بقلم: عبدالحميد موسى
حين وصل الظلم والمعاناة بمختلف أشكالها لكل بيت سوداني بدرجات متفاوتة خلال وبعد ثلاثون عاماً من حكم إسلامي عربي في السودان خرجت الناس في الشارع ليس كالعادة أهل الهامش فحسب بل جميعاً، منتفضاً لإسقاط الظلم والظالم الذي يتخذ من مثلث حمدي مقراً له. ولَمَّا دقَّت ساعة الصفر بتنفيذإنتفاضة ديسمبر 2018 أخذ المؤتمر الوطني/ جبهة الإنقاذ الإسلامية يتلوَن ويقلًب صفحاتها عبر خطابات وقرارت مرواغة من رأس النظام الدكتاتورالمخلوع عمر البشير من أجل الإلتفاف بمطالب الثورة السودانية وإبقاء نفسه في الحكم بأي وسيلة وبأي ثمن كان لكنه قد فشل وسوف يفشل أيضاً في مخطتاته الإجرامية الحالية تحت عباءة المجلس العسكري.
بعد الإطاحة برأس النظام وكذلك برئيس المجلس العسكري الإنقلابي الجنرال/ إبن عوف وحاشيته خلال 24 ساعة بضغط ثوري تسلم مجلس العسكر الجنرال/ عبدالفتاح البرهان وتلميذه من صفوف الجنجويد قائد المليشيات الجنجويدي محمد دقلو حميدتي سلطة إنقلاب العسكر وإدَعو في الإعلام بأنهم حماة الثورة وأن المجلس العسكري الجديد جزء من إعلان الحرية والتغييروأنهم يؤكدون على أن السلطة سوف تعود على يد الشعب تحت حكم مدني وأنهم أي مجلس العسكر ينتظرون فقط تصور نظام الحكم الإنتقالي وهياكله من قوى إعلان الحرية والتغيير كي يتم نقل السلطة إلى حكومة مدنية.
لكن ما الذي يجري الآن؟ يجري الآن تفاوض بين ممثلي الشعوب السودانية والمجلس العسكري الذي يأتمر من دول الخليج ومنظمومة نظام الإبادة الجماعية ليس من أجل نقل السلطة إلى الشعوب السودانية متمثلاً في قوى إعلان الحرية والتغيير بل من أجل تقاسم السلطة بين المجلس العسكري الحرس القديم الجديد لمجموعة مفسدين إدارياً، ماليا ً، أخلاقياً ودينياً من نظام الإبادة الجماعية المخلوع.
إذا تساءلت من أعطى هذا المجلس العسكري الإنقلابي التفويض للإستمرار في الحكم؟ الإجابة هي؛ الأحزاب السياسية التقليدية المركزية بالإضافة إلى أحزاب وحركات نداء السودان فضلاً عندولة الإمارات والسعودية ومصر التي تمدح البرهان وحميدتي وتصفهم بأنهم جزء من الثورة. من المعتاد أن نسمع أقوال الصادق المهدي التحريضية والمستخفة بالثوار بكلمات (لا تستفزوا الجيش وإلخ…) حين عجز عن إختراق الثورة الميدانية أمام القيادة العامة للقوات المسلحة. بمفهومه! إن كلمة الجيش يعني به كبار الجنرالات الذين يجمعهم المصالح المركزية للدولة العميقة ليس المعني صغار الضباط وضباط الصف والجنود الذين وقفوا بصلابة مع ثورة شعبهم ودافعوا عنها حيث قتلبعضهم وأعتقل بعضهم وأغتيل بعضاً منهم بأيدي المليشيات الجنجويد وكتائب الظل وجهاز أمن النظام الذين يغطيهم عبدالفتاح البرهان بثوب الثورة والتغييروهم يقتلون الأبرياء والثوار السلميين في وديان دارمساليت كل من مستري وكرينك والجنينة في غرب دارفور وزالنجي بوسط دارفورونيالا بجنوب دارفور و وصولاً الى القيادة العامة في عاصمة شعوب السودان.
