نصرالدين على كوة
سنين عُجاف من الدمار و الخراب إجتاحت مناطق الهامش منذ مطلع التسعينات من القرن الماضي لا سيما جبال النوبة, فيما يسمي هذا الدمار و الخراب بالحرب الأهلية كما يحلو للعنصريين سالبى حقوق شعب النوبة و الشعوب الأصيلة فى هذا السودان الذى يمثل قارة بأكملها, و لا يزال هذا الدمار يأخذ مكانه حتى هذه اللحظات ( مدارس و منازل تُدمر , مزارع و محصايل تُحرق , شعب برئ يُشرد و نسيجه الإجتماعى يتفكك فى كل لحظة , بسبب الماَسى المتعمدة و عدم اللا مبالاة من قبل النظام فى المركز..
و تتواصل تلك الجرائم و المهازل من النظام الشمولى فى الخرطوم بإبقاع منطقة جبال النوبة فى عالم النسيان , كما فعل المستعمر البريطانى عندما جعل منطقة جبال النوبة من المناطق المقفولة بقصد الإهمال من الناحية التنموية و التعليم حينها , عدا المجموعات التبشيرية فى بعض المناطق , أما من الناحية الإنسانية فحدث و لا حرج , لقد تعمد النظام و ذمرته خلال هذه الحرب و التى ما زالت دائرة فى المنطقة أن يمنعوا وصول الغذاء و الدواء للمحتاجين المتضررين فى جبال النوبة و مناطق أُخرى فى السودان , كما تعمد أيضاً على عدم توفير أبسط مقومات الحياة اليومية من صحة و غيرها, هذه الأسباب ترقى لجرائم الحرب و إبادة جماعية لشعب يمثل الأصالة فى البلاد.
هذه الجرائم [التأكيد مسؤل عنها البشير المطلوب لدى العدالة الدولية بسبب جرائم الحرب التى إرتكبها فى إقليم دارفور , و يتكرر نفس السيناريو من البشير نفسه ليعلن عن حرب هوجاء ضد شعب جبال النوبة فى السادس من يونيو 2011
معاناة حقيقية و كارثة إنسانية حلت على شعب الهامش لا سيما جبال النوبة/ جنوب كردفان بسبب كرسى السُلطة, كل هذه العنترية من النظام في المركز جعلت أبناء شعب الهامش الشرفاء ينحازون للمناضلين و يحملون معهم السلاح دفاعاً عن حقوق الشعب الأبى بسبب قمع النظام الظالم فى الخرطوم, و بالرغم من الجولات المتعددة للحركة الشعبية لتحرير السودان مع النظام و التى وصلت إلى 14 بالإضافة لعدد من الإتفاقيات أهمها إتفاقية عقار نافع فى يوليو 2011 إلا أن النظام بطبيعة حاله إختار سيناريو المراوغة و اللعب على الورق الخفى و الذى دائماً ما يمرر به النظام أجندته عبرها فى كل جولة ليفسدها , و هذا دليل قوى على كبرياء النظام برفضه للعملية السلمية و إختياره للحرب بالإستمرارية بقصد من رأس الدولة ( البشير) و الذى أعلن بنفسه الحرب فى العام 2011 كما ذُكر سالفاًعندما جاء فى تدشين مرشحه أحمد هارون كوالى لولاية جنوب كردفان أنذاك فى مدينة بابنوسة حينها قال البشير بالحرف الواحد( سنفوز بصناديق الإقتراع و فى حال الفشل هذه الصناديق ستتحول الى صناديق الذخيرة, و هذه الجلاليب التى أمامى ستنقلب و تتحول الى كاكى , فى إشارة الى للجماهير التى كانت حاضرة فى حملة التدشين و معظمهم( موشحين) أى لابسين الجلاليب السودانية البيضاء, كانت تلك كلمات البشير, و هنا يتضح جليا بأن الحرب قد بدأت منذ ذاك الوقت بطريقة إستفزازية وهى بمثابة تطهير عرقى لأبناء النوبة على وجه الخصوص بإعلان الجهاد على شعب النوبة أقولها بصريح العبارة على أساس دينى و إثنى و هذا يعتبر إمتداداً لإ فتاء أئمة المساجد ضد النوبة أنذاك فى مدينة الأُبيض فى 27/4/1992 , عندما أعلنوا الجهاد و الحرب على أبناء النوبة على أساس إثنى بأنهم نصارى و طابور خامس ومن قبل ذلك فى7/1/1992 أعلنت حكومة ولاية جنوب كردفان الجهاد فى جبال النوبة تفاقمت على ضوءها الإنتهاكات بالإقليم , و هذه مسألة واضحة من النظام لتطهير الشعب النوبى و مسحهم من الوجود ( كأن قادة النظام مفوضين من رب الكون ) , هذا موضوع فى غاية الإستغراب مع ان معظم الدول العربية الغالبية العظمى من سكانها نصارى ولا دينيين , و لماذا أبناء النوبة فى سودان العزة و الكرامة؟ هذا السؤال موجه للمجرم البشير و ذمرته الجهويين العنصريين , و كذلك على المجتمع الدولى أن يجيب على هذا السؤال.
