بواسطة: موليفي كيتي أسانتي
ترجمة: أبكر آدم إسماعيل
إن مفهوم المركزية الأفريقية هو نموذج تفكير (بارادايم) قائم على فكرة أنه ينبغي على الشعوب الأفريقية إعادة تأكيد الشعور بالقدرة على الفعل من أجل تحقيق التعقل. خلال الستينات، بدأت مجموعة من المثقفين الأميركيين الأفارقة في أقسام الدراسات السوداء التي تم تأسيسها حديثًا في الجامعات بصياغة طرق جديدة لتحليل المعلومات. في بعض الحالات، هذه الطرق الجديدة كانت تسمى بالنظر إلى المعلومات من “المنظور الأسود” على عكس ما كان يعتبر “المنظور الأبيض” لمعظم المعلومات في المؤسسة الأكاديمية الأمريكية.
في أواخر السبعينات من القرن العشرين، بدأ موليفي كيتي أسانتي يتحدث عن الحاجة إلى النظر إلى البيانات من جهة أخرى. بحلول عام 1980، نشر كتابًا بعنوان: المركزية الأفريقية: نظرية التغيير الاجتماعي، والذي دشن أول مناقشة كاملة للمفهوم. على الرغم من أن الكلمة كانت موجودة قبل كتاب أسانتي وكان العديد من الناس قد استخدمها، بمن في ذلك أسانتي نفسه في السبعينات، وكوامي نكروما في الستينات، إلا أن المعنى الفكري لم يكن له مضمون كمفهوم فلسفي حتى عام 1980. إن نموذج تفكير المركزية الأفريقية هو تحول ثوري في التفكير تم تقديمه كتعديل بنيوي للارتباك وعدم التمركز الأسود وعدم وجود القدرة على الفعل.
يسأل المنتمي للمركزية الأفريقية (الآفروسنتريست) السؤال التالي: “ماذا سيفعل الأفارق إذا لم يكن هناك أناس بيض؟” بمعنى آخر، ما هي الاستجابات الطبيعية التي يمكن أن تحدث في العلاقات، والمواقف تجاه البيئة، وأنماط القرابة، وتفضيلات الألوان، ونوع الدين، والنقاط المرجعية التاريخية بالنسبة للأفارقة إذا لم يكن هناك استعمار أو استرقاق؟ المركزية الأفريقية تجيب على هذا السؤال من خلال التأكيد على الدور المركزي للذات الأفريقية في سياق التاريخ الأفريقي، وبالتالي إزالة أوروبا من مركز الواقع الأفريقي. وبهذه الطريقة، تصبح المركزية الأفريقية فكرة ثورية لأنها تدرس الأفكار والمفاهيم والأحداث والشخصيات والعمليات السياسية والاقتصادية من وجهة نظر السود كذوات وليسوا كمواضيع، مسندين كل المعرفة على الاستجواب الأصيل للموقع.
بحيث يصبح من المشروع أن نسأل، “من أين أتت الأخت؟” أو”أين يوجد الأخ؟” و”هل أنت مع التغلب على الظلم؟”هذه أسئلة للتقييم والتقويم تسمح للمحقق أن يحدد بدقة موقع المستجيب، سواء كان موقع ثقافي أو نفسي. والمركزية الأفريقية كنموذج تفكير (بارادايم) تفرض مركزية الأفريقي، أي مركزية المُثُل والقيم السوداء، كما يتم التعبير عنها في أعلى أشكال الثقافة الأفريقية، ويُنشّط الوعي كجانب وظيفي لأي مدخل ثوري تجاه الظواهر. إن الجوانب المعرفية والهيكلية لنموذج التفكير (البارادايم) لا تكون كاملة دون الجانب الوظيفي. هناك شيء أكثر من أن نعرف في حس المركزية الأفريقية، هناك أيضا الفعل. تؤكد نظرية المركزية الأفريقية أن جميع التعريفات هي سِيَر ذاتية.
أحد الافتراضات الرئيسية للمنتمي للمركزية الأفريقية (الآفروسنتريست) هو أن جميع العلاقات تقوم على المراكز والهوامش وعلى المسافات إما من جهة المركز أو من جهة الهامش. عندما ينظر السود إلى أنفسهم على أنهم في موقع المركز ومحوريين في تاريخهم، فإنهم يعتبرون أنفسهم قادرين على الفعل، فاعلين، ومشاركين بدلاً من كونهم هامشيين على طرف التجربة السياسية أو الاقتصادية. باستخدام هذا النموذج للتفكير(Paradigm)، اكتشف البشر أن جميع الظواهر يتم التعبير عنها في التصنيفات الأساسية للمكان والزمان. علاوة على ذلك، يُفهم بعد ذلك أن العلاقات تتطور وتزداد المعرفة إلى الحد الذي يجعلنا قادرين على تقدير قضايا المكان والزمان.
