كتب : عبدالعزيز يعقوب
لعبت حركة عموم إفريقيا أو الجامعة الإفريقية دوراً حاسمًا في التخلص من الظلم والاضطهاد الذي فرضه الإستعمار ، حيث أدرك الإفريقي البسيط قبل السياسي أن السبيل الوحيد للتخلص من الإستعمار الذي جعل القارة تعيش مرحلة مظلمة هو “الوحدة” ، أي وحدة الشعب الإفريقي وتنظيم وسائل كفاح مشتركة لردع الإستعمار عن القارة .
وتمتعت حركة عموم إفريقيا بتاريخ طويل منذ ظهورها في القرنين السادس عشر والسابع عشر وأدت جهودها الملموسة إلي بناء منظمات جماهيرية إفريقية ، وساهم في تطوير الحركة أيدولوجيا وسياسياً العديد من المفكرين السود من إفريقيا وخارجها ، حيث كانوا يعتقدون أن الوحدة الإفريقية ستظل حية طالما أستمر حرمان الإفارقة من العدالة والمساواة التي كانوا يناضلون من أجلها .
وعرفت حركة عموم إفريقيا من خلال رسالتها الأساسية المتمثّلة في الاستقلال السياسيي والاقتصادي الإفريقي رواد سوا كانوا من الولايات المتحدة الأمريكية او الكاريبي( الرواد الأوائل لحركة البان إفريكانيزم ) او من إفريقيا وذلك في فترات زمنية امتدت من نهاية القرن التاسع عشر إلي غاية إنشاء منظمة الوحدة الإفريقية سنة 1963 في أديس أبابا ، ولابد من ملاحظة إلي إنه كان لهؤلاء تأثير واضحا في مسار الحركة من خلال أفكارهم ومساهماتهم ، ولابد من الإشارة إلي انتقال زعامة الحركة من السود الأمريكيين إلي الإفارقة وذلك بعد مؤتمر حركة عموم إفريقيا بمانشيستر 1945 إنجلترا . وفيما يلي نستعرض رواد حركة عموم إفريقيا من القارة السمراء :
يعتبر الزعيم الغاني فرانسيس كوفي كوامي نكروما الأب الروحي للوحدة الإفريقية ومن أشهر القادة الإفارقة المقاومين للاستعمار في إفريقيا و احد مؤسسي منظمة الوحدة الإفريقية ، ولد نكروما في 18 سبتمبر 1909 في مقاطعة نزيما ، جنوب غرب غانا . تلقي تعليمه في المدارس التبشيرية المحليةً وفي سنة 1926 حضر إلي كلية التدريس في أكرا ، حيث تدرب كمدرس إلي غاية تخرجه في عام 1930 حيث عمل كمدرس .
وفي عام 1935 سافر إلي بريطانيا ثم الولايات المتحدة الامريكية للدراسة ، حيث درس في جامعة لنكولن ونال درجة الماجستير في العلوم وماجستير الآداب في الفلسفة من جامعة بنسلفانيا (كلاهما في عام 1943) .
وخلال الفترة التي بقي فيها في الولايات المتحدة الامريكية أصبح من الناشطين السياسين ، وساهم في تكوين رابطة الطلبة عام 1941 مع طلاب من غرب إفريقيا وأصبح رئيسها عام 1945 . كما أصبح نكروما أحد أمناء المؤتمر الخامس لحركة عموم إفريقيا التي انعقدت بمدينة مانشستر الذي قدم إيضاحات كثيرة للأفكار المتطورة للجامعة الإفريقية .
عاد نكروما إلي غانا عام 1947 بعد أن دعاه حزب مؤتمر ساحل الذهب المتحدة UBCC لكى يتولى أمانته العامة وحاول استغلال ما أكتسبه من خبرة سياسية خلال إقامته في اروبا والولايات المتحدة ، لاكنه تعرض للاعتقال عام 1948 لضلوعه في قيادة مظاهرات طالبت بالاستقلال . بعد أن خرج من المعتقل عام 1949م وجد أن اتجاه الحزب لا يتفق مع أمانيه الوطنية ، وأسس حزب المؤتمر الشعبي ، داعيا من خلاله إلي ضرورة منح البلاد الاستقلال الذاتي ، مما أدي إلي اعتقاله مرة اخري مطلع عام 1950 ، ورغم الإعتقال الذي تعرض له نكروما إلا أن حزبه فاز بالانتخابات التشريعية .
