منذ عدة ايام “قبل” يحي جامع رئيس غامبيا المنتهية ولايته التنحي عن السلطة ومغادرة البلاد، بعد إن رفض التنحي عن منصبه وتسليم السلطة سلميا للرئيس المنتخب “أداما بارو” وأعلن حالة الطوارئ في البلاد لمدة ثلاثة أشهر، مبررا قراره بوجود مخالفات في العملية الانتخابية. بعد إن قبل الإعلان عن النتائج النهائية، وتحدث بحماسة في اتصال متلفز، إلى السيد بارو، معترفًا بهزيمته، قائلًا: “اتصلت لأتمنى لكم كل التوفيق، لقد صرَّح الشعب الغامبي بموقفه” ولكن رفض “جامع” كان له صلة بالتصريحات المبكرة لقادة المعارضة التي كانت مليئة بالاستهزاء وضعف الحنكة السياسية. فبعد أن تملَّكتهم فرحة تنحي حاكم بإستبدادية “جامع” بدأ بعض من أعضاء تحالف المعارضة أمثال “جالوا تاغانج” بالقول : “سوف نحاكم جامع في اقرب وقت ممكن” كما التصريحات المتتالية التي كانت تظهر في الاعلام بأن المتابعات “الأمنية” المحتملة لن تشمل “جامع” فقط بل كل من له علاقة بالنظام من “حلفائه من رجال الأعمال وبعض الشخصيات في هرم المؤسسة العسكرية” وفي ظل هذا التصعيد تسرب الشعور بعدم الأمان إلى عصبة جامع العسكرية. وبعد إن اعلن قائدُ القوات المسلحة الجنرال “عثماني باجي” الولاء للرئيس المنتخب تراجع كبار رجال الجيش تخوفا من ملاحقتهم أمنيا وذلك ما أدي الي تفاقم الأمور في البلاد وأعطي الإحساس بالسيطرة “لجامع” مرة اخري. وإدانتي لتصرف المعارضة “الطفولي” ليس دفاعا عن الديكتاتور “يحيى جامع” الذي حكم غامبيا “بالحديد والنار” منذ 22 عامًا بعد استيلائه علي السلطة بانقلاب عسكري. ولهذا كانت خسارته للانتخابات شئ طبيعي حيث كانت تشير الاحتجاجات المتكررة في الشهور الأخيرة بأن جامع سيفقد منصبه. وكان السبب الرئيسي لذلك السخط الشعبي من البيئة الأمنية “القمعية” التي كانت تمتاز ب “تقييد حرية التعبير وحالات التعذيب والاختفاء القسري والإعدام التعسفي” فا في شهر يونيو اعتقل 10 صحفيين بتهمة انتقاد السياسة الاقتصادية للحكومة. ولنتذكر ايضا في عام 2004 عندما أغتيل “دايد هيدارات” رئيس تحرير صحيفة The Point Era رميا بالرصاص في ظل ظروف غامضة، وفي الفترة الاخيرة من حكمه قضت محكمة “عسكرية” بسجن زعيم المعارضة “أوسان داربوا” و20 آخرين لمدة ثلاث سنوات لمشاركتهم فى مظاهرة غير مصرح بها, وكانت التظاهرة تنديدا عن مقتل “صولو ساندوج” شاب من صفوف المعارضة جراء تعرضه للضرب علي يد أفراد الشرطة.وهناك معسكر يصفه الغامبيون بأنه “ثقب التمساح” كان الضباط يقومون بصعقه بالكهرباء في أماكن حساسة وضربه بالعصي وخنقه بكيس من البلاستيك وكسروا يده اليمنى. وغير طبعا الفساد المتفشي الذي ينتشر على نطاق واسع والنقص المزمن في الغذاء والاقتصاد المتدهور. والذي ذاد الأمور سوء عندما أعلن “غامبيا” جمهورية إسلامية مالكية، بعد أن جعل مصدر الحكم بالشريعة الاسلامية واللغة العربية اللغة الرسمية لبلد ليس فيه من يفهم حرف عربي واحد، وأطلق علي نفسه أمير المؤمنين وأصدر قرارا بمنع الشعب من الاستماع للموسيقى والحفلات طيلة شهر رمضان، وغير تهديده بقطع رقاب كل شاربي الخمور والمثليين. وإعلانه اختراع دواء لمرض الإيدز بقشر الموز وبعض الأعشاب