الخُرطوم – صوت الهامش
انقضت الفترة التي خصصت لتحقيق السلام في السودان وفقا للوثيقة الدستورية دون التوصل لاي إتفاق حول المناطق التي تأثرت بالحرب ، وتوقف التفاوض منذ مارس الماضي مع الجبهة الثورية عقب وفاة وزير الدفاع،فيما توقف التفاوض مع الحركة الشعبية شمال قيادة عبدالعزيز الحلو لتباعد المواقف بين الحركة والوفد الحكومي، عقب تمسك الشعبية بعلمانية الدولة السودانية او الذهاب لحق تقرير المصير وهي المقترحات التي تتحفظ عليها الحكومة السودانية .
إطالة أمد التفاوض رغم إنقضاء الفترة المخصصة لذلك تشير إلي أن ملف السلام يواجه تحديات كبيرة يتطلب تقديم تنازلات من جميع الأطراف.
جداول زمنية
وضعت الوساطة المعنية بأمر التفاوض جداول زمنية للتوصل لإتفاق سلام ينهي الحرب في مناطق النزاعات الا أن تباعد المواقف ووفاة وزير الدفاع فضلاً عن جائحة “كورونا” أسهما في عدم الوفاء بالتواقيت التي وضعتها الوساطة .
ويقول عضو الوفد الحكومي المفاوض علاء الدين بابكر أنه حسب الجدول الموضوع باتفاق الطرفين وحضور الوساطة ان يوم 30 مارس الماضي يكون آخر يوم للتفاوض ومن يوم 1الي يوم 8 يكون للمراجعة النهائية والصياغة والترجمة ويوم 9 أبريل يوم التوقيع النهائي علي الاتفاق لكن بوفاة وزير الدفاع رفعت المفاوضات لأسبوع وبعدها دخلت جائحة كورونا في ، مشيرا إلي كلها أمور خارج الإرادة البشرية .
وأكد في تعليق لـ”صوت الهامش” أنه بناءً علي رغبة الطرفين فإن الوساطة اقترحت ان يكون التفاوض غير مباشر لتبادل الأراء نسبة لظروف الجائحة عبر تقنية الفيديو كونفرس ، لافتًا إلي توصل الجانبين إلي إتفاق حول نسبة دارفور في الموارد القومية،مشيراً إلي أن التفاوض شارف علي الانتهاء ولم يتبقي منه إلا الأرقام المالية ونسب المشاركة في السلطة القومية وسلطة دارفور وتوقع الوصول الي اتفاق نهائي قريبا.
جدل الإستكمال
الحكومة الانتقالية والجبهة الثورية أعلنتا في وقت سابق التوصل لإتفاق بنسبة “90%” حول القضايا المطروحة خاصة في ملف العدالة والمصالحة والسلطة بجانب ملف التعويضات والخدمة المدنية،ولم يتبقي سوي بند الترتيبات الأمنية،غير ان إتجاه الحكومة الإنتقالية على إستكمال هياكل ومؤسسات الفترة الانتقالية أسهم في تباعد المواقف بين الطرفين لجهة أن الثورية إتهمت الحاضنة السياسية بأنها تسعي لتوزيع مناصب الولاة على أساس حزبي دون النظر لمعايير الكفاءة.
وحذرت الثورية من مغبة تعيين ولاة الولايات وتشكيل المجلس التشريعي قبل التوقيع على إتفاق سلام او إدخالها ضمن اليات الاختيار، الإتهامات الموجهة لقوى الحرية والتغيير بالنسبة لعضو وفد التفاوض علاء الدين بابكر يراها بأنها غير صحيحة مبيناً أن من يتهم الحرية والتغير بذلك هو الذي يريد تباعد الخطي لجهة أن الحرية والتغيير والسلطة التنفيذية يعملون في تيم واحد بكل انسجام للوصول الي اتفاق سلام ينهي الاحتراب ويفتح الطريق امام عودة النازحين واللاجئين وبدأ مشاريع التنمية.
المصفوفة الثلاثية
شركاء الحكم الانتقالي أقروا مصفوفة سياسية تضمنت تواقيت زمنية لاستكمال ما تبقي من ملفات الحكومة الانتقالية ومن بين تلك الملفات هو استكمال هياكل الحكم وهي تعيين ولاة مدنيين وتشكيل المجلس التشريعي الانتقالي فضلاً عن تكوين المفوضيات .
الجبهة الثورية رأت أنه في حال المضي في تعيين ولاة الولايات وتشكيل المجلس التشريعي الانتقالي فإن ذلك يمثل نهاية للتفاوض وبداية مرحلة جديدة من الحرب الشاملة،الا أن علاء الدين بابكر عاد وقال لـ”صوت الهامش” “نأمل أن لا يمثل ذلك نهاية للتفاوض لان استكمال الهياكل يصب في صالح استكمال أهداف الثور” وتابع قائلاً رأي رفاقنا في الجبهة الثورية محل احترام وتقدير لذلك سيتم تكليف ولاة حسب مانصت عليه المصفوفة الثلاثية وليس تعين وبعد توقيع اتفاق السلام سيتم تعين الولاة بمشاركة الجبهة الثورية .
وقال أن الوضع في الولايات لا يتحمل بسبب أن النظام البائد مسيطر بالكامل علي مفاصل الدولة” ، رؤية علاء الدين بشأن تعيين ولاة الولايات إتفق معها الصحفي حافظ كبير الا أنه دعا لربط ذلك بمشاركة الجبهة الثورية ، وقال أنه من الممكن تعيين الولاة قبل التوصل إلى اتفاق سلام، وزاد بقوله”لكن اذا تم ذلك دون موافقة الجبهة الثورية، سيعقد ذلك من مسيرة التفاوض، ويمكن أن يؤدي إلى توتر أمني كبير، قد يهدد الفترة الانتقالية برمتها، خاصة وأن الذي وقع على الاتفاق الذي بموجبه تم تأجيل تعيين الولاة، هو الشق العسكري في الحكومة”.
