مني اركو مناوي
الملياردير دونالد ترمب ورث والده المليونير ليقوم بتاسيس فيما بعد مؤسسة تجارية قابضة تحمل اسم عائلته . لازمه الاعلام في غالب مراحل حياته منذ ان كان شاباً حتي فترة فوزه الدرامي للرئاسة . وِلِد و نشأ في نيويورك من أبٍ ذي أصول ألمانية و ام تنحدر من الأصول الأسكتلندية و لم يكن له جد او جدة يحمل جنسية أمريكية بالميلاد . عمل الرجل جاهداً و بعزم مفرط في
سباقه للبيت الابيض ليس فقط لنزوة جياشة بحثاً عن الشهرة و لا هوي السلطة إنما حلمٌ راوده لوجوب التغيير في امريكا التي تجلت امام عينيه متراجعة تفتقد القوة و هيبتها في العالم رويداً في ظل إدارة الديمقراطيين الليبراليين التي استمرت فترتين رئاستين . لم يتفرد بهذا الشعور بل و يشاركه كل اليمين المتطرف المحافظ يرغب التغيير مستدلين ذلك بوقائع بعينها . لذا من السزاجة ان يذهب المراقبون في اتجاه سرت فيه استطلاعات
إعلامية منقوصة الجوانب طالما نُقلت من قناة السي ان ان CNN المتهمة بإنحيازها تقليدياً للديمقراطيين . في طيلة العملية الانتخابية التي سبقت النتيجة ، عَكَس الاعلام ترامب بمظهر شخص لا يرغب الفوز بل و كأنه يسعي للحصول علي نيل شهرة (الفاشل الطيش) تحامله عليه ببعض ظواهر سلبية
خاطفة شوهدت خلال لحظات حياته الترفيهية و ما حملها خطابه السياسي من الملامح شبه العنصرية . لكن ما يجهل المشاهد (ان ما يجهر بها ترامب من الكلمات ، هي همس علي لسان الأغلبية صمتت لتصوت له ،و هو عالم بمعانيها ) انما ظل من ينافسونه يطاردون سراباً من سحر الخيال بما حُسِبت عليه من
الاقوال و النعوت مثل وصفته للسود بالكسل ، موقفه من المهاجرين ، عرضه لفكرة بناء سور علي طول حدود امريكا مع المكسيك ، قلقه الصارخ من المسلمين و موقفه من المقيمين الاجانب الذين توجه اليهم بدعوة المغادرة طوعاً او طرداً . فهذه تصريحات حشدت عليه عداوات الاقليات و اكسبته صداقة الأغلبية البيضاء بإثارته لما تضمن لهم بقاء مبادئهم و هي أيضاً
تعتبر دابته التي اوصلته الي المكتب البيضاوي . فالانسان الابيض بعد ان قد فرض نفسه سيداً للعالم من خلال سيادته لامريكا، يعتقد جازما كل ما تقوم بها الادارة الديمقراطية الاخيرة تنتقص من قبضة امريكا علي مفاصل اًللعبة في العالم فقرر الخروج من مأزق تتار الأقليات . حين لم ير أمامه
منقذاً الا من خلال وقوفه مع الحقيقة المجردة وهي ان ينسف القيم و الشعارات الامريكية المرفوعة و ركلها بعيدة عن المثالية التي ترفع الديمقراطيين و الأقليات للحكم . حيث عبروا ضمنياً ، بان لا ضمان لبقاء مبادئهم الا بحرس من المحافظين الذين بدأ إبتعادهم قليلا عن القبضة في ظل حكم الأقليات .
حيث تخندق المعسكر الاخر متمسكاً بالقيم الغربية المعلنة من الحرية ، الديمقراطية و المساواة علي فرضية إلحاق الهزيمة لترامب بسهام مرتدة من ألفاظه مقابل فوز مطلق لكلنتون بانضباطها الذي يشبه فوز اوباما بعد إظهار قدراته المدفونة ، طبقاً لقول القائل ابراها لنكلوم عن الأقليات ،.( لو أردت ان تعرف نقاط قوة اي مقهور ، عليك إعطائه الفرصة ليبرز لك قدراته المدفونة) . بهذا قد برز اوباما كرمز لاول رئيس أمريكي من الأقليات بينما اصطدمت السيدة كلنتون بحائط المحافظين الذي منعها من ان تكون اول رئيسة أمريكية امتداداً لسلفها الأسود .
