محمـد داؤد سليمان
عام 2018 لم يكن عاما عاديا علي الشعب السوداني، اذ لمنقل انها من اصعب الاعوام التي مرت علي المواطنين في الدولة السودانية منذ عقود، حيث شهد بداية العام الزيادة غير الطبيعية في اسعار السلع والخدمات الاساسية، وبالرغم من الزيادة الكبيرة في الاسعار الا ان السلع لم تتوفر في الاسواق، فاصبح سلعتي الخبز والبنزين من السلع النادرة، واصبح المواطنون ينتظرون الي ساعات طويلة من اجل التزود بهاتين السلعتين، بالاضافة الي ذلك شح في السيولة النقدية في المصارف، حيث اصبح الحصول علي العملة من المصارف من اصعب الاشياء، واصبح المواطنين يدفعون الرشاوي للحصول علي اموالهم التي وضعوها بمهد ارادتهم في المصارف، والنتيجة الطبيعية فقد المواطنين الثقة في القطاع المصرفي، واصبح النقود خارج القطاع المصرفي، مع هبوط غير المسبوق في قيمة الجنيه السوداني مقابل العملات الاجنبية خاصة الدولار.
ان الضائقة المعيشية التي بدأت في بداية عام 2018م هي نتيجة طبية لتاريخ طويل من الفشل لنظام الجبهة الاسلامية القومية التي استمر في الحكم لما يقارب 30 عاما، وخلال تلك الفترة تم تدمير البنية الاقتصادية للدولة، بسبب فساد منسوبي نظام الانقاذ عن طريق سرقة موارد الدولة وتحويلهم الي حساباتهم الشخصية وتكديسها خارج البلاد ( ماليزيا، تركيا، الامارات العربية المتحدة، سويسرا، مصر ….. الخ) ،اما النشاط الاقتصادي فقط تركز في المعاملات الاقتصادية المضرة للاقتصاد مثل المضاربات، مع اهمال تام في المشاريع ذات الطابع القومي ( سكة حديد، مشروع الجزيرة)، فقد استشري الفساد في مفاصل الدولة، وتم تشريد معظم الكفاءات الوطنية من الخدمة المدنية، واصبح منسوبي النظام فاقدي الضمير والكفاءة هم من يتحكمون في مفاصل الدولة، مع الصرف غير الطبيعي علي الاجهزة الامنية، وفي شراء الذمم السياسية، حيث اصبح مؤسسة الدولة يصرف علي جيش جرار من الموظفين العاطلين عن العمل من وزراء وبرلمانيين.
ومع بداية عام 2018م، بدا المواطنين، خاصة المواطنين الذين يسكنون المناطق الحضرية بالاحتجاجات، رفضا لسياسات الحكومة الاقتصادية، وتدريجيا تحول حالة الرفض الي ثقافة يومية، ومع نهاية عام 2018م وصل حالة الرفض الي اعلي درجاته، حيث خرج مسيرات في معظم مدن وقري السودان، مطالبين برحيل نظام الحكم الذياوصلهم الي الضنك الاسفل من التخلف، وواجه النظام تلك الاحتجاجات بالعنف الذي ادمنه منذ مجيئه الي السلطة، حيث انتهج القتل والتعذيب كمنهج للتعامل مع مطالب الشعب، حيث وصل عدد القتلي خلال فترة وجيزة الي مايقارب 40 مواطن اعزل ليسو لهم ذنب الا بسبب مطالبته بالحقوق المشروعة التي كفلها لهم الدستور والعقد الاجتماعي المؤسس للدولة، بل اكثر من ذلك خرج راس النظام بتصريحات امام قادة الشرطة يطالبهم فيها بقتل المتظاهرين، لترهيب وتخويف المتظاهرين، اعتقادا منه ان ذلك يحمي نظامه من التهاوي والسقوط، والشي الذي لا يعلمه راس النظام ان الشعب اصبح لا يخاف من الموت في سبيل انعتاق من نظامه وزمرته، وان مطلب ذهاب نظامه الي مزبلة التاريخ هو المطلب الرئيسي للمحتجين، والعنف لا يمكن ان يحميه بعد توفر الارادة الشعبية.
ان ثورة الشعب التي انطلقت مع نهاية العام هي تراكم طبيعي لثورة الشعب السوداني الذي انطلق من مجئ هذا النظام في 1989م، حيث قدم فيها الشعب السوداني الغالي والنفيس من اجل الانعتاق من هذا النظام، وحتما ان النصر قادم، وان هذا النظام سوف يسقط كما سقط اعتي الدكتاتوريات، ليبدا الشعب السوداني رحلة اعادة بناء الدولة السودانية علي قيم العدالة والسلام الاجتماعي، وينتهي عام 2018م ودعوات السودانيين في كل بقاء الارض، فليكن هذا العام اخر اعوام المتاسلمين في ادراة الدولة السودانية.
Mohamedj209@gmail.com
2/1/2019