هذه دعوة لكل السودانيات والسودانيين، حكوميين وحكوميات، خبراء وخبيرات، جيولوجيين وجيوليجيات، مهندسين ومهندسات، وزراء ري سابقين ووزيرات، اقتصاديين واقتصاديات، موظفين امميين وموظفات، دبلوماسيين ودبلوماسيات، لأن يشرعن ويشرعوا في وضع دراسة وبرنامج عمل استراتيجي لتشييد سد جديد على مجرى النيل الازرق، يكون اكبر من سد النهضة الأثيوبي واعلى من سد مصر العالي، واقترح ان يطلق عليه اسم (سد السودان العظيم)، بلادنا هي الاحق باستغلال مياه النيل الازرق الفائضة كل عام والمكبدة للخسائر المادية والقاتلة للارواح، وهي الارض السهلة المنبسطة المهيئة للزراعة دون عناء ولا كد يجهد مزارعيها، من شاهد الصينيين يزرعون على منحدارات الجبال الشواهق يدرك آفة الكسل المقيم المستكين في نفوس السودانيين، تشييد سد السودان العظيم ضرورة قصوى وملحة وعاجلة للحاق بالسباق العالمي نحو استثمار المياه العذبة، ليس كافياً أن نتباهى بنيلينا ونهرنا الكبير الذي يفوق المسيسيبي طولاً دون الاستفادة منه، علينا أن لا نكون مثل الجمال الحاملة للماء فوق ظهورها وهي عطشى تلهث من وقع اوجاع الظمأ، وان لا نؤدي دور (الأترم) الذي لا يستطيع التهام (الفقّوس) الذي تمتليء به جنبات مزرعته، لقد آن أوان السودانيين لأن يسعوا جادين في بناء هذا المشروع العظيم الذي يقي الأجيال القادمة المسكنة وذل الحاجة.
زميلي المصري سألني ما هي رؤيتكم كسودانيين لحل أزمة المياه بين مصر والسودان من جانب واثويبا من الجانب الآخر؟، اجبته بأن الحل يكمن في انشاء سد سوداني اكبر من سد النهضة على مجرى النيل الازرق، بُهت هذا الزميل الجار وتلعثم ولم يجد بداً غير الاذعان والقول وعلى مضض (صحيح)، اعلم أن الرسالة قد وصلته بألمها وفجيعتها كونها صادرة من سوداني يفترض فيه التبعية التقليدية لأرث الدويلة الخديوية، هذا الحوار المختصر يقودنا الى المثل الشائع (ماحك جلدك مثل ظفرك)، دون الغوص عميقاً في الجوانب الفنية والتحديات الصعيبة في تأسيس مثل هذا المشروع العملاق، لابد للسودانيين من ان يبحثوا عن الطرق المؤدية لتحقيق مصالحهم دون الركون الى فانتازيا السيناريوهات العبثية المعشعشة في الرؤوس، اندهش حد البلاهة حينما اسمع سودانياً يتحدث عن مد اثيوبيا لنا بالتيار الكهربائي بعد اكتمال عمليات الملء وتوليد الطاقة، وتنتابني الحسرة والرأفة بمواطن آخر يطلب من مصر ان تقدم له ذات الخدمة مجاناً دون مقابل، انها نفس الرؤوس المسترخصة للتراب في اعلى سلم جهاز دبلوماسيتنا بتصريحات اقل ما يمكن ان توصف به انها ساذجة.
العاطفة الانسانية لا تحفظ للشعوب حقوقها الاقتصادية في هذا العالم المتوحش الذي لا يرحم، هذا المشروع السوداني المقترحلاستغلال المياه المنجرفة من توربينات توليد الطاقة الاثيوبية، يجب ان تبت فيه حكومة الانتقال ولو من باب المناورة حتى يعلم الجاران أن السودان ليس هو ذلك (الأضينة) الذي يتقبل الاعتذار بعد الصفع، ما يصدر من وزير خارجيتنا من تصريحات مضطّربة وتأتآت فاقدة للاتساق مع الطموح المشروع لشعبنا الأبي، من شاكلة طلب سحب الجنود الأثيوبيين من البعثة الأممية بحجة تغلغلهم في عمقنا الاستراتيجي، الطلب الذي تفوح منه رائحة (المحرّش) الذي لا يقاتل والمغرر به الذي لا يقيم وزناً للأمة العريقة التي ينتمي اليها، والمستغل (بفتح الغين) الدوني الذي يقدم مصالح بلاد مستغله (بكسر الغين) على مصالح وطنه، لماذا لا تفتح دبلوماسيتنا ملف الري المصري؟ لتعيد النظر في حقيقة الفائدة المرجوة من مؤسسة محسوبة على استخبارات دولة جارة ووقف تغلغلها في عمقنا الاستراتيجي، العلاقات الخارجية لا تدار بميزان المطايبات والمجاملات والاخوانيات بقدر ما هي منظومة من الاجراءات والتدابير الحافظة لمصالح الأمم والشعوب.
الروح المعنوية العالية لثوار ديسمبر تفرض على كل وزير من وزراء ثورة ديسمبر ان يعمل بهمة ونشاط يتوائمان مع هذه الروحالطموحة، الخنوع والذيلية يجب ان تذهب مع كبيرها المركون في سجن كوبر، ذلك الكبير المخزي الذي وللأسف، قد مثل سيادة هذه الأمم القديمة في سبقها التاريخي حين غفلة من بنيها، وحاول ان يورث الخنوع والتبعية للشباب الغض الذي رأى النور في حقبته المظلمة، لكن هؤلاء المراهقون الصغار خيّبوا ظنه الكسيح، فاحالوامدن السودان الى دوي من رعود الهتاف المرعب (تسقط بس)، هذا الجيل يريد سوداناً مغايراً ومخالفاً لسودان الأمس الغارق في عبث الحكام اليائسين، تمنيت لو أن رموز الحكم الانتقالي بعد ابريل التي نتنسم ذكراها العطرة اليوم، كانوا من هؤلاء الشباب العشرينيينمثلما كان الزعيم الرواندي وقتما اقتحم كيقالي عاصمة بلاده، محرراً اياها من العاجزين والعملاء الرخيصين والعنصريين البغيضين وسافكي الدماء الكريهين، وقتها كان كاقامي في الثلاين من عمره، تمنيت لو أن رئيس حكومة الثورة لم يتجاوز الاربعين كسقف اعلى حتى يتناغم مع روح الثورة الشابة، لكنها لعنة الحياة السياسية السودانية السلحفائية الموروثة، والاصرار على العيشداخل ذلك الجلباب الممزق والبالي الذي لا يقي من يرتديه برد الشتاء، عليكم الله فكّوا قيد هؤلاء الاقوياء الذين تغلي عروقهم دماً ثورياً حتى يرسموا ملامح وطنهم الذي يحلمون به.
الأترم: هو من لا اسنان له.
اسماعيل عبد الله
8 ابريل 2021