بعد خروجه من السجن تولي نكروما رئاسة الوزراء في مارس 1952 ، مواصلا الكفاح حتي استقلال غانا في مارس 1957 ليصبح أول رئيس للبلاد وأعيد انتخابه رئيسا لغانا عام 1960 .
سعي نكروما من أيام دراسته في جامعة لنكولن بالولايات المتحدة إلي وفاته إلي الالتزام بفكرة التحرير التام لإفريقيا ، وتأثر نكروما بماركوس غارفي من خلال كتابه (فلسفة وآراء ماركوس غارفي) . فكانت رؤية نكروما لاستقلال غانا هو صورة مصغرة للقارة الإفريقية بأسرها ، اذ يقول نكروما في مذكرات حياته “يجب أن نسعى أول لتحقيق السيادة السياسية وبعد ذلك سيتحقق كل شئ. نحن نفضل المخاطره فى ظل الحرية على الاستقرار فى ظل العبودية. أن تخليص إفريقيا من قيود الحكم الأجنبي هو الضمان الوحيد للاستقلال” .
ويري نكروما أن استقلال البلدان الإفريقية السياسي لا يكفي ما دام تعاني من الاستعمار الاقتصادي ، وأن السبيل الوحيد للاستقلال من هذا الجانب هو الوحدة بين الدول الإفريقية.
وأبان فترة تسلمه السلطة في غانا وضع نكروما أسس اقتصادية واجتماعية سليمة بسببها أصبحت وجود غانا كدولة مستقلة كما أصبح صوته صوت إفريقيا ، وأعلن نكروما في كتابه “حركة القدر” بشأن مهمة غانا في مشروع أفريقي كامل: “هدفنا هو جعل هذا البلد مكانًا يستحق كل مواطنيها ، وهي دولة ستسلط الضوء في جميع أنحاء قارة إفريقيا ، يعطي الطموح أبعد من حدوده. حيث أصبحت غانا المنصة التي أطلق نكروما حملته من أجل التحرير الكامل لأفريقيا من الحكم الاستعماري ووحدته في نهاية المطاف بالإضافة إلى الأداة لتحقيق هذا المشروع.
يعتبر سيكوتوري من أبرز القادة الإفارقة والذين تميزو بتاريخ سياسي هام وزاخر ، كان زعيما سياسيا أفريقيا حكيماً ورئيسا لجمهورية غينيا من عام 1958 إلي وفاته ، درس سيكوتوري بالمدرسة الفرنسية ، ثم دخل المدرسة التقنية في عاصمة غينيا كوناكري وطرد منها بسبب إضراب للطلاب تولي تنظيمه وقيادته ، فأضطر إلي إكمال دراسته بالمراسلة ، ثم نجح في التقدم إلي وظيفة في وزارة البريد عام 1941 ، وفي عام 1945 أصبح الأمين العام لنقابة العمال ، وفي عام 1946 أصبح عضو في الحزب الديمقراطي الإفريقي ، وفي عام 1952 عين سيكوتوري أمينًا عام للحزب الديمقراطي الغيني بعد انفصاله عن حزب التجمع الديمقراطي الإفريقي .
ويري أحمد سيكوتوري من خلال مذكراته بأن فشل المذهب الاستعماري يتمثل تمامًا في الحقيقة التي تقول ” أن القوي الاستعمارية التي تحمل في يدها وسائل تنمية الثورة لا تستعمل هذه الوسائل لإعادة التوازن بين مستوي معيشة الشعوب الخاضعة للاستعمار ومستوي معيشة الشعوب المسيطرة … ولاكن هذه القوي علي العكس تزيد من عدم التوازن هذا ، وليس ثمة حاجة بعد الان للاستمرار في محاكمة الاستعمار بعد أن صدر حكم التاريخ بالأختفاء التام” .
ويعتبر سيكوتوري قائد ذو شخصية كاريزمية ، رغم ان هنالك كانت محاولات من تشويه صورته في وطنه ، إلا إنه يبقي رمزاً للتحرر في المجتمع الإفريقي الاوسع ، حيث عمل لبعض الوقت كممثل للجماعات الإفريقية في فرنسا علي التفاوض من أجل استقلال المستعمرات الفرنسية في إفريقيا .
