الزيارة الخاطفة التي قام بها رأس النظام السوداني الجنرال عمر البشير الي القاهرة في يوم الاثنين الموافق 19/3/2018 الي العاصمة المصرية القاهرة، والاستقبالات الرسمية غير المسبوقة التي حاز بها البشير من قبل السلطات المصرية، من اكثر الزيارات غرابة علي الاقل في السنوات الاخيرة، خاصة انه اتي بعد فترة قطيعة طويلة وصل فيها العلاقات بين البلدين، الي حد سحب السفير السوداني من القاهرة، ولكن المتتبع لما يجري خلف الكواليس سوف يجد ان الزيارة كانت واحدة من الاعيب التي درج البشير علي القيام بها من اجل الحفاظ علي سلطته ويتضح ذلك من خلال مجموعة من الاتفاقات التي قام بتوقيع عليها.
ومع العلم كان بداية عام 2018م هي بداية جديدة لنظام الانقاذ حيث واجه فيها عدة تحديات علي كافة الاصعدة، بداية من الازمة الاقتصادية، وما صاحبها من حراك سياسي معارض من قبل المواطنين السودانين الذين رفضوا القرارات الاقتصادية وتحدوا السلطة نزولا الي شارع منددين بالقرارات الاقتصادية الحكومية التي اثرت علي حياة المواطنين بصورة مباشرة، ونتيجة لذلك مارست السلطات ابشع انواع القمع، وامتلأت السجون والمعتقلات بالمواطنين، وقادة المعارضة، والي حين كتابة هذه السطور لم يتم اطلاق سراح بعض قادة احزاب السياسية، خاصة قيادات حزب المؤتمر السوداني، هذه الوضعية جعل الحكومة الي التفكير لافتعال مشكلة خارجة مع دول الجوار ( مصر، اريتريا)، بان هاتين الدولتين تستهدفان السودان، وتحاولان التدخل العسكري عبر الحدود الارترية السودانية، الي اخره من الاتهامات التي كانت تهدف الي خلق عدو وهمي من اجل اقناع المواطنين بالعدؤ الوهمي التي ليس له وجود الا في مخيلة قادة النظام.
بعد هذه الموجة قام النظام بتغيير جلده عن طريق احداث تغييرات في قادة الجيش وجهاز الامن والمخابرات، بعودة الحرس القديم بقيادة صلاح قوش الذي كان مهندس بيوت الاشباح السئ السمعة، بالاضافة الي انه متهم بالعمالة لصالح الدول الامبريالية ووكلاءه في المنطقة، ومنذ قدوم صلاح قوش علي راس الجهاز بدأ في التنكيل الامني للمعارضين، بل اكثر من ذلك انه صرح في الصحف ان قادة الاحزاب السياسية المعتقلين سوف لم يتم اطلاق سراحهم الا بعد تحسن سلوك احزابهم، اما علي السعيد الخارجي فقد عقد اتفاقات امنية مع دولة جارة ويقال ان من بنود تلك الاتفاقية بان يتم ايقاف راديو دبنقا التي تبث علي قمرها الصناعي، بالاضافة الي تسليم المعارضين بين الطرفين، ويقال ان قوش بالفعل قام بتسليم بعض معارضي تلك الدولة.
يأتي زيارة البشير الي القاهرة بعد تلك الحراك، والترتيب الداخلي الذي قام به لاجهزته القمعية، حيث قال في المؤتمر الصحفي التي عقده مع نظيره المصري انه اتي الي القاهرة من اجل دعم الرئيس المصري في الموسم الانتخابي، كما شاهدنا في الاخبار ان الجانبين قاما بتوقيع علي عدة اتفاقيات، امنية، اقتصادية، وهنالك اخبار خلف الكواليس تقول ان البشير اتي الي القاهرة، للبحث عن اتفاقيات تحمي نظامه في الخرطوم، حيث يعاني النظام ازمات داخلية في منظومته الحاكمة، بالاضافة الي الازمة الاقتصادية التي عجز النظام السيطرة عليها، كما ان النظام يعاني من عزلة خارجية جراء المقاطعة والحصار التي قام بفرضه المجتمع الدولي في العقدين الاخيرين، كما ان راس النظام ظل معزولا عن معظم العالم الخارجي، وانه معرض الي اعتقال في اقرب سانحة ممكنة، جراء اتهامه من قبل المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية، وجرائم الابادة الجماعية لمجموعات بعينها في اقليم دارفور في فترة من 2002 الي 2006م.
الوضعية المعقدة التي يعيشه النظام جعله يبحث قارب النجاة حتي لو ادي ذلك الي تنازل جزء من اراضي الدولة، وامثلة كثيرة منها ( حلايب، شلاتين، فشقة، سواكن)، أو المشاركة عبر الجيش السوداني في صراع داخلي لدولة اخري تنفيذا لاجندة دول اخري لديها الاموال، أو عبر بيع المؤسسات العامة للدولة ( سكة حديد، النقل البحري، النهر…… الخ).
الزيارة الاخيرة للبشير لم يخرج من تلك الدائرة القائمة علي تقديم التنازلات في سبيل الحصول علي دعم من قبل الدول الاخري، وتبين ذلك من خلال الحالة النفسية المرتبكة للبشير وعدم قدرته علي ادلاء بتصريح واضح علي نوعية تلك الاتفاقيات الذي قام بتوقيع عليها، بالاضافة الي ذلك ان الزيارة كانت قصيرة مقارنة بحجم الاستقبال التي حاز به، لذا اري ان نوعية الاتفاقيات التي وقع عليها البشير ذات شأن مهم خاصة في البعد الاقليمي (التحالفات الاقليمية) والبعد الداخلي (توفير الحماية للبشير ولنظامه) عبر تقديم الدعم الاقتصادي والامني في مواجهة المعارضين، وفي مقبل الايام سوف يتبين ذلك جليا.
مارس 2018
[email protected]