يعرف الباحث أو الممارس الآفروسنتريست، المنتمي للمركزية الأفريقية، أن إحدى الطرق للتعبير عن المركزية الأفريقية تسمى الترسيم (marking). متى ما يرسم الشخص حدودًا ثقافية حول مساحة ثقافية معينة في وقت إنساني ما، فإن هذا يسمى بالترسيم (marking). قد يتم ذلك من خلال إعلان رمز معين، أو إنشاء رابطة خاصة، أو استشهاد بالأبطال الشخصيين للتاريخ والثقافة الأفريقية. وراء الاستشهاد بالمفكرين الثوريين في تاريخنا، أي وراء أميلكار كابرال وفرانز فانون ومالكوم إكس ونكروما، يجب أن نكون على استعداد للعمل على تقديم تفسيرنا بما يحمل مصلحة السود، أي السود كسكان مضطهدين تاريخيا. هذه هي الضرورة الأساسية للنهوض بالعملية السياسية.
إن المركزية الأفريقية هي جوهر تجددنا لأنها تتماشى مع ما عبر عنه الفلاسفة المعاصرين مثل هاكي مادهوبوتي ومولانا كارينغا، من بين آخرين، بوضوح عن أفضل صورة ومصلحة للشعوب الأفريقية. هل هناك شيء أفضل من أن نشتغل ونفعل انطلاقا من مصلحتنا الجمعية؟ وهل هناك ما هو أفضل من أن نرى العالم بعيوننا؟ ما الذي يتردد صداه لدى الناس أكثر من إدراك أننا الأساسيون في تاريخنا، وليس شخصًا آخر؟ إذا استطعنا، في عملية تجسيد وعينا، المطالبة بامتلاك الفضاء كفاعلين في التغيير التقدمي، عندها يمكننا تغيير حالتنا وتغيير العالم. المركزية الأفريقية تؤكد أنه لا يمكن للمرء أن يزعم ملكيته لهذا الفضاء إلا إذا عرف الخصائص العامة للمركزية الأفريقية، وكذلك التطبيقات العملية في الميدان.
هناك خمس خصائص عامة لطريقة/منهج المركزية الأفريقية:
1. يرى منهج المركزية الأفريقية أنه لا يمكن إدراك أي من الظواهر بشكل كافٍ دون تحديد موقعها أولاً. يجب أن تتم دراسة وتحليل مفردات الظاهرة في العلاقة مع الفضاء والزمان النفسيين. يجب أن تكون متموضعة دائمًا. هذه هي الطريقة الوحيدة لفحص العلاقات المتداخلة المعقدة بين العلم والفن، والتصميم والتنفيذ، والإبداع والصيانة، والتوليد والتقاليد، وغيرها من المجالات التي لم تتطرّق إليها النظرية.
2. إن منهج المركزية الأفريقية يعتبر الظواهر متنوعة وديناميكية وفي حال من الحركة وبالتالي من الضروري أن يلاحظ الشخص بدقة موقع الظواهر وتسجيله حتى في وسط التقلبات. هذا يعني أن المحقق يجب أن يعرف أين يقف في هذه العملية.
3- إن منهج المركزية الأفريقية هو شكل من أشكال النقد الثقافي الذي يفحص الاستخدامات الإصلية (etymological) للكلمات والمصطلحات من أجل معرفة الموقع الذي يصدر عنه المؤلف. هذا يسمح لنا بمقاطعة الأفكار مع الأفعال والأفعال مع الأفكار على أساس ما هو مُزدَرَى وغير فعال وما هو مبدع وتحويلي على الصعيدين السياسي والاقتصادي.
4. يسعى منهج المركزية الأفريقية إلى الكشف عن الأقنعة التي تقف وراء خطاب السلطة والامتياز والموقع السلطوي من أجل أن نثبت كيف تَخْلِق الأساطير الرئيسية المكان. هذه الطريقة تتوج التفكير النقدي الذي يكشف إدراك السلطة الأُحادية المتجانسة على أنها ليست سوى إسقاط كادر من المغامرين.
5. يُحدد منهج المركزية الأفريقية البنية المتخيلة لنظام يشمل الاقتصاد، ومكان صنع السياسة، وسياسة الحكم، والتعبير عن الشكل الثقافي في الموقف، والتوجيه، ولغة الظاهرة، سواء كانت نصاً، أو مؤسسة، أو شخصية أو تفاعلًا، أو هدفا.
