بخيت اوبي
المتأمل للواقع والدارس لمناطق النزعات فى ولايات السودان المختلفة وما عايشتها من ظروف صعبة ومعقدة اتسمت بمظاهر ووقائع ومنعطفات عده منها غياب العدالة، وتعطيل القانون، ومصادرة الحريات والحق في الحياة لكل مناهض لتلكم السياسات، وتكميم الافواه للمثقفين في المجتمعات المختلفة، وتفخيم وتعظيم فاقدي الوعي والانتهازيين وتجار الحرب، وحالة الاستقطاب الحاد للمجتمعات المحلية باستخدام الورقة الاثنية كأداة سهلة وغير مكلفة لخوض الحرب وانتهاك حقوق الانسان، وكذلك تجاوز قوانين المؤسسات وخلق او اختلاق اجسام جديدة تنبني على المدنيين والقبائل لاداء مهام المؤسسات، وما صاحبها من سوء السريرة المتمثلة فى اغراق المجتمعات في سلسلة غير منتهية من النزاعات والغبن المتجدد، والاستقواء بالدولة لتصفية الحسابات الشخصية والتشفي والانتقام، وكذلك انتشار السلاح وخاصة الاسلحة الخفيفة بصورة مكثفة وبحسب تقدير المختصين في منظمات مسح الاسلحة الصغيرة والخفيفة بملايين القطع، مما يعقد من الاوضاع فى المستقبل القريب، اذا لم تجد الجدية والارادة من الحكومة الانتقالية وانشغلت بالمسائل الاخري مثل الاقتصاد والموازنات الاقليمية والدولية والتسويات السياسية، فبعد النخبة من القاعدة وتلمس مشكلاتها الملحة سيؤدى ذلك الى الفشل في كل مشروع او خطة، ستصبح محض سراب ظل هذه التحديات الكامنة في عمق المجتمعات، فالاسراع في معالجة هذا المارد قبل خروجه من قمقمه من أولى الاولويات، والنزول الى المستويات الدنيا لارسال الرسائل لتبيين اهداف التغيير، حتى يتم قطع الطريق على المتربصين والساعين الى اجهاض مشروع دولة المؤسسات ، دولة الحرية والعدل والسلام، ولاشك في ان بعض الانشطة الخفية الهدامة قد بدأت فى الظهور مثل اذكاء روح القبلية والاستفادة من الغبن التأريخي بجانب توفر اداوات الهدم مثل الجهل والسلاح، وكذلك استخدام الاسلام والمنابر في المساجد للتحريض والسعي بالفتنة بين الناس، كأن العدل والسلام والحرية لم تكن من مضامين الاسلام واساسه، فالخروج الامن من هذه المعضلة تحتاج الى الوعي باحابيل ومكائد ودسائس النظام البائد وسمومه التى بثها على مدى ثلاث عقود، فالحل يكمن فى رفع وعى المجتمعات المحلية بمكامن الخطر ومرامي اعداء المؤسسية ، بجانب تفعيل التقارب والمصالحة بين المجتمعات التي تم تقسيمها وتفتيتها وتعقيد اوضاعها، حتى تكون عقبة امام اي اصلاح قادم، في هذا الاطار لابد من العمل فى اوساط المجتمعات عبر مداخل استراتيجية للمصالحة ومن ثم جمع السلاح بعد ازالة الترسبات العالقة منذ عقود من حقد وغبن والميل الى الانتقام، وتفعيل مبدأ المحاسبة لكل من ظلم ورد المظالم الى اهلها، ومن ثم تحويل الطاقات السلبية الى اخري ايجابية عبر تبني جملة من استراتيجيات المصالحة ،فالمصالحة كمشروع يرتبط بمجموعة متداخلة من استراتيجيات التدخل التى تصب فى محصلتها النهائية فى مصلحة جميع الاطراف، مما يزيد من مستويات الثقة، والتماسك، والانسجام الاجتماعي، والتى تتطور طورا بعد طور الى سلام ايجابي، وهو الطريق الى السلام المستدام كرافعة لنهضة ورفاهية الافراد والمجتمعات، ومن استراتيجيات المصالحة الرئيسية التى اثبتت فعاليتها على مدار الزمان، وامتداد التاريخ واستفادت منها المجتمعات المقسمة او المنقسمة على نفسها ما يلي:
أ – الوساطة في النزاعات: وتنطلق من ان رفع القدرات للمجتمعات المحلية من ناحية التفاوض، وتحليل النزاعات ممارسة وتطبيقا على المستويات المحلية، يشجع على تبني اساليب الحلول السلمية، وتفعيل التعايش السلمي، وتؤدى الى التماسك والتعاون.
ب – الشفاء من الصدمات : ويهدف الى رفع الوعي بالصدمات، وزيادة الصحة النفسية، والتمكين من المشاركة الفاعلة، مما يصعد من القدرة على المشاركة.وتشمل هذه الاسترتيجية مشاركة الافراد، والضحايا، والناجين، والسجناء، والمحاربين السابقين، والمرأة، والاطفال، والمجموعات المختلفة.
ج – حوار قادة المجتمع والزعماء الروحيين بصفة خاصة من خلال الحوار المباشر وغير المباشر : ويستهدف اعضاء المجتمع المنضوين تحت تأثير القادة، ويهدف ذلك الى مشاركة المجتمع فى البرامج المستقبلية، وخلق الاتصال الناضج ما بين المجموعات، ما يؤدى الى التفاعل الايجابي بين المجموعات.
د – التعرف على الاخر : وتركز على تعريف الناس بالثقافة والحالة المعيشية للطرف الاخر، من خلال انشطة جمة تتمثل فى الرياضة، والفنون، والاعلام، وتعليم السلام، ويهدف الى تقليل وتيرة الخوف، والقوالب النمطية، وزيادة الاحترام المتبادل، والاتصالات.
ه – مشروعات التنمية المشتركة: ويهدف الى الترويج للمصالحة بجمع اعضاء المجموعات المنقسمة لتصميم وتنفيذ مشروعات مفيدة بالتبادل، مما يعضد من التعاون، والثقة، ويعود للطرفين بمنافع اقتصادية، وتنموية.
و- الحوار المجتمعي : يهدف الى العلاج الشخصى، والثقة بين المجموعات ، والاحترام المتبادل وتغيير الاتجاهات والسلوك والمواقف، من خلال انشطة حوارية، وتعليمية، وفنية، ورياضية، وتبادل ثقافي، وتدريبية.
ز- التغيير الموسع: والغرض منه هو التأثير بصورة اوسع عبر المجموعات، والسكان بصفة عامة، ويهدف الى توسيع المشاركة العامة، ورفع الوعي العام بعملية المصالحة، ويعتمد على البث المكثف، والاحداث المجتمعية، والقومية والمحلية.
تعليقان
جزاك الله خير
Good