السحرية التي لا يسري مفعولها إلا أيام الخميس (تردد أنه أعتقل كل من نفى أنه شفي على يده)، وكان يواجه “يحي جامع” كل تلك الانتقادات بقوله “نعم أنا ديكتاتور فليشرب أعدائي من البحر ولينطحوا الجدار بجماجمهم، وسأبقي في السلطة مدام الله يريد ذلك” فالهذا كان يجب علي المعارضة ان تتخذ بعض الحرص والتكتيك في التعامل معه. بدلا من تصدير التهديدات التي جعلت الحزب الحاكم “التحالف من أجل إعادة التوجيه والبناء الوطني” بتقديم طعن علي النتائج بحجة تزويرها. وقد أصرَّ جامع على انتظار حكم المحكمة قبل التنحي عن السلطة. وقد وصفت المعارضة كلام الحزب الحاكم نوع من المراوغة السياسية التي سوف تجر البلاد الي الفوضي العارمة وقد زادت هذه الوضعية من القلق حول ما يمكن أن يترتب على هذا التغير المفاجئ لجامع وذلك ما جعل بعد من المنظمات ال “محلية، وإقليمية ودولية، كالأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقي، والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا ومنظمة التعاون الإسلامي وكذا قوى غربية كالولايات المتحدة وفرنسا” ل السلطة الحاكمة إلى قبول نتائج الانتخابات وضمان انتقال “سلمي” للسلطة إلى “بارو”. كما هدد تحالف دول غرب إفريقيا (الإيكواس) بقيادة السنغال باستخدام القوة إذا لم يتنحَّ جامع في الميعاد المحدد لتسليم السلطة في التاسع عشر من يناير/ 2017 وفي ظاهر الأمر تبدو المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا اليوم كمن يتخذ القرار ويدعم الشرعية في غامبيا لكن إن الأمر في واقعه غطاء سياسي تجده السنغال الأكثر مناسبة للتخلص من “جامع” الذي ظل لسنوات يدعم ويسلح متمردي إقليم كازمانس السنغالي المطالبين بالانفصال. وقد هبَّت ايضا بعض الدول الافريقية للوساطة من أجل التغلب على الأزمة بفريق يقوده الرئيس الموريتاني “محمد ولد عبد العزيز” و “ألفا كوندي” رئيس غينيا كوناكري وكانوا يؤكدون ان اي تدخل عسكري في “غامبيا” سوف تكون نتائجه وخيمة علي جميع الأطراف. وسعوا أن يتنحى “جامع” طواعية لتفادي إراقة الدماء المُحتملة. وقبل موعد تسليم السلطة بأيام أعلن البرلمان “الغامبي” بتمديد فترة رئاسة جامع لثلاثة أشهر بأغلبية ثلثي أصوات أعضائه. وكان هذا ايضا نوع من المساومة للضغط علي المعارضة و إعطاء النظام وجه من الشرعية امام المجتمع الدولي. وعند قدوم ميعاد استلام السلطة دخلت القوات السنغالية الى الأراضي الغامبية دعما لتولي الرئيس الجديد “أداما بارو” مقاليد السلطة في البلاد، حسب متحدث باسم الجيش السنغالي. .وجَاء ذلك بعد وقت قصير من أداء أداما بارو لليمين القانونية رئيسا لغامبيا في السفارة الغامبية في السنغال. وبعض ضغط و مساومة قبل “يحي الجامع” تخلي عن السلطة مقابل الرحيل خارج البلاد دون محاسبة. وَقَد أعلن المستشار الإعلامي للدولة أن أكثر من 11 مليون دولار قد اختفت من خزائن الدولة عقب رحيل الرئيس السابق يحيى جامع عن البلاد. وقد أعلن الرئيس “المنتخب” انه سوف يعود الي البلاد بعد ان تأمن القوات الافريقية البلاد بنسبة 100%
من هو الرئيس المنتخب و ماهي خلفيته السياسية ؟؟؟