المركزية الأفريقية التحليلية:
المركزية الأفريقية التحليلية هي تطبيق مبادئ منهج المركزية الأفريقية على التحليل النصي. يسعى الباحث الآفروسنتريست، المنتمي إلى المركزية الأفريقية، إلى فهم مبادئ منهج المركزية الأفريقية من أجل استخدامه كدليل في التحليل والخطاب. وغني عن القول أن الباحث المنتمي للمركزية الأفريقية لا يمكن أن يعمل بشكل صحيح كعالِم أو إنساني إذا لم يقم بتحديد موقع الظاهرة بشكل كاف في الزمان والمكان. هذا يعني أن التسلسل الزمني مهم في بعض المواقف مثل الموقع. إن جانبَي التحليل أساسيان لأي فهم صحيح للمجتمع أو التاريخ أو الشخصية.
بقدر ما تكون مفردات الظاهرة نشطة وديناميكية ومتنوعة في مجتمعنا، بقدرما تتطلب طريقة المركزية الأفريقية من العلماء التركيز على تدوينات دقيقة وتسجيل المكان والزمان. في الواقع، أفضل طريقة لفهم موقع النص هي تحديد مكان الباحث في الزمان والمكان أولاً. وبمجرد معرفة مكان وزمان الباحث أو المؤلف، يكون من السهل إلى حد ما تحديد محددات الظاهرة نفسها. إن قيمة الأصل، أي أصل المصطلحات والكلمات، هي في التحديد الصحيح للمفاهيم وموقعها. يسعى الباحث الآفروسنتريست، المنتمي للمركزية الأفريقية، لإظهار الوضوح من خلال فضح الاضطرابات، والارتباكات، والاحتقان. وواحدة من أبسط الطرق للوصول إلى الوضوح النصي هي من خلال الأصل.
تربط الخرافات جميع العلاقات معًا، سواء كانت شخصية أو مفاهيمية. إن مهمة الباحث الآفروسنتريست، المنتمي للمركزية الأفريقية، هي تحديد إلى أي مدى يتم تمثيل أساطير المجتمع باعتبارها مركزية أو هامشية للمجتمع. وهذا يعني أن أي تحليل نصي يجب أن يتضمن الحقائق الملموسة للخبرات الحية، مما يجعل التجارب التاريخية عنصرا أساسيا في التحليلات الأفريقية. في دراسة الموقف والاتجاه واللغة، يسعى الباحث المنتمي للمركزية الأفريقية إلى كشف خيال المؤلف. ما يسعى المرء إلى فعله هو إتاحة الفرصة للكاتب لإظهار مكانه في العلاقة بالموضوع. هل يتمركز الكاتب أم أن الكاتب مهمش في قصته؟
فلسفة المركزية الأفريقية:
إن فلسفة المركزية الأفريقية كما شرحها موليفي كيتي أسانتي وآما مازاما، الشخصان المرموقان في مدرسة تمبل، هي طريقة للإجابة على جميع المسائل الثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية المتعلقة بالشعوب الأفريقية من موقع مركزي. هناك أفكار أخرى أيضاً تنتمي للمركزية الأفريقية، لكن هذه هي الأفكار التي أوردها الأساتذة أسانتي وآما مازاما والراحل تيشلان كيتو. في الواقع، لا يمكن توفيق المركزية الافريقية مع أي فلسفة مهيمنة أو مثالية. إنها تعارض الفردية المتطرفة كما تم التعبير عنها في مدرسة ما بعد الحداثة. كما أنها تعارض أيضا اللاعقلية، والارتباك، والخرافات. كمثال على الاختلافات بين أساليب المركزية الأفريقية وما بعد الحداثة، النظر في السؤال التالي: “لماذا تم استبعاد الأفارقة من التنمية العالمية/العولمية؟”
سيبدأ ما بعد الحداثي بالقول إنه لا يوجد شيء اسمه “الأفارقة” لأن هناك العديد من الأنواع المختلفة من الأفارقة وكل الأفارقة ليسوا متساوين. وسيواصل ما بعد الحداثيين القول إنه إذا كان هناك أفارقة وإذا كانت الظروف كما وصفها القائمون على السؤال، فإن الجواب سيكون أن الأفارقة لم يطوروا قدراتهم بالكامل في علاقتهم بالاقتصاد العالمي وبالتالي فإنهم خارجين عن المستوى الطبيعي لأنماط نمو الاقتصاد العالمي. من الناحية الأخرى، لا يشكك الآفروسنتريست، المنتمي إلى المركزية الافريقية، في حقيقة أن هناك إحساسًا جماعيًا بأفريقيا يظهر في التجارب المشتركة للعالم الأفريقي. وسيبحث الآفروسنتريست عن مسائل الموقع، وتحكم الاقتصاد العالمي المهيمن، والتهميش، ومواقع القوة كمفاتيح لفهم تخلف الأفارقة.
***********