انتكاسة كلنتون التي فاجأت العالم هي عبارة عن دلالات تعكس مدي حساسية و امتعاض أمريكي مما وصلت اليها الاوضاع فقرر الناخب الامريكي ان يتفادي من انزلاق الي مجهول يؤرق مضاجعه . هم علي كامل الدراية انه مهما أتقّن الصانعون صنعةً ، ان متانتها لا تمنع مخابرات اليوم اختراقها ، بهذا فاذا بكوابيس عودة روسيا بعظمتها من جديد تدق مضاجع الغرب الذي تَحمّل تكاليفاً باهظة من اجل انهاء أسطورة الاتحاد السوفيتي . و بعودة هذه القوة مرة اخري ، ستعود الحرب
الباردة باعنف تجلياتها مما كانت في ثمانينيات مع ميلاد الوسائل التكنولوجية اكثر تقنية لا سيما قساوة الاعتداءات و القرصنات الكترونية ال cyber attacks . ايٌ من معسكرين يصارع آخر لبحث عن تشكيل و رسم خارطة تحالفات او نفوذ
جديدة . و ما كان زحف الروسيا نحو المعسكر الغربي عبر البوابة الشرقية لأوروبا باستيلائها علي جزيرة القُرم و وتهديداتها المبطنة علي اوكرانيا ببعيدة بل هي باقية و تخطر باله . تنامي الأيدولوجيات المتطرفة في العالم علي رأسها اليمين الاسلامي الذي يرفع شعاراً للجهاد و الإغتنام ، بتجيير الدين و تطويعه كمادة بلاستيكية يصنع منه أشكال لنزواته علي حساب مصالح الغرب و امريكا و أمنها القومي في المناطق ذات عمق اهتماماتها الاقتصادية و الاستراتيجية . فانتشار هذه الايديولوجيات بسرعة ملحوظة في الغرب خلال العشرين عام
ماضية علي ظهور الهجرة أيقظت المهتمين البيض ، بالاضافة لتغيير ديمغرافي ناتج عن تمازج إجتماعي في امريكا كما ان الحراك المتموج في الشرق الأوسط حاليا يلقي بظلاله علي ازدياد الهجرة و الاستقطاب النفوذي بين المعسكرين الكبيرين مما يرشح لبروز خريطة لجيوسياسية جديدة في المنطقة قد تتجاوز توقعات و مخططات أمن مصالح كل منهما و في ظل نجاح الصين فِي ربع القرن الاخير بكسب ود العالم الثّالث بسياساتها الاقتصادية المرنة في مناطق تُحسب انها تقع في نفوذ الغرب لا سيما ألامريكية . في وقت ان العالمُ اليوم يقبع بالقوانين البيئية ، الانسانية ، التجارية ، محدودية المادة الخام و كيفية استغلالها هي من تحدد له حجم السوق والصناعة التي تتصدّر قائمة موارد إقتصادية و غيرها من أسباب سهلت الفوز
للمرشح الجمهوري و الاغبياء بددوا امالهم في الديمقراطيين الليبراليين في هذه الانتخابات الفريدة التي حُظيت بالاهتمام المحلي و الدولي لا سابق له في تصارع المصائر .١- مصير الأقليات المتنوعة التي دخلت امريكا اما بحثا عن الحرية الموعودة او العيش تحت كنف المساواة لممارسة سبل الحياة الاخري ، او دخلت تحملهم مراكب النخاسة ، جميعها محسوبة كاقليات و شرائح ضعيفة minorities and vulnerable sectors التي يعتمد عليهم الحزب الديمقراطي اصواتهم دائماً . فوائد الديمقراطيين لصعود هذه الفئات ستصبح أيضاً بلا شك مصيبةً للجمهوريين المحافظين و القوميين البيض .
