اعتمدت الحكومة في خطتها لوقف الحرب بدارفور على ثلاثة محاور عملت على تحقيقها بالتزامن ، بدعمٍ وتاييد من المجتمع الدولي ، تتمثل في : تجفيف الوجود العسكري للحركات المسلحة بدارفور ، جمع السلاح ، وتفكيك معسكرات النزوح واللجوء عبر برنامج العودة الطوعية .
ما حدث خلال شهر رمضان من أحداثٍ دامية بولايات دارفور المختلفة يؤكد أن هذه الخطة تراوح مكانها وتتسبب في المزيد من عدم الإستقرار وغياب الأمن ، وترفع عدد الضحايا ، بشكلٍ ملحوظ . ففي محور تجفيف وجود الحركات المسلحة تركز العمل العسكري ، ومنذ مارس الماضي في منطقة جبل مرة وما جاورها ، وذلك في محاولة للقضاء على وجود حركة تحرير السودان هناك ، كآخر بؤرة للعمل المسلح بدارفور ، ورغم استخدام الحكومة لمليشيات خبيرة بالمنطقة ، وطلعات للطيران الحربي ، إلا أن جبل مرة لا زالت عصية ، نسبة لطبيعة المنطقة نفسها ، ولأن الحكومة تحارب في أرض الخصم التي ظل يقاوم فيها لأكثر من ستة عشر عام ، ولان حركة التحرير تعلم أن الجبل هو آخر معاقل المقاومة المسلحة بدارفور ، وبسقوطه ستسقط القضية التي مات وتشرد لأجلها الملايين من مواطني الإقليم .
لم تفشل الحكومة ومليشياتها في السيطرة على جبل مرة فقط ، لكنها تسببت في تشريد آلاف المواطنين ليشكلوا شرياناً يغذي معسكرات النازحين بمزيدٍ من الضحايا .
في محور جمع السلاح ، تجاوز النظام الكثير من العقبات ، ونجح في نزع السلاح بأعدادٍ كبيرة ، لكنه خلق بذلك وضعاً شبيهاً لما كان عليه الحال عند تفجر ثورة دارفور في العام 2003م ، إذ تجمَّع السلاح في أيدي مليشيات الحكومة التي قوامها ، في الغالب ، من القبائل العربية ، فأصبح وجود السلاح بأيديهم مهدداً للأمن والإستقرار ، لذلك نجد القاسم المشترك في كل حوادث القتل التي وقعت خلال شهر رمضان هم قوات الدعم السريع ، تارةً يتم تسميتها باسمها ، ومرات يُطلق على الجناة اسم ( مجموعات مسلحة ) ، ما يؤكد أن الحكومة وفي سعيها لبسط الأمن ، خلقت ذات الوضع الذي أدى لقيام الحرب ، كالساقية التي تأخذ المياه من البحر لتعيدها للبحر .
أما فيما يتعلق بالعودة الطوعية ، ففي ظل فوضى مليشيات الحكومة ، وعدم قدرتها على السيطرة عليها ، يبقى طريق العودة من معسكرات النازحين واللاجئين طريقاً ذو مسارين ، فمناطق العودة غير آمنة ، ولا مهيئة لعودة الحياة فيها ، وأغلبها بلا وحدات شرطية لحفظ الأمن ، كما حدث الثلاثاء الماضي في منطقة حجير تنجو بجنوب دارفور ، عندما نفذ مسلحون مجزرةً راح ضحيتها تسعة مواطنين وعشرات الجرحى .
إذن خطة الحكومة لإنهاء الحرب بدارفور تمضي بشكلٍ دائري يفاقم من الوضع الأمني والإنساني ، ويزكي اسباب عدم الإستقراو . وإن وجدت الخطة الدعم والمباركة من المجتمع الدولي فإنه لن يستمر في دعمها للأبد وهو يرى في نتائجها مزيداً من القتل والنزوح .
لذلك يبقى طريق تحقيق السلام واحد ، يمر عبر إتفاق سلامٍ عادلٍ وشامل ، لا يستثني أحداً من حملة السلاح والإدارة الأهلية وتنظيمات المجتمع المدني الفاعلة بدارفور .
سلمى التجاني