هذا بالإضافة إلى مجموعة أحزاب المركز العنصرية وإعلامها المدمر لوحدة السودان وشعوبه على سبيل المثال: رئيس منبر السلام العادل ورئيس صحيفة الإنتباه خال الدكتاتور العنصري الطيب مصطفى وإعلاميي النظام المخلوع الفاسدين مثل حسين خوجلي والهندي عزالدين والحزب المؤتمر الشعبي والحزب الإتحاد الديموقراطي الأصل ومجموعة أحزاب الفكة المرتزقة الذين ظلوا مع النظام المخلوع وبمساندة علماء الإسلام السياسي الإرهابي حيث الآن يدعمون المجلس العسكري الإنقلابي بقوة.
ببساطة إن القوى التقليدية وجنرالات المؤتمر الوطني المتهالك لا تريد حكومة مدنية وسلطة ديموقراطية لانها تنزع منهم الإمتيازات التي جنوها ولا يزالون منذ إستقلال السودان الخارجي لكن هذه الثورة عازمة على أن تنتزع منهم تلك الإمتيازات من أجل توزيعها بشكل عادل للمستحقيين الحقيقيين جميعاً. إن بعض التصريحات التي مدحت مجرم الحرب حميدتي من قادة بعض الحركات المسلحة المنضوية تحت راية نداء السودان غير موفقة لأنها بذلك أصبح مصدقيتهم مشكوك أمام السودانيين الذين يواجهون الإبادة الجماعية في إقليم دارفور، جبال النوبة والنيل الأزرق منذ ثلاثون عاماً. وللعلم؛ أن الثورة في السودان أصبحت لها القدرة على إكتشاف الفاسد من دائرة اللعبة السياسية القذرة على حساب مكتسبات السودان وشعوبه.
إن بقي رئيس مليشيات الدعم السريع محمد حمدان دقلوعضوا في المجلس ومن ثم المجلس السيادي يجب أن ننادي على أن يكون جيوش الحركات المسلحة التي تقاوم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي وإقصاء المركز جزءاً أصيلاً في حفظ أمن حكومة الفترة الإنتقالية في المركز والولايات وإعطاء حكم فيدرالي كامل الصلاحيات لكافة أقاليم السودان ولاسيما الأقاليم المتضررة من العنصرية والإقصاء والحرب على سبيل المثال: اقاليم النيل الأزرق، جبال النوبة/ ج كردفان وإقليم دارفور وإقليم شرق السودان وفق إتفاقيات مع الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال التي تقودها القائد/ عبدالعزيز الحلو ومؤتمر البجا التصحيحي الذي يقوده الأستاذة/ زينب كباشي عيسى والقوى المسلحة الآخرى إلى حين قيام إنتخابات حرة ونزيهة بعد الفترة الإنتقالية ومعالجة قضايا الهوية السودانية وعلاقة الدين بالدولة وحق تقريرالمصير وبناء جيش وشرطة وجهاز أمن قومي.
إن الخطأ الأولي المُكتَشَف حالياً هو أن تجمع المهنيين السودانيين والقوى التي وقعت على وثيقته تَخَطَّى النقاط الضرورية التي جاءت خصوصاً من الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان شمال، على سبيل المثل: قضايا الهوية السودانية وعلاقة الدين بالدولة وحق تقرير المصير لكافة أقاليم السودان بالإضافة إلى مطالب حركة تحرير السودان بقيادةالقائد/عبدالواحد محمد النور ما جعل الحركتان لم توقعا على وثيقة الحرية والتغيير حتى الآن. مع ذلك إن جماهيرالهامش وعضوية هذه الحركات المسلحة وجماهيرها الواسعة على مستوى أقاليم السودان واللاجئين والنازحين والمهجرين إلى مختلف دول العالم كانوا ولا يزالون في صدارة الثورة إلى إسقاط النظام بكامل جذوره. إن الإستمرار في تجاهل مصير القضايا الأساسية التي بسببها إنهارت الدولة السودانية والهروب منها إلى الأمام حتى عندما تتاح للشعوب السودانية فرصة حيقية لمعالجتها أمر مخيف لمستقبل السودان ووحدته طوعاً.
أخيراً، يعتبرهذا العام 2019 عام نعي أليم لمؤسسة القوات المسلحة السودانية التى يقودها المرتزقة ومليشيات النهب السريع التى مازالت تحارب ضد شعوب السودان أمام القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية تحت سمع وبصر العالم فليشهد التاريخ بذلك.
22/05/2019