بسم الله الرحمن الرحيم
عبدالغني بريش فيوف
بعد أن بذلوا وما زالوا يبذلون جهودا جبارة في سبيل إلغاء كل ما يمت لجبال النوبة بصلة بإصدار الكتب والموسوعات التي تخلو من أي شئ عن جبال النوبة وأبطالها الأشاوس الذين حاربوا الإستعمار بالدماء والأرواح. وفي اللحظة التي نجد فيها هؤلاء المؤرخين المستعربين يجهدون في تزوير الحقائق التاريخية وقلب الموازين ، وإنكار المعلوم من التاريخ بالضرورة ، وكأنه مجهول بالضرورة ، ودون احترام لطرائق البحث العلمي ..نتفاجأ الآن بنفس المزورين الذين نكروا ذكر جبال النوبة ولو عرضا في كتب تأريخهم انهم منشغلين انشغالا كبيرا لإحياء مئوية السلطان عجبنا أروجا التي تحل في شهر نوفمبر من العام 2017 ..فلماذا هذا الإهتمام المفاجئ بسلطان عجبنا وثورته العظيمة من قبل سلطات الطمس والتزييف؟.
نعم ، قِيل ان السلطات السودانية مهتمة جدا بإقامة مئوية السلطان عجبنا تمتد من الآن حتى حلول شهر نوفمبر 2017 .وتحت عنوان”السلطان عجبنا داخل كلية القيادة والأركان المشتركة” وفييوم الخميس السابع والعشرين من أبريل من العام ٢٠١٧م ومن داخل القاعة الرئيسية لكلية القيادة والأركان بامدرمان وفى تمام الساعة الثامنة صباحا تم مناقشة ودراسة شخصية السلطان عجبنا كأحد ابرز الشخصيات العسكرية فى السودان والوطن العربى والأفريقى، جاءت الدراسة شارحة لشخصية السلطان عجبنا ولقبيلة (أما) ودورها فى التحرر والنضال الوطنى ضد المستعمر الى جانب علاقة (أما) بالحضارة المروية واللغات الشرقية وعلاقتها بالممالك الأخرى وووالخ.
ما سبب هذا الإهتمام الحكومي المفاجئ بشخصية السلطان عجبنا ، وكأن ثورته التي أفظعت المستعمر الإنجليزي والقنته دروسا في القتال والتكتيك العسكري لم تكن قبل مائة عام ..ولماذا دغدغة مشاعر قبيلة (أما) بالحديث عن دورها في التحرر والنضال الوطني ضد المستعمر ونفس الجهة قد اتهمت القبيلة ذاتها من قبل بالتمرد والخيانة الوطنية؟.
المحزن في هذه القصة ، هو ان موقف العِربان والمستعربين تجاه ثورة سلطان عجبنا أروجا اتسم بالعدائية أولا وبالعدوانية ثانيا ، سواء في تجاهلهم وعدم الكشف عنه والاعتناء به ، أو في تدميرهم لما كان موجودا في المتحف القومي السوداني ، ولا نبالغ اذا قلنا أن هؤلاء ما زالوا يعادون تاريخ جبال النوبة وأبطاله الوطنيين بالتجاهل والإحتقار والإهمال ، ناهيك من ان يكونوا جادين في دراسته أو البحث فيه بإخلاص.
تعمدوا فرض خطابهم المبني على تزوير وطمس دور السلطان عجبنا أروجا في الأحداث التأريخية وادراجه كجزء عابر وسريع في سياق التاريخ السوداني دون التعمق فيه ، وما يهمنا في هذا الأمر هو خلو الدوائر العلمية المتخصصة في تاريخ السودان من أي جهد علمي منهجي حقيقي منظم ولمائة عام لفهم ثورة السلطان عجبنا كواحدة من أعظم الثورات التحررية في السودان وأفريقيا ..فمن يريد هؤلاء المزورين خداعه وغشه الآن؟.
غاب عن افق بحثهم التاريخي السوداني مهمة تحرير تاريخ السودان من طغيان وسطوة العناصر الفوقية والتحتية وخطابها المهيمن على الدراسات التاريخية ، وأن هذه العناصر والفئات المزورة قد تلاعبت بتاريخ الثورات في جبال النوبة وتم فيها التعتيم المبرمج والمدروس ، وقلب الحقائق وتزويرها إلى حد طمس بعض من الشخصيات النوباوية التأريخية وإخراجها من التأريخ السوداني ، ولقد امتدت الأيدي الآثمة إلى اخفاء بعض من الوثائق التاريخية الهامة عن أعين الباحثين الأجانب ، واحراق الكتب والمخطوطات الهامة في مشهد دراماتيكي يبعث على الأسى والألم على ضياع معلومات علمية وتاريخية في السودان.
إن تأريخ ثورة السلطان عجبنا أروجا موضوع كبير قائم بذاته ، يحتاج الى تحريره وتخليصه من قبضة الدراسات الأيدلوجية والعروبية التى مارست التزوير والتحريف والحذف ، ولفترة طويلة اعتبر تاريخ الثورات في جبال النوبة عامة تاريخ هامشي، بل أن البعض صنف تاريخ هذه الثورات تحت بند العمالة والخيانة وبيع الوطن وغيرها من الصفات التى الصقت بها بغرض التزوير وطمس الحقائق.
جعلوا من بعض الشخصيات السودانية الوهمية أبطالاً ، وأطلقوا أسماءها على الجامعات والشوارع والمطارات وقاعات الجامعات والمعاهد ووالخ ، وظهر اسم تاجر الرقيق الهالك/الزبير باشا ، والهارب/المك نمر ، والزعلان/عبدالقادر ود حبوبة ، وأسماء وهمية أخرى دخلت كتب التأريخ ، بينما لم يطلق اسم السلطان عجبنا أروجا الذي هزم قوات وجيش المملكة التي لا تغيب عنها الشمس ولو على (شارع فرعي صغير أو مدرسة إبتدائية ولو في دارفور).
ثورة السلطان عجبنا أروجا ، موضوع كيير قائم بذاته ، فمن الخزي والعار أن تكلف لكلية القيادة والأركان مهمة مناقشة ودراسة شخصيته ودورها فى التحرر والنضال الوطنى ضد المستعمر ، ذلك أن استخلاص المادة التاريخية من ذلك الركام المعقد المختلف شكلا ومضمونا، هو من مهمة المؤرخ المحترف الذي يمتلك ثقافة موسوعية ومعارف واسعة في الأدب والجغرافية وعلم السكان والاقتصاد السياسي وغيرها من العلوم ..لكن تكليف العسكر بهذه المهمة إنما انتقاص من شخصية السلطان عجبنا وتزييف لثورته.
إلى أبناء النوبة الذين هللوا وكبروا ورقصوا فرحاًبقيام كلية القيادة والأركان المشتركة السودانية بدراسة شخصية السلطان عجبنا كأحد ابرز الشخصيات العسكرية فى السودان والوطن العربى والأفريقى ..نقول لهم إن السلطات في الخرطوم لا تريد خيراً للنوبة ولا تنخدعوا وتلهثوا وراء ما تقوم به من دعاية رخصية فيصدمكم زيفها وألوانها الباهتة.
إذا كانت السلطات السودانية جادة وصادقة في كتابة الذاكرة الوطنية والتأريخ لأهم الحقب التي صنعت الكفاح المسلّح والثورات في جبال النوبة ، فعليها إذن ان تتوقف فورا عن ابادة الشعب النوباوي وتهجيره وتشريده ، وإلآ ما تقوم به إزاء السلطان عجبنا محض أكاذيب لا تنطلي على شعبنا الذي يعلم حقيقة هذه الحكومة التي أصبحت عبأ عليه.
المطلوب أن يتوقف هذا النظام البائس عن هذه السياسة المكشوفة لشعبنا، وأن يتحمل كامل مسؤولياته تجاه جبال النوبة وأن يتوقف عن سياسة التهميش والتمييز والدمار والتآمر عليه.