الزواج واحدة من المناسبات التي نجد فيها أنفسنا وجهاً لوجه مع حقيقة مجتمعنا المجردة . لكونه يعلي من شأن هذه العلاقة ، فيجتهد أن يؤكد فيها على احترامه لقيمه والتزامه بعاداته وتقاليده ، وسانحة للإحتفاء بتراث الأجداد ، عبر طقوسٍ تبدأ من مرحلة الموافقة على الخطبة ، وتستمر حتى تزف العروس لزوجها . قد تظل سطوة هذه الموروثات والأعراف تخيم حتى على غرفة نوم العروسين كما في حال نورا التي نحن بصددها هنا . لذلك يمثل الزواج مرآةً تعكس ما تراه بلا تزييف .
في قضية نورا التي حُكِم عليها بالإعدام الأربعاء الماضي ، بعد أن أدانتها المحكمة بقتل الرجل الذي زوجها أهلها له ، بعد ممانعةٍ منها ، فإن هذه الحادثة ذكرتنا أننا مجتمع ، في غالبه الأعم ، عشائري ، تحكمه القبيلة بقانونها ، وأن مظاهر المدنية مهما طغت تظل محدودة في بعض المدن الكبرى و أوساطٍ معينة .
خلافاً لهذه الفئة، هناك نوعين من العشائرية في مجتمعنا ؛ نوعٌ صريحٌ تطل فيه القبيلة برأسها لترسم ، في أحيانٍ كثيرة ، مستقبل أفرادها السياسي وفقاً لمصالحها العليا ، ولها الكلمة العليا في قضايا الزواج والطلاق والصلح والحرب ، أي أنها تمسك بمفاصل حياة أفرادها . هذا النوع من العلاقة لا نلحظه حولنا ، لأننا كسودانيين لا نتعارف ، لا ندري الكثير عن عادات وأعراف القبائل المختلفة ، ولا ننظر لتراثها إلا كفلكلور نشاهده في معارض التراث ورقصات فرق الفنون الشعبية . هذا لا يعني أنه هو غير موجود أو متحكم في حياة أفراد هذه المجموعات .
النوع الآخر من العشائرية ، دعونا حتى يتسع المعنى أن نسميها قبلية ، يأخذ لبوس التمدن ، لكن تظل عادات وتقاليد المجموعات السكانية مرعية بل واجبة النفاذ ، وكلما اقتربت الرقعة الجغرافية المحددة من المدن الكبرى ، كلما قلَّت الصرامة في التعامل مع هذه العادات ، والعكس . ففي الريف البعيد في أواسط السودان مثلاً ، تتحكم نظم مجتمعية متوارثة جيلاً عن جيل ، قد تختفي مسميات القبائل لكن يظل نظامها قائماً .
قضية نورا تمثل شكلاً من أشكال سطوة المجتمعات القبلية ، على أفرادها ، رجال ونساء . ويكون وقعها أقوى وأكثر إيلاماً على النساء ، لذلك الحل قد لا يوجد بالمحاكم ، رغم الجهد والاهتمام الكبيرين الذين وجدتهما قضية نورا ، من قبل التنظيمات النسوية والمتضامين الحقوقيين . أقصى ما يمكن أن ينجزه محامي نورا هو الحصول على حكم البراءة ، لكنها ستدخل في ملاحقات هي واسرتها قد يفقد بعضهم حياته أثناء ذلك ، ستتحول حياتها وحياة أفراد اسرتها إلى جحيم ، هذا ينطبق على أي حكمٍ يخفف من عقوبة الإعدام ، فالدماء في عرف بعض المجموعات السكانية عارٌ لا تغسله إلا الدماء ، وأن يكون القاتل إمرأة تجعل الأمر أسوأ .
إن أردنا إنقاذ نورا يجب أن نفكر بذات الطريقة التي أجبرتها على الزواج وتركتها وحيدة تواجه الموت ، وهنا قد يصلح المثل الإنجليزي (When in Rome do as the Romans do )، إن أردنا التعامل مع قضية ذات طابعٍ وتعقيدات قبلية ، علينا الإستعانة بذوي الشأن ، فللإدارة الأهلية أعرافها الراسخة في حل مثل هذه القضايا ، بالجودية والتفاوض عبر مجالس الصلح ، من أعيان ووجهاء وملوك وسلاطين القبائل . هؤلاء لا يملكون عصا موسى لكنهم يعلمون مداخل العشائر وخشوم البيوت ، ويدركون بالتجربة كيف ومع من يبتدرون الحوار . وإلى أي مدى يؤثرون في طرفي القضية . لذلك أعتقد أنه ، وبجانب استئناف الحكم ، يتوجب السير في اتجاه الجودية التي تعرفها هذه المجموعات وظلت تقوم بأدوار كبيرة تحقن بها الدماء وتطيِّب النفوس عبر الصلح أوالتعويض .
سلمى التجاني