أبو الحسن الشاعر
العبقرية قد تكون لها أوجه شتى وقد تظهر مبكرة أو متأخرة لكنها ظهرت بأسمى تجلياتها في بلاغ المسخ المشوه المسمى ” هيئة علماء السودان” .
البلاغ الموجه للأمة السودانية المغلوبة على أمرها والذي حمله أنبياء أو بالأصح أغبياء هذا الزمان يلوحون به لشعبنا العاصي المذنب ويدعونهم للتوبة الخالصة إلى الله حتى يرفع عنهم عذاب غلاء الأسعار.
علماء النفاق والشقاق هؤلاء وفقهاء سوء الأدب والأخلاق مع الله والشعب لم يفتح الله عليهم بكلمة حق واحدة في وجه سلطان جائر تولى أمرا هو غير جدير به وولى الأمر لغير أهله من الرويبضة والمتردية والنطيحة فخلق نظاما مجرما يديره مسئولون مجرمون فاسدون عاجزون.
هؤلاء الشياطين الخرس ، لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس ، ليسوا أهل دين ولا سياسة ولا كياسة .. فلو كانوا من أهل الدين ما سكتوا عن قول الحق الأبلج ولو كانوا من أهل السياسة لتجنبوا بلاغا جلب عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ولو كانوا أهل كياسة لالتزموا الصمت وقد علموا عجزهم عن الإشارة للفيل الماثل أمامهم فطفقوا يخصفون عليه من ورق النفاق ليواروا سوءته وعورته التي لا ساتر لها من الشعب.
هؤلاء للأسف يجهلون أشهر الحوادث في دولة الإسلام الأولى وكأني بهم لم يسمعوا بعام الرمادة والذي أضطر فيه الخليفة الراشد العادل عمر لتعطيل الحدود وما سمعنا منه أو من علماء زمانه من قال للمسلمين يومذاك أنهم سبب البلاء والجدب والجوع ، لكن فقهاء الحاكم الظالم عمر زينوا له سوء عمله في إفقار الناس وطيبوا خاطره بأن الذنب هو ذنب الشعب وحملوا نيابة عنه بلاغ الله إليهم وأنه وحكومته وبطانته براء من كل ذلك فالفاسد هو الشعب والعاصي هو الشعب ومن يستحق البلاء وانعدام الغذاء هو الشعب.
هؤلاء يجهلون أن عذاب الله بالجدب حل على المشركين لا على المسلمين حتى أكلوا الوبر والعلهز نكالا من الله ولإصرارهم مع ذلك على الكفر فجعلونا ببلاغهم هذا أمة مشركة كافرة ومصرة على الكفر.
هؤلاء ما رأوا الأمم حولنا المسلم منها والمسيحي والبوذي واللاديني ، كلها ترفل في نعيم العيش بحسن التدبير والتخطيط والعدل والديمقراطية ؟!! ألم يكونوا جميعا أحق بغضب الله من حكومة ( هي لله ) ؟
هؤلاء المصابون بالزهايمر الديني والتلوث العقلي وعدم الحياء ينقلون عن الله ما لا يقبله عقل ولا شرع .. رئيسهم الذي قال بأنه قتل أهل دارفور وأقر أمام حشد من الناس بأنه لم يجد سبيلا ولا فتوى لغفران سفك الدماء ويسأل أحد شيوخ الدجل القابعين أمامه في تسجيل مبذول على المواقع الإسفيرية إن كان يعرف لذلك سبيلا ! ، هذا الرئيس غير مذنب .. هؤلاء الذين وزعوا في الطرقات العامة لافتات ” من لم يغز ولم تحدثه نفسه بالغزو مات ميتة جاهلية ” و ” من جهز غازيا فقد غزا ” وذلك لغزو مواطنين في عقر وطنهم ، حيث أهلكوا الحرث والزرع والضرع وعاشوا هم في دعة من العيش واكتفوا بتجهيز الضحايا لساحات الحرب فقتلوا الأبرياء في وطنهم ودفعوا بالصغار لمحرقة الموت ثم عادوا لتصنيفهم من الفطايس .. هؤلاء الذين رفعوا حناجرهم بالدعاء والدعوة للحرب والموت والدمار .. طيلة أكثر من ربع قرن ليسوا مجرمين !!! كل أولئك لم يرتكبوا ذنبا وذلك كله من اللمم، فمن المجرم ؟
المجرم هو هذا الشعب الذي يبحث عن البصل والطماطم والجرجير والخبز فلا يجد منه شيئا في بلد رفعوا فيه شعارهم الكذوب ” ناكل مما نزرع ونلبس مما نصنع ” فإذا بسياساتهم الرعناء تورد البلد موارد الهلاك فلا يجد الناس ما يسد الرمق ولا إطعام في عهد ذي مسغبة ! لأن موارد البلد يتقاسمها القتلة من العسكريين والسفلة من ساستهم.
