الناطقة باسم أسر شهداء ثورة ديسمبر المجيدة قدمت خطاباً عنصرياً من الطراز الأول يوم أمس، بمناسبة الذكرى الأليمة لفض اعتصام الثوار أمام بوابة القيادة العامة للقوات المسلحة قبل عامين، وذلك عندما حمّلت النائب الأول للمجلس السيادي وشقيقه عضو مجلس شركاء الحكم المسؤولية المباشرة في فض الاعتصام، مع العلم أن التصريح الموثق للناطق الرسمي باسم المجلس العسكري الأنتقالي حينها ذكر بوضوح لا يشوبه الغموض أطراف العملية ومكوناتها وقال قولته المشهورة (وحدث ماحدث)، إن المحاولات المتكررة لزرع بذور الشقاق الاجتماعي بجعل الشيطان متمركزاً ومتمحوراً حول جغرافية بعينها لا تبني الوطن، لقد عمل هذا الخطاب الانتقائي للناطقة باسم اسر الشهداء عملته، فضج وثار الناشطون في وسائل التواصل الاجتماعي وكل كال بمكياله الجهوي حتى فاض واشبع غريزته، وبه فقدت قضية شهداء فض الاعتصام تعاطف عدد ليس بالقليل من سكان السودان الغربي، لكن ليس في الأمر عجب، لقد استشهد اكثر من ثلاثمائة الف مواطن سوداني بدارفور، ولكننا لم نشهد للذين اعتلوا مسرح الخطابة يوم أمس قد نبسوا ببنت شفة، هذا هو السودان، الكل فيه ينظر اليه من زاوية منظوره الجهوي والقبلي المحض.
شيطنة شخصين بعينهما في كابينة قيادة الانتقال وترك الآخرين الذين لا يقلون عنهم شراً إن لم يزيدوا، لا يساعد سفينة الأنتقال للرسو على بر آمن، والاتهامات المجرِّدة للناس من انتمائهم للوطن والواصفة لهم بالتشاديين والارتريين لا تورد البلاد الا موارد الهلاك، وتطبيق القانون على البعض وتحصين البعض الآخر من طائلة مواده لا يحقق دولة (العدالة) الضلع الثالث من مثلث شعار الثورة، وأي بادرة لانقاذ جزء من شركاء الحكم والزج بعدد شخصين اثنين لا غيرهما سيوغر الصدور، لأن المجتمعات السودانية ما زالت ريفية واقليمية وقبائلية، وأي مباركة من منظومة الانتقال لمثل هذه الخطابات والجهوية سوف تضع الفترة الانتقالية على صفيح ساخن من النار، وعلى السودانيين أن يعلموا أن الدم واحد ولا توجد أفضلية لدماء النوبة والفور على دماء سكان الخرطوم، وأن الموت طعمه ايضاً واحد لا يختلف فيه لون دم الأنسان الأبيض والأسود والأوطان لا تبنى بالأحقاد ولا بالكراهية العرقية، فبلادنا عبارة عن شعوب مختلفة ومتنوعة لا يمكن أن تجتمع تحت راية دولة إلا بالعدالة التي تطال الجميع دون جهوية.
الفيديوهات المنشورة عقب فض الاعتصام اظهرت جنود من قوات الدعم السريع يحملون العصي ويضربون الشباب، على نبيل أديب ولجنته الموقرة أن يأتينا بأولئك الجنود حتى تتم محاكمتهم المحاكمة الناجزة، والمطلقون لنار الرصاص المخترق لاجساد الثوار على أديب ان يحدد من هم، لأننا لم نرهم بل رأينا الممسكين بالعككايز والضاربين للمعتصمين بالأحذية والأقدام، والأهم من كل ذلك معرفة من هو الذي قتل وجندل الجثث بالطوب البلوك ورماها في عرض البحر، وللتدقيق أكثر يجب التمييز بين ثقافات الشعوب السودانية وتقاليدهم في ارتكاب مثل هذه الجريمة المرتبطة بالبيئة والعادة، عادة ارتكاب جريمة قتل ثم ربط قدمي الجثة وجدعها في البحر، ولابد أن لهذه الخصيصة من ارتباط وثيق بعادات من يقطنون ضفاف الأنهر، فللتحقيق طريق واحد لا ثاني له وهو الحياد والنزاهة والشفافية، واذا لم يتحقق ذلك فمطلبنا الدعوة لحضور لجنة دولية لكشف طلاسم و(دغمسات) جريمة فض الاعتصام، وفوق كل هذا وذاك لابد من كشف المتواطئين والعالمين بساعة صفر المذبحة من المدنيين المشاركين في الحكم اليوم.
ما دور كتائب الظل الذراع الأيمن لعلي عثمان وقوش في فض اعتصام القيادة العامة؟، ولمن يتبع سرب البكاسي الذي تم تصويره فجر يوم الفاجعة؟، من يريدون ابعاد الشبهات عن أنفسهم ربما يكونون مورطون بسبب ارتكاب اقارب لهم هذه الجريمة النكراء يتبعون لهذه الكتائب الظلية المستترة، السودان بلد تتداخل فيه الوظائف والمهام فتجد اكبر معارض للأنظمة السياسية (ياسر عرمان) من ابناء عمومة وقبيل الدكتاتور، ووزير رئاسة مجلس الوزراء ابن اخت احد كبار رجال الأعمال الداعمين للنظام البائد،ووكيل وزارة الاعلام ابن اخت النائب الأول للطاغية، وأحد الطرفين الموقعين على الوثيقة الدستورية ابن اخت رئيس جهاز مخابرات النظام البائد، لكل هذا وذاك ربما عمل المتكالبون على سلطة الثوار على رمي قميص عثمان الملوث بالدماء على الغريب (التشادي)،القادم من انجمينا بحسب زعمهم ونيتهم السيئة غير السليمة، لقد ولى عهد التماهي مع الدعوات الأقصائية والجهوية وآن الأوان لكشف الحقائق ووضعها على الطاولة، فان لم يكن رئيس لجنة التحقيق متواطئاً مع الجهويين فليضع نتائج عمل لجنته على التربيزة وعليه أن لا يهاب قيام انقلاب عسكري، فالنائب الأول للمجلس السيادي قائد أكبر ترسانة عسكرية قد ضمن للشعب السوداني عدم قيام الأنقلابات العسكرية.
اسماعيل عبد الله
12 مايو 2021