كان اعتقاد مراقبين علي يقين بتفوق كلنتون بحكم تجربة طويلة عاشتها في اعماق السياسة و تخومها بمقارنة بترامب الذي لم يمارس السياسة يوماً ، خضع أنصار كلينتون ليضعوا كافة بيضهم في سلة الانتصار دون استصحاب اي احتمال قد سياتي بنتيجة معكوسة . و ربما ترامب كان ليس بتلك وصفة التي سربها الاعلام و اقنع بها اعدائه الدوليين و المحليين الأمريكيين من المسلمين ، الشواذ جنسياً (LGBT) ،
السود ، مهاجري قارة الأمريكا الجنوبية و غيرهم من قواعد الديمقراطين يحتلون رأس الرمح لخطاب الديمقراطين . انما يري المعسكر الاخر انه رجل يحب الحياة بسرورها و بهجتها كما و ينفعل كاخرين قد اثبت لهم ذلك في بعض مقاطع الفيديوهات عارضة حفلات غنائية و مسارح الترفيه و التسلية من
حلبات المصارعة و غيرها من سلوك خصوصياته ، لا تعيبه الوصول الي رئاسة الجمهورية طالما لم تمنعه من الترشح فيها . لذلك حطم كل سدود و موانع حين فرض نفسه منتصراً امام عمالقة مرشحي حزبه ليصبح نجما جمهوريا ساطع لمن
ابي او رضي . ما لا يعلمه الديمقراطيون أنصار كلنتون هي ثمة أغلبية بيضاء التي تشكل اكثر من سبعين في مئة من جملة السكان تري رغباتهم بين ثنايا هذا الخطاب بشعاره (جعل امريكا عملاق) رغم كل العيوب يحملها لسان المرشح وبعض غرائزه العفوية ، الا ان المجتمع البيضاوي مضي نحو :-
{القبول بالهبوط لضرورة تأمين الصعود}. بهذا جزب الرجل رواد التغيير من نوعه مما زاد في بورصته الاسهم السياسية عبر مطبات تشبه بمعجزة متحدياً محاصرة إعلامية أظهرته كرسول الشر. بفوزه ساحق تحولت الانطباعات حوله من غول الي حقائق مجردة بعد الفرز مباشرة ، و هي ان ترمب لا يمثل نفسه بل
عمل ممثلاً لإرادة الحزب الجمهوري و بالتالي إرادة الجمهور الامريكي فسيلزمه حزبه تنظيميا و يروضه وطنه مطيعاً لقوانينه لا يحمل سوي قرار التنفيذ بتعاون مع التشريع بعد فوز حزبه في بيتي التشريع . لا يختلف الاثنان في أولوياته ، اذ ان هموم شعبه التي تختلف جوهرياً من قضايا المهمشين القابعين تحت سطوة الحكام القطط السمان اصحاب النياشين من خُدام مصالح العالم الاول علي حساب شعوبهم كأمثال حكامنا . ربما
يحتكم ببعض السياسات الخارجية لسلفه ، فيما يكنس ببعضها الداخلية كتأمين صحي لاوباما وبعض القوانين في النظام الضريبي الضاغطة لاصحاب روؤس الأموال و اخري تخص وزارة الداخليّة كبوليس مثلاً كما ظهر في اجزاء من خطابه . اما وعيده المكترث بإصلاح النظام المؤسسي في واشنطن ، يري ذلك
الديمقراطيون إعتداءاً علي مؤسسات دولة عميقة و (ما خُفي أعظم). اما نحن نجعل ذلك شأنهم لا يعنينا طالما لسنا من واطئين الجمرة . لكن علينا القراءة لحالة السودان تحت البشير او الجبهة الاسلامية مع إدارة ترامب : هذا النظام عاصر ما تقارب لستة أنظمة أمريكية بكامل فترات حكمها مثني و احادا .
سياسيا ، لم يتصالح ايٌ منها كما لم يصالح النظام شعبه رغم قبولهم منه بكل ما قدم لهم من صنوف العذاب ، فيما يشبه المثل القائل:- العقل الذي يقبل ظلم بلا حدود لا يقل سؤاً عن عقل ظالم . ما عدا نظام اوباما تقارَب معه بمقدار نسبي بمقارنته مع ادارات اخري من قبله بالوقائع التالية:-
نظام الرئيس اوباما التزم صمت القبور عن القضايا الجوهرية السودانية مثلها الإبادة الجماعية في دارفور و تغيير ديمغرافي الذي طال الانسانية و الاخلاق من قبل حكومة الرئيس البشير . بالمقابل ، تنازل السودان عن سيادته بتقديمها علي حساب القضايا الداخلية كل ما طلبته و تطلبه المخابرات المركزية الامريكية ( ال CIA ) . اقول ذلك الرأي المدعوم بكلمة
الرئيس البشير القاها امام ما يسمي بهيئة الشوري لحزبه ، حيث قال فيها ، منذ خمسة عشر عام ، ال CIA ظلت تطالب برفع عقوبات عننا و لكن الادارة التنفيذية لم تقم بذلك . هذه الكلمة كانت تعتبر اكبر دليل علي ان النظام و السي اي آيه ال( CIA)عاشا نزهة جميلة من النسيان عن دنو عذاب القوم و
السهو عن لعنات الشيطان كما زعموا في المشروع الحضاري .