حقيقة منذ إستقلال السودان المزيف في منتصف الخمسينات من القرن الماضى تعاقبت على السودان حكومات عدة جُل تلك الحكومات كانت غير جادة فى التعامل مع شعب إقليم جبال النوبة من الناحية التنموية و الإستقرار , بمعنى ان الحكومات السابقة كرست كل تفكيرها الحاضر و المستقبلى فى كبد و حرمان شعب الإقليم من التعليم و هذا تلقائياً ينطبق مع وصية المستعمر تماماً الذى أعلن فيها بأن منطقة جبال النوبة من المناطق المقفولة , و كان على الحكومات السودانية السابقة أن تترك وصية المستعمر إن كانوا وطنيين حقاً و يلجأوا لتقاسم السلطة والثروة مع أبناء شعب الهامش على الأقل و يهتموا بأبناء المناطق الريفية و الأقاليم سيما شعب النوبة الأصالة و العراقة , إن كانوا يريدون سودان موحد بلا تمييز, و لكن الذى حصل عكس ذلك تماماً , و كان يجب على تلك الحكومات أن تهتم بمؤسسات التعليم فى كل مدن الإقليم و الأرياف , من بناء المدارس و توفير الكتاب المدرسى و المعلمين , إلا ان هذا الأمر أصبح واقعاً مفيداً و مهماً لقادة المركز بأن لا يتعلم أبناء النوبة و لذلك تعمدوا على عدم توفير تلك المتطلبات الضرورية و التي ما تجعل من الإنسان من هو معلم و مهندس و طبيب و هذا هو مربط الفرس الذى لا يعجب السلطات فى الخرطوم و بناءاً على تفكيرهم الخبيث شرعوا على تصفية أبناء النوبة الذين حُظيوا بالتعليم فى فترة ما بعد الخمسينات بشهادات عليا من أساتذة و مهندسين و أطباء, تم تصفية الغالبية العُظمى منهم فى مناطق كثيرة من جبال النوبة تشهد و على سبيل المثال ( خور العفن شرق مدينة كادقلى بالإضافة لمنطقة الشعير شمال كادقلى و مناطق أُخرى حول مدينة الدلنج ) و هنالك أعداد كبيرة من المعلمين الذين تتلمذة على أياديهم تم تصفيتهم من الوجود فى الأعوام 1989- 1990-1991-1992 و كذا الحال المهندسين و الأطباء , و البعض الاَخر تم نفيهم خارج الإقليم فى مسألة واضحة لمنع إستمرارية التعليم فى الإقليم..
و لقد مارس الإسلاميين المتشددين فيما يسموا أنفسهم بالجبهة الإسلامية القومية بزعامة الراحل حسن الترابى تحت غطاء العسكر , مارسوا أقصى عقوبة تشدد الهوس الدينى على شعب النوبة الأصالة فى السودان من تصفية جسدية و تشريد و إغتصاب من قبل الجيش الحكومى و المليشيات الموالية لها , بناءاً على تلك العمليات العسكرية المقصودة من النظام الإسلاموعسكرى تم تكوين معسكرات سلام إسلامية إجبارية لأبناء النوبة فى كل من كادقلى و لقاوة فيما تسمى بقرى السلام و غيرها من مناطق أخرى فى كردفان و مدن الشمال المتعددة فى عام 1991 , تلك العمليات العسكرية أدت إلى إجبار السكان لإخلاء قراهم قى نهاية العام 1991 نفسه
و هذا يعنى إخلاء السكان الأصليين من مناطقهم و إستبدالهم بإثنيات أُخرى و هذا هو التفكير القبيح لدى قادة النظام أن يمارسوا ضغوطاً على شعب الإقليم ليتركوا قراهم و أريافهم ليُجبروا للذهاب لمعسكرات تعتبر سجون مفتوحة ليست لديها حرية التعبير و لا حرية العيش الكريم و على قول الشاعر:
وجاءوا علينا فى العراء بخيمةٍ ********* و رغيف خُبزٍ طعمه ذا علقمَ
إذاً كيف يكون الرغيف أو الحبز لذيذاً و مستذاقاً و ليست هنالك حرية و إستقرار؟ و كيف يكون الطعام لذيذ دون حرية التعبير؟ بالرقابة اللصيقة لكل النازحين فى المعسكرات التى يدعون بأنها معسكرات للسلام؟
و حتى وجود نازحى الإقليم فى تلك المعسكرات تلاشت من بعضهم الثقافات و الحضارات النوبية , و السبب يرجع للنظام الذى تعمد على إستبدال ثقافات الشعب النوبى بثقافات دخيلة عليهم, فى حين أن النظام تعود على سرقة و سلب كل حقوق شعب الإقليم علانيتاً و سراً , حتى الثقافات و التراث النوبى لم تسلم من النهب و السرقة وعلى قول الشاعر:
و تجرأوا على نزيفِ تُراثُنا ********* و للصوصِ صار التراثُ الأعظمُ
هذه هى سلسلة أخرى من جرائم النظام بسرقة ثقافات و تراث الشعب النوبى الإفريقى الأعظم ليتمثلوا بها تجارةً فى المهرجانات الدولية ( هذه فوضى مقننة من قادة النظام يريدون تُراث و موارد الريف ولا يريدون شعب الريف ) حقاَ إنها أشياءٌ غريبة .
ما أريد تأكيده هو إن الأنظمة الشمولية فى الخرطوم ليس لها إهتمام و غيرة على الشعب الأعزل و غالباً ما تفكر فى مصالحها الذاتية دون مراعاة للإثنيات الأُخرى فى هذا السودان الواسع الشاسع المترامى الأطراف شمالاً و جنوباً , شرقاً و غرباً بقبائلها المتعددة , إن الذى يحدث فى جبال النوبة و المناطق المهمشة الأخرى , هى كبرياء و تعالي من الحقب المتعاقبة فى الخرطوم لا سيما نظام المؤتمر الوطنى ,,,,,,,