آداما بارو ولد في 16 فبراير 1965 درس الابتدائية في مسقط رأسه في “كوبكندا” و التحق بالاعدادية في العاصمة “بانجول” وتابع في الثانوية بمعهد “للدراسات الاسلامية” وَفِي تلك الفترة انخرط بعض الوقت في العمل السياسي ولكن المضايقات الأمنية جعلته يبتعد. وبعد حصوله على شهادة كفاءة متوسطة في العلوم الشرعية استسلم لجاذبية العمل التجاري، فعمل في شركة مقاولات في العاصمة بانجول وتقدم في المناصب بداخل الشركة، حتى أصبح مدير للمبيعات وهاجر في عام 2000 إلى لندن ليحصل على شهادة في “البيزنس” ولكن مصاريف دراسة اضطرته للعمل كحارس شخصي ليغطي تكاليف الجامعة وهو عمل عاد به إلى بلاده ليصبح حارسا شخصيا لرجل الأعمال “مومودو موسيا انجاي “والد زوجة الرئيس الأسبق للجمهورية “داوودا كايرابا جاواراي” ومن خلال علاقته الوثيقة بالمكتب الرئاسي فتح مكتب عقارات باسم “لاماجوم ريال أستيتانت” عام 2006 ودخل عالم “الراسماليين” ولكن بعد ان “يحي جامع” قطع جميع العلاقات التجارية والسياسية مع كبري المؤسسات الاقتصادية ” الأوروبية – الامريكية” انخرط “ادام و بعض رجال الاعمال” في صفوف حزب “UDP” حتي مسك زمام الحزب وتقدم في الانتخابات الاخيرة الذي فاز بها ليكون بذلك ثالث رئيس للبلاد منذ استقلالها 1965 وتقدم بارو على جامع بحوالي 50 ألف صوت حيث حصل على 262000، مقابل 212000 لجامع، وذلك حسب النتائج التي أعلنها رئيس لجنة الانتخابات “اليا مومار انجيا” عبر التلفزيون الرسمي للبلاد. وقد دعمت المعارضة الغامبية المتمثّلة من “حزب المصالحة الوطية، حزب المنظمة الشعبية الديمقراطية من أجل الاستقلال والاشتراكية وحزب المؤتمر الوطني “أداما”. ولكن الفضل يرجع الي شباب المعارضة الغامبية الذين دعوا جميع الأحزاب إلى تعزيز الوحدة بين مختلف الكيانات التي تشكل منها الإتلاف الانتخابي، وكان ذلك من خلال إيمانهم بان تلك الانتخابات تعتبر فرصة لتغيير نظام الحك في غامبيا في ظل السخط الشعبي ضد حكومة “يحي جامع” وعملوا الشباب في المدن والقري الريفية من أجل حث الشعب للخروج والأدلاء بأصواتهم والتعبير عن أنفسهم وحياتهم المتردية، فلو ظل “يحي جامع” واستمر في الرئاسة 20 عامًا أخرى فلن يتغير شيء وسيزداد الوضع سوءًا وسيكون مستقبل غامبيا مظلمًا. ؟ وانا كنت سالت صديق لي من ضمن صفوف المعارضة اسمه “عبد الرحمن تراوري” عن سبب المشاركة الكبيرة للشباب “الغامبي” بين صفوف المعارضة في الفترة الأخيرة ؟؟؟ فكان رده بان الشباب يأس من البطالة التي تسود البلاد بعد أن انعدمت فرص العمل وانحسر الاقتصاد وتابع بقوله بإن الشباب يريد حكومة تشجع الصناعة والتنمية. وايضاً حكومة تؤمن بالتعددية السياسية والحزبية وتفتح القنوات الشرعية التي من خلالها يستطيع المواطن ان يعبر عن مشاكله من خلالها، لان “الأنسان لو تم تقييده من فعل شيء فلن يظهر المعدن الحقيقي له ولن يتمكن من تحقيق أهدافه خاصة لو كان شابًا وأنا اتمني ان يحدث تغيير كبير في الفترة المستقبلية في غامبيا رغم تشاؤوم الكثيرين حول التوجه الاقتصادي للرئيس الجديد الذي يميل نحو الرأسمالية ولكن نحن اليوم علينا ان نتكاتف لنخرج بلادنا من النفق المظلم الذي وضعنا “فيه” الديكتاتور “يحي جامع”..