استقرار سياسة السودان في الخليج عبر عاصفة الحزم سهّل للإدارة الامريكية لتحصل علي بعض ملفات باعها نظام الخرطوم كثمن لبقاء النظام في هذه ليلة العرس الخليجي خفف له من الأثقال كانت في ظهره كالضغوط و سكرتير الادارة الخارجية الامريكية جون كيري يحمل للنظام سياسيات ناعمة منذ ان كان سنيتور و وجدت مواقفه مرتعاً خصب في مثالية سياسات اوباما
جعلت للنظام في الخرطوم راحةً لم يجدها من القبل.
برود النظام الاممي في المنظمة الدولية احد أسباب أساسية لتمادي النظام واستمراره في انتهاكات حقوق الانسان بممارسة سياسته القومية و العنصرية عبر قتل ، طرد ، ترهيب و ترغيب ساعياً لإعادة هيكلة اجتماعية للسودان وفاءاً لسياسات بعض المنظمات و طمع وحشي الذي يري السودان مجرد مساحة (
ارض بور) و سلةٍ للغذاء . فهذه السياسة قد وجدت منفذاً للتنفيذ في ظل صراع الدول أعضاء مجلس الامن الدولي علي الاستخدام العشوائي لحق الفيتو بلا ادني مبررات اخلاقية أحياناً .
قد تختلف مواقف هذه الادارة الجديدة اذا جاءت باي من الشخصيات الجمهورية التي خدمت إدارة بوش الابن بما لها من الارث الاخلاقي في اتجاه ضحايا النظام في السودان ، علي الأقل تشهد لهم مواقف قوية مع الصراع في الجنوب والضحايا في دارفور بتحركاتهم الفعالة من تحريك المحكمة الدولية و
حتي و لَو كمثابة مخلب القط و تفعيل المجلس الأمني لإصدار قرارات الدولية أولها نشر القوة الدولية ال( UNMID) و الدعم الإنساني السخي اثناء تهجير قسري للمواطنين .
لكن رغم كل هذا ، هنالك (سرٌ معلن) يسيطر علي كافة مسارات السياسة الخارجية . و هو( المصالح ) . فهذه المصالح قد ترتبط عبر روابط ملتوية مثلها العداء مع إيران ، اكذوبة محاربة الهجرة او عاصفة الحزم كمطلب خليجي لبقاء النظام الذي يقدم رجالاً لحفنة من دنانير و ريالات دفاعاً عن ارض المعدنين ( البترول و الغاز ).
بالنسبة للنظام السوداني ، يراهن علي التطبيع مقابل السلام بقيامه بحملات دبلوماسية قذرة التي أقنعت بها بعض الدبلوماسيين بان النزوح الذي تم كان لغرض تعمير المدن لرفع مستوي معيشي لذا لم يبق امام الحكومة الا تنفيذ الخطوة التالية و هي تخطيط و اسكان النازحين . اما الجوانب الامنية تم
استعواض القوة الجوية التي تحرج الدبلوماسيين بأصواتها و قنابلها علي روؤس الأبرياء بالقوة الارضيّة من الجنجويد المدعومة بالاف سيارات محملة لتقوم بذات المهام الذي تقوم به القوة الجوية باعتبارها عملة ذو ثلاثة
أوجه . الأولي :- لمواصلة مشوار القتل و التهجير لإعادة رسم خارطة ديموغرافية لدارفور .
الثانية :- عرضها للاوروبيين لدغدغة مشاعرهم بإنها قوة ردع سريع للهجرة التي تقلقهم مع ان قيادات هذه القوة هي من