تخوفات مستقبلية
رغم الجدل الذي مازال يصاحب التفاوض فإن مراقبون يبدون خشيتهم من أن إتفاق السلام المستقبلي سيكون ناقصاً ولن يلبي آمال وتطلعات الشعوب التي إكتوت بنار الحرب وهذا ما يقوله الصحفي حافظ كبير في تعليقه لـ”صوت الهامش” مضيفاً بقوله “هناك دائما أمل، خاصة وأن السلام عملية ممكنة، لكن تقف أمام السلام الشامل والحقيقي عقبات كثيرة، وكل طرف لديه تعقيداته .
ولفت إلي أن الحكومة وقعت في فخ التجزئة من البداية، وكذلك مضت حركات الكفاح المسلح على هذا النهج، لذلك مهما كان الاتفاق الذي سيوقع بين الأطراف، سيكون اتفاقا ناقصا، لوجود عدد من الحركات خارج منبر التفاوض حاليا، ووجود حركتين متناقضتين تتفاوضان مع الطرف الحكومي حول ذات المنطقة، منطقة جنوب كردفان والنيل الأزرق، وفي الوقت الذي تقترب فيه حركة عقار من توقيع اتفاق نهائي” .
وأشار إلي أن التفاوض مع الحركة الشعبية بقيادة الحلو متعثرا، وقد يتعارض الاتفاق مع عقار مع الاتفاق المتوقع في آخر المطاف مع الحلو، منوهاً أن مطالب النازحين واللاجئين،متأثرة بالانقسامات على مستوى الحركات، وهو ما جعل اللاجئين والنازحين يصرون على المشاركة بأنفسهم في التفاوض، وفي ظل غياب قيادة موحدة للاجئين والنازحين، من الصعب معرفة سقف المطالب، بعيدا عن المطالب التي ترفعها الحركات باسم اللاجئين والنازحين.
وقال الناطق باسم الوفد المفاوض للحركة الشعبية، الجاك محمود الجاك أن الحركة ظلت تطرح مبدأ علمانية الدولة وتتمسك بها في طاولة المفاوضات كوصفة علاجية لمعالجة قضية علاقة الدين بالدولة ، مبينًا في ظل محاولات الإلتفاف علي الحلول الموضوعية بهدف الإبقاء علي الأوضاع المختلة في السودان وضمان إستمرار هيمنة الأقلية الحاكمة لم تجد الحركة أذن صاغية .
ولفت أن قوى الحرية والتغيير كحاضنة سياسية للحكومة الإنتقالية قدمت الي جوبا بدعوي كسر الجمود في محادثات السلام، ولكنها وضعت مصداقيتها علي المحك بمراوغاتها وتماهيها الواضح مع موقف وفد الحكومة المفاوض عندما تنصلت عن مسودة الإعلان المشترك الذي تم بينهما .
وأكد أن التحالف ، اخذ يطرح فكرة الدولة المدنية في مواجهة العلمانية لعرقلة الحلول الموضوعية والتهرب من دفع استحقاقات السلام الشامل والوحدة العادلة، مهدرة بذلك فرصة تاريخية لاحت في الأفق لتحقيق سلام حقيقي في السودان.
قصور حمدوك
إلي ذلك قال الناشط السياسي حافظ إبراهيم أن الوثيقة الدستورية التي تحكم الفترة الإنتقالية لم يتم ترجمتها لواقع عملي بين أطراف الحكم، مشيراً إلي أنه تم تكوين مفوضية خاصة بالسلام بدون صلاحيات بجانب مجلس أعلي للسلام دون اي صفة دستورية .
وإتهم في حديث لـ”صوت الهامش” المكون العسكري في مجلس السيادة بالسيطرة على ملف السلام والتعامل معه كملف أمني ، وقال أن العسكريين سيطروا علي ملف السلام وتعاملوا معه كملف أمني ،مشيراً إلي أن هناك جذور أزمة تحتاج إلي خطاب بصورة واضحة .
وأكد إبراهيم أن الوثيقة حددت أن رئيس الوزراء هو الذي سيشرف على ملف السلام بيد أنه تقاعس عن واجبه وإعتبر أن الطريق الذي نمضي فيه لن يٌحقق سلام في السودان، لجهة أن هناك جهات لا تريد حل حقيقي للأزمة ومُعالجة جذور المشكلة السودانية وليس لديها مصلحة في بناء دولة على أساس ديمقراطي.
وأشار إبراهيم أن قوى إعلان الحربة والتغيير ليس فكرة او استراتيجية بجانب أنها ليست علي قلب رجل واحد، وإعتبر تأجيل القضايا المصيرية لما يٌعرف بالمؤتمر الدستوري خطأ كبير ، مشيراً إلي أن هناك أحزاب داخل التحالف ترفض تحقيق سلام حقيقي وتغيير شامل ويستعجلون الوصول للإنتخابات للقضاء على كل ما تم الاتفاق عليه مُسبقاً .
ودافع إبراهيم عن تعيين ولاة الولايات للقضاء على بقايا النظام البائد التي يسيطر على الولايات بجانب إنهاء الفراغ الإدراي، وأكد أن الوفد الحكومي المفاوض في حال رفض إقرار علمانية ستمضي البلاد إلي حرب شاملة إسوءة بتجربة دولة جنوب السُودان.