ويري بأن سلامة دول إفريقيا المستقلة وحياتها مرتبطتان بالوحدة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لإفريقيا .
فقد عني الاستقلال بالنسبة إلي غينيا بزعامة سيكوتوري نضالا مستمراً ضد الأمبريالية ، ورفضها للاستعمار الجديد وللبني القديمة . كما إنه عني مرحلة بإتجاه قيام فدرالية إِفريقية ، إذ أن الرؤية الوحدوية التي كانت الدافع الفكري الأكبر لسيكوتوري كانت في أساس رفضه للتجزئة التي كانت تجري بفعل المشروع الفرنسي علي المستعمرات الفرنسية ، من هنا كان ترحيبه عام 1959 بالاتحاد مع غانا التي كان يتزعمها كوامي نكروما المعروف بدعوته لجامعة الدول الإفريقية ، لاكن نظام (ومشروع) سيكوتوري في غينيا بدأ يعاني من العزلة نتجية تضافر جهود الاستعماريين في خلق المصاعب أمامه وخاصة نتيجة سقوط الزعماء الافارقة (رفاق وأصدقاء سيكوتوري أمثال نكروما 1966 الذي لجأ إلي كوناكري ومودياكايتا عام 1986) فانكفأ نظام سيكوبوتري علي نفسه فأخذ يولي الأولية لتدعيم جبهته الداخلية لمواجهة ما أسماه (المؤامرة المستمرة ضد الثورة) .
فى 26 من مارس 1984 توفي الزعيم الغيني أحمد سيكوتوري عن عمر يناهز 62 عاما بعد رحلة كفاح مشرفة فى القارة الإفريقية تاركا تاريخاً ابيضاً ناصعا لكل الأجيال تأخذ منه الدروس والعبر .
ولد كامووا مويقي الذي أصبح يعرف بجومو كينياتا في تجندا بالقرب من نيروبي عاصمة كينيا عام 1985 ، تلقي تعليمه بمدرسة اسكتلندية تبشيرية فأعتنق المسيحية وأصبح أسمه جونستون كاماو ولم يتبني كنية جومو كينياتا ومعناه (رمح كينيا الملتهب) إلا في الثلاثينيات من القرن العشرين .
إنضم إلي (اتحاد كينيا الإفريقي) حين أنشئ حديثاً ، وفي سنوات قليلة أصبح هو نفسه رئيسا للاتحاد . دخل معترك الحياة السياسية في العام 1924 حين كان يعمل كاتباً في بلدية نيروبي من 1921 إلي غاية 1926 ، فقد إنضم إلي رابطة كيكويو المركزية إلتي تدعو المستعمرين البريطانيين إلي تعديل سياستهم المشجعة للمستوطنين البيض ، وقد عمل في هذه الرابطة مترجما ثم محررا وأخيراً رئيس تحرير لها بين 1924 _ 1929 .
وفي عام 1929 سافرا إلي إنجلترا والتحق في لندن بمدرسة الاقتصاد وأصدر كتابا أشاد فيه بقبيلته (الكيكويو) المواجهة لجبل كينيا ، وأتصل أثناء وجوده هناك بعصبة مكافحة الإمبريالية مما أثار حنق السلطات عليه ، عاد إلي كينيا عام 1930 حيث أسس أول مدرسة كينية واصطدم بالمبشرين الذين كانوا يعارضون بعض العادات الإفريقية . ثم سافر كينياتا إلي إنجلترا مرة أخري عام 1931 بصفته مبعوثاً عن رابطة الكيكويو المركزية لكنه بقي هناك 15 عاما كرسها للنضال والدراسة ، وخلال وجوده هناك أتصل بالمكتب الدولي لخدمات إفريقيا ورئيسها بادمور واستفسر عن حركة عموم إفريقيا فعرف إنها تهدف إلي الحصول علي الحكم الذاتي ، وإلي الدفاع عن حقوق الإفارقة بصفة عامة ، وهكذا شارك في أعمال مؤتمر مانشيستر عام 1945 لحركة عموم إفريقيا إلي جانب نكروما .
وفي عام 1946 عاد كينياتا إلي كينيا ليوزع نشاطه بين التعليم والعمل السياسي ويصبح المحرك الرئيس ل ( اتحاد مدارس الكيكويو المستقلة ) وفي عام 1947 انتخب رئيسا للاتحاد الكيني الإفريقي الذي أصبح أسمه فيما بعد اتحاد كينيا الوطني الإفريقي (كانو) ، والذي أخذ يقود النضال ضد البريطانيين لتحقيق الاستقلال . وفي عام 1959 القي القبض عليه بتهمة تزعمه لحركة الماوماو واقتيد إلي سجن ( بوكيتينخ) بعد أن تمت محاكمته في قرية كابو نجو يوريا الحدودية الشمالية ، وبعد سجنه سبع سنوات وضع تحت الحراسة في منفاه في الشمال لمدة ثلاثة سنوات اخري ، وأطلق سراحه عام 1961 ، وانتخب نائبا ، وفي عام 1964 حيث أعلن استقلال كينيا واستمر رئيسا للجمهورية حتي وفاته عام 1987 .
ولد باتريس لومومبا في إقليم كاساي سنة 1925 بالكونغو الشرقية من أبوين مزارعين . وتلقي التعليم الاولي بالمدارس التبشيرية ، لكنه تركها بعد عامين رغم معارضة والديه له لأنه رفض الخدوع للمهانة والتضليل والتمييز العنصري الذي تسلطه عليه هذه المدرسة ثم التحق بمدرسة لتدريب عمال البريد في “ليوبولدفيل” .
وفي عام 1956 سافر لومومبا إلي بروكسل للعمل ، عاد إلي بلاده ، إذ دعا عدد من الشباب المثقف لتكوين حزب وطني سميه الحركة الوطنية الكونغولية سنة 1958 وذلك من أجل تحرير الكونغو من الاستعمار البلجيكي ، شارك لومومبا في مؤتمر الشعوب الإفريقية التي عقدت عام 1958 في أكرا بهدف دعم استقلال الدول الإفريقية ، وفي عام 1959 دعت السلطات البلجيكية إلي انتخابات عامة ، غير أن الحركة الوطنية الكونغولية بقيادة لومومبا قاطعت تلك الانتخابات وأصرت علي نيل الاستقلال التام ، حيث عقد في نفس العام مؤتمر الاحزاب الوطنية في الكونغو ضم الحركة الوطنية الكونغولية ، وحزب الشعب ، وحركة التجمع الإفريقي ، واتحاد شباب الكونغو ، وأقرت التمسك بالاستقلال التام ومقاطعة الانتخابات ، اعتقل لومومبا علي أثر ذلك ، وبعدها دعت بلجيكا إلي مؤتمر المائدة المستديرة في بروكسل في 20 يناير 1960 للاتفاق علي إعلان الاستقلال ، إلا أن معظم الزعماء قاطعوا المؤتمر بسبب اعتقال لومومبا وعدم اشتراكه فيه ، فأرجئ المؤتمر إلي فبراير 1960 ، وأفرج عنه وشارك في مؤتمر بروكسل .
وفي يونيو 1960 عين لومومبا كأول رئيس منتخب للكونغو ، حيث برز كمدافع قوي عن الحرية والكرامة الأفريقية ، وخلال حفل الاستقلال ألقي لومومبا خطابا أغضب البلجيكيين ، بحضور الملك بودوان الأول وسمي بخطاب “الدموع والدم والنار” ، علي أثر ذلك تفاقمت الأزمة السياسية في الكونغو ، وحدث انقلاب عليه عام 1961 واعتقل وقتل في نفس العام .
“إن إفريقيا جمعاء ستذكر هذا الرجل دائما ، فقد قتل لأنه رفض أن يبيع بلاده للاستعمار ، وستنقش الشعوب الإفريقية في تاريخها ما قاله لومومبا في مؤتمر الشعوب الإفريقية … ليس هنالك حل وسط بين الحرية والعبودية ونحن فضلنا أن ندفع ثمن الحرية” .
المراجع والمصادر :
Robin McKown Lumumba: A Biography
Kwame Nkrumah Centenary Planning Committee 2009
كولين ليجوم : الجامعة الإفريقية
الموسوعة السياسية والعسكرية
Fondation Sékou Touré
موسوعة القادة السياسيين
مجلة إفريقيا قارتنا
Jomo Kenyatta : John A. Rowe