هؤلاء زينوا للشيطان صنيعه وبرروا له فشله وأيدوه على الباطل .. فهل هؤلاء علماء ؟ إن الجهل يستحي أن ينتمي إليه أمثال هؤلاء.!
إن هذا المنطق المعوج بتحميل الشعب كارثة ما وصلت إليه البلاد عقابا لهم على ضعف دينهم إنما يمثل إدانة لهؤلاء ويفضح فشل دعوتهم ودولتهم الإسلامية لكونها لم تنجح فيما سموه المشروع الحضاري فردت الناس كافرين يقع عليهم غضب الله بلاء وغلاء بعد أن كانوا قبل وصولهم للسلطة في خير عميم ونعيم كبير وإيمان صحيح..!!
ماذا تفعلون في المساجد التي ملأتم بها الساحات وعلقتم فيها الميكرفونات تصرخون فيها من منتصف الليل حتى شروق الشمس تظاهرا بالورع الكاذب لأنكم جعلتم العبادة مظهرا خادعا وساترا لكل نصاب وكذاب وفاسد ، فالكاذبون أنتم والممثلون على الله والناس أنتم لا غيركم وإن كان من عذاب يحيق بأمة بسبب مجرميها الذين أسرفوا وفسقوا فيها فليس غيركم من ينطبق عليه هذا الوصف وكان عليكم قبل غيركم الإقرار بذنوبكم والتوبة إلى الله والشعب.
أنتم ونظامكم من سرق قوت الشعب ، وأفقره وجوعه بسياسات فاشلة وحروب مدمرة وتعطيل نظام الخدمة المدنية بتسريح موظفيها الأكفاء بدعوى الصالح العام والخطط البائسة والفساد الذي أصبح سمة تلازمكم في كل موقع…
هؤلاء العلماء البؤساء وبعد أن جلبت عليهم فتوى البلاغ العار والشنار وصب الناس عليهم جام غضبهم بسببها أرادوا أن يطمسوا فعلتهم النكراء بفتوى أخرى بشأن تحريم كريمات التجميل لينصرف الناس للحديث عنها وذلك أمر لا يحتاج فتوى إن كانت لهم عقول وهناك جهات صحية عليها إن رأت ما يضر بالصحة العامة أن توقفه لا أن تلجأ لهؤلاء السذج المخرفين للفتوى في أمر لا شأن لهم به ولكنها دولة الهرجلة التي يسود فيها الضبع ويتنمر فيها القرد ويفتي فيها الجاهل.
هؤلاءنراهم وقد وصفهم د. منصور خالد بفقهاء الحيض والنفاس ، يتزاحمون على الشاشات كل يوم ولا هم لهم سوى الفتوى للحائض والنفساء فما سمعناهم تحدثوا عن غلاء ولا تطرقوا لضرورة العدل في الحكم ولا حذروا ظالما ولا نصحوا فاسدا .. شيوخ لا نراهم إلا في موائد النفاق وولائم أعراس مثنى وثلاث ورباع ومناسبات التربص بأرامل لمن زعموا أنهم شهداء!!
إن دينكم هذا الذي يبريء المجرم ويجرم الضحية ليس ديننا والدين الذي يسكت عن قول الحق وردع الظالم ليس ديننا والدين الذي يعاقب شعبا بجريرة حكومته ليس ديننا والدين الذي يخرس ألسنة من يسميهم العلماء بالعطايا التي يأخذها من أفواه الفقراء واليتامى ليس ديننا والدين الذي يبرر للفساد بفقه السترة ليس ديننا .. والدين الذي يقتل الملايين ويشردهم في وطنهم ليس ديننا .. فانظروا أي دين تدينون به !! فذلك ليس الإسلام السمح ، دين الرحمة والحق ومجابهة الظلم الذي نعرف ولكم دينكم ولنا ديننا.
اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع .. كعلم هؤلاء المزعوم .. ولكم يوم.. وما الصبح ببعيد.
aatharm@gmail.com