عبد محمد
ترجمة قراءات إفريقية
في يونيو القادم، يستعدّ الاتحاد الإفريقي (AU) لاتخاذ قرار هائل يمكنه أن يشكل مصير المنظمة والقارة الإفريقية بأسرها لسنوات قادمة. ففي مؤتمر رؤساء الدول والحكومات التي ستعقد في العاصمة كيغالي الشهر المقبل في رواندا، سيختار الاتحاد الإفريقي رئيسه القادم.
سيقود من يتم اختياره مفوضية الاتحاد الإفريقي وسيرشد ويوجه القارة على مدى السنوات الأربع المقبلة، أو ربما حتى ثمانية. وسيكون مسؤولا عن تحقيق جدول أعمال إفريقيا 2063 وتنفيذ جميع البرامج الحالية، بما في ذلك الإشراف على السلام الإفريقي والهيكل الأمني, وهيكل الحكم الإفريقي، وضمان وجود تمويل كاف للاتحاد. إنها وظيفة في غاية الأهمية ويجب على الأفارقة أن يهتموا بمن سيملأ الفراغ.
قبل خمس سنوات، وضع الاتحاد الإفريقي خمسة معايير لاختيار المرشح: التعليم؛ الخبرة؛ القيادة؛ الإنجاز؛ الرؤية والاستراتيجية. هذا هو المطلوب في البداية. ولكن, ينبغي على إفريقيا ألا تقتنع ببساطة بشخص يلبي تلك المعايير. بل يجب على الأفارقة أن يطلبوا من هو أفضل من ذلك.
إذ بعد كل شيء، هي مهمة شاقة, حيث تتطلب القيادة الحكيمة، والمصداقية السياسية والفطنة، والمهارات الإدارية. فهي ليست وظيفة تمنح حسب المحسوبية السياسية، ولكنها وظيفة لشخص يمكنه التواصل والوصول إلى الشعوب الإفريقية وإلهامهم.
وستكون مهمة أكثر أهمية بالنظر إلى أن الاتحاد الإفريقي ليس مجرد منظمة حكومية دولية. إنه ينبع من حركة الوحدة الإفريقية، التي كانت حركة الشعوب وقادها زعماء مثل “كوامي نكروما” و “باتريس لومومبا” و “جوليوس نيريري”، وجميعهم نشأوا من حراك النقابات والمعلمين والمثقفين والفلاحين والمجتمع المدني.
وبالتالي فإن الاتحاد الإفريقي ليس مجرد منظمة متعددة الأطراف، ولكنه اتحاد طموح، ممثل لمطالب مشتركة من المواطنين العاديين في جميع أنحاء القارة من أجل الوحدة والكرامة والتحرر. لذلك فإن رئيسه في مكانة خطيرة وأكثر مسئولية.
الشعوب
في هذا العام، ستختار الأمم المتحدة أيضا الأمين العام الجديد. وكما هو الحال مع الاتحاد الإفريقي، فإن القرار النهائي في أيدي الدول الأعضاء فيه. ولكن الأمم المتحدة اعترفت أن شرعية المنظمة تقع في نهاية المطاف على وقوفها مع شعوب العالم. ومن ثم أصبح لزاما على المرشحين لشغل هذا المنصب الحضور في جلسات الاستماع العامة والإجابة على أسئلة المواطنين في العالم، مباشرة أو عبر الإنترنت. فيطالبون بشرح سبب احتياجهم للوظيفة، وما ينوون تحقيقه، وكيف يخططون لتحقيق الأهداف الرئيسية للأمم المتحدة.
للاتحاد الإفريقي أحقية تأريخية أقوى من الأمم المتحدة ليكون منظمة شعبية. إذ تتمتع حركة الوحدة الإفريقية بوضع دبلوماسي في الاتحاد الإفريقي (على الرغم من أنها حاليا لا تملأ هذا الدور)؛ يحتوي القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي على الالتزامات الأساسية للتمسك بالمبادئ الدستورية والديمقراطية وحقوق الإنسان والسلام، ومنع الأعمال الوحشية؛ ولدى الاتحاد مجلس اقتصادي اجتماعي ثقافي (ECOSOCC). وللاتحاد أيضا برلمان عموم إفريقيا, الذي يعتبر أقرب نقطة من صوت الشعب ضمن نظام الاتحاد الإفريقي.
في اختيار الرئيس المقبل، هناك دور لـ ECOSOCC وبرلمان عموم إفريقيا يمكن القيام به ، وهو دعوة المرشحين لهذا المنصب وعقد جلسات استماع ليقدموا ترشيحاتهم وشرح ما ينوون القيام به ؟ بل يمكن للاتحاد الإفريقي استخدام وسائل الإعلام الاجتماعية للوصول إلى جمهور إفريقي أكبر بكثير كي يتمكن الناس في جميع أنحاء القارة من طرح الأسئلة للقادة المحتمل.
العثور على الأفضل
حتى الآن، يتمحور معظم النقاش حول من يجب أن يقود الاتحاد الإفريقي حول المنطقة التي جاء المرشح منها. ويبدو أننا نتوقع أن يتم اختيار القيادة من خلال نوع من نظام التناوب، حيث تحصل كل منطقة على دورها. في حين أن هناك بعض الوجاهة في هذا المبدأ حتى يتسنى لجميع الأفارقة أخذ نصيبهم، ولكن هذا لا يعني أنه ينبغي أن يكون الاختيار على حساب المرشح الأنسب. علاوة على ذلك، فإن التقيد الصارم لمبدأ الإقليمية يمكن أن يصبح بسهولة ممرا للمحسوبية.
ما ينبغي أن يكون النقاش الحقيقي حوله هو كيف يمكن لإفريقيا أن تختار رئيسا يتميز بمهارة قيادية عالمية. يؤيد ويحمي الرؤية والمبادئ الواردة في القانون التأسيسي، ويمكن أن يمثل إفريقيا على الساحة العالمية.
يجب أن يكون رئيس الاتحاد الإفريقي القادم قادرا على مواجهة التحديات الأكثر خطورة في القارة، مثل التفاوض على اتفاقيات السلام، وإيفاد قوات حفظ السلام، ودفع عجلة التكامل الإقليمي، وتعزيز مبادئ النظام الديمقراطي الدستوري.
هناك أيضا المنظمات الإقليمية والعالمية التي يحتاج أن يسمع فيها صوت إفريقيا. منها بناء شركات مع الدول العربية والدول الأوروبية. وإصلاح الأمم المتحدة وتعزيز مكانة إفريقيا في داخلها، بما في ذلك مسألة مقعد إفريقيا الدائم في مجلس الأمن.
سيكون الاتحاد الإفريقي في طليعة معالجة هذه التحديات وغيرها، لذلك يجب أن يكون الرئيس قادرا لحمل هذه المهمة – من اليوم الأول. ولحسن الحظ، لا تنقص إفريقيا قادة ذوو الخبرة العالية وقادة قادرون لإتقان هذه المهام وتجميع فريق عمل ديناميكي من المستشارين والمساعدين لضمان أداء ووفاء اللجنة بأدوارها. بل يوجد في الخارج شخصيات يملكون اتساعا في المعرفة والمهارات والسمعة العالمية، والشجاعة والاحترام المستحق بجدارة واللازم للقيام بهذا الدور – ومن بين هؤلاء نحن بحاجة للعثور على الأفضل.
وإذا كان هذا يعني تأخير الاختيار إلى يناير المقبل في أديس أبابا بحيث يكون هناك عملية اختيار مفتوحة واستشارية – والنقاش العام الحيوي المصاحب لذلك – فلا مانع من ذلك.
إن اختيار رئيس الاتحاد الإفريقي يشكل تحديا قياديا على مستوى القارة. فقد فازت إفريقيا بتحررها عندما تقدم أهل الخبرة والإبداع والموهبة محل أصحاب المنصب على أساس الولادة ولون الجلد. فعلى إفريقيا أن تعمل هذا المبدأ عن طريق جعل اختيار الرئيس القادم من خلال عملية استشارية شفافية جديدة، تعتمد على التراث الإفريقي والاتحاد الإفريقي والمؤسسات الاستشارية و التمثيلية.
يمكن الاطلاع على المادة الأصلية من هنا