قيادات الحركة الوطنية للأنقاذ . تلك الفرية والأكاذيب التي لا يصدقها الأ السذج والمغرر بهم من الذين تعطلت عندهم ملكة التفكير السليم .
ومن الغرائب الأمور التي ظهرت من خلال متابعة العملية الأنتخابية التي جرت مؤخرا في تشاد , ظهور بعض مجموعات أعتقد انها محسوبة للمعارضة تدعو الي تطهير تشاد من الدخلاء ما يسمونها ( بالدارفوريين ) وانني لست أدري بالتحديد حقيقة ماذا يقصدون بالدارفوريين !!! أذا كانون يقصدون أهل دار فور الذين لجأوا الي بلادنا نتيجة لظروف الحرب في دار فور فهم مازالوا يقيمون في معسكراتهم في أبو نبق وتلوم وأخرين في منطقة دار سيلا وهم ينتظرون بشغف يوم العودة الي بلادهم بعد زوال اسباب اللجوء , وأكيد هؤلاء لم ولن يتدخلوا في القضايا السياسية التي تخص الشعب التشادي. أما أذا كانوا يقصدون الجالية التشادية المقيمة في السودان ومنها دارفور, تلك جهل بحقائق التاريخ والجغرافيا , لأن ملايين التشاديين الذين نزحوا ولجوا الي السودان في الستينات لظروف الجفاف والأقتتال نتيجة للصراع علي السلطة وخصوصا في فترة الرئيس فرانسوا تمبلباي . ومجموعات اخري هاجرت الي السودان بعد مذبحة ( كوب كوب ) التي قادتها القوات الفرنسية عام 1914 التي راحت ضحيتها أكثر من 400 عالم وحافظ القران الكريم والسبب يقال ان أحد العلماء افتي ( بأن من قتل فرنسيا دخل الجنة ) ولما وصل هذه الفتوة الي علم السلطات الأستعمارية قرروا قضاء علي هذة الفئة التي تشكل خطرا عليها. ودعوا جميع الحفاظ في مؤتمر عام وأنقضوا عليهم جميعا . وكان أغلب الذين هاجروا في تلك الفترة من أهالي أقليم الوداي الحالي. وهؤلاء جميعا اصبحوا جزء من سكان السودان وصاروا قيادات لأحزاب كبيرة ومعروفة وبعضهم شاركوا في الحياة السياسية وأصبحوا أعضاء في الحكومة ومجالس التشريعية ومن أراد أن يتأكد هذه الأمور بشكل تفصيلي أسالوا الوزير السابق والكاتب الكبير عمنا خيار عمر ضيف الله وقصته المشهورة مع أبن شقيقه الوزير السوداني الذي زاره في بيته في أنجمينا دون سابق علم لتوليه الوزارة في السودان . تخيلوا هذا الموقف !! ومع ذلك لم يتهم السودان أحدا من هؤلاء بان جزوره من تشاد .
هذه الأدعاءات التي ظهرت خلال فترة هذه الأنتخابات عادت بنا بالذاكرة الي عهد الرئيس فرانسوا تمبلباي الذي تحرك ضد خصومه وكان جبرائيل ليزت اول ضحياه وقد أقاله من منصبه كنائب لرئيس الوزراء ورئيس الحزب التقدمي التشادي كما جرده من الجنسية التشادية ومنعه دخول تشاد بينما كان جبرائيل ليزت يمثل تشاد في المؤتمر الدولي حول دور العلم في تنمية الدول المستقلة – المنعقد في اسرائيل عام 1962 م . وصلته برقية من فرانسوا تمبلباي علم منها أنه غير مرغوب في تشاد . وأتخذ أجراءات التصفية ضد جميع أصدقائه في الأدارة او السياسية وقسم دائرته الأنتخابية ( لوغون ) الي محافظتين بهدف أحكام الرقابة عليها والحيلولة دون بزوغ أي تيار مناصر له .أما الشخصية السياسية الأخري التي أستهدفها الرئيس فرانسوا تمبلباي فهو جان باتست وهو خليط من أم تشادية ( زغاوية ) وأب فرنسي وهو رئيس الحزب الوطني الأفريقي الذي أئتلف حزبه مع الحزب التقدمي التشادي في مارس 1961 م وتم عزل جان باتست من منصبه كمحافظ لفورت لامي ( أنجمينا الحالية ) كما عزله من منصبه كنائب في الجمعية الوطنية , متهما اياه بأنه من أصل غير تشادي عرف عنه في الأونة الأخيرة وله نشاطات تهدد بالأمن الداخلي للدولة . وكما عزل السيد احمد كوتوكو وهو ( والد السيد احمد سونقي وزير خارجية تشاد السابق وسفير تشاد الحالي لدي جمهورية الصين .) من منصبه كرئيس للجمعية الوطنية ( برلمان ) وطرده الي الكاميرون بحجة أصله الكاميروني . واتهامه بالخيانة . ولما علم الرئيس الكاميروني في ذلك الوقت ( احمد أهيجو ) بقصة هذا الرجل و بالمؤامرة التي أحاطت بالموضوع أصدر قرار بتعين احمد كوتوكو سفيرا للكاميرون لدي المملكة العربية السعودية وفي ذات الوقت كان ابنه احمد سونقي يمثل سفيرا للتشاد لدي المملكة العربية السعودية , تخيل يا ايها القاري الكريم أن الأبن والأب سفيرين لبلدين مختلفين .
هذه الأجراءات التعسفية وغيرها التي أقدم بها الرئيس تمبلباي كان من الأسباب الرئيسية التي اندلعت ثورة مسلحة ومظاهرات عمت كافة ارجاء تشاد وفي نهاية المطافة ادي الي أنقلاب عسكري حيث راح تمبلباي ضحية لهذا الأنقلاب الدموي . وخلاصة القول التي أريد ان أصل اليها أن عندما تختل المفاهيم وتختلط الموازين وتغيب الرؤي وتضعف الحجة ويتواري الدليل وتقل الشعبية وبنعدم الضمير ويتكالب الناس علي الدنيا والمناصب وحب الذات والأنا وتتغلب المصلحة الخاصة علي المصلحة العامة وتتأخر أهمية الوطن وقيمته وتاريخه ومستقبله تصبح أتهام بعضنا البعض بالعمالة وأتهام الأخرين بالخيانة وألصاقهم بالدول اخري وتعتبر كل هذه الأمور لايخدم قضية الوطن بل يعقدها وتأجيج الصراعات والخصومات بين مكونات الشعب .
ولذلك حبيت ان أذكر القارئ الكريم وخصوصا اعضاء الحركة الوطنية للأنقاذ الي ضرورة نبذ العصبية والقبلية والأستعلاء العرقي وكل ما من شأنه أن يعمل علي التصادم بين مكونات الشعب التشادي أيا كان مصدره ودوافعه . وكما ان الحرية صفة أساسية للأنسان وحق غير قابل للتفاوض فاذا تخلي الأنسان عن حريته فقد تخلي عن أنسانيته وعن حقه كأنسان هذا من أقوال جان جاك روسو الفيلسوف الفرنسي الذي قاد الثور ة الفرنسية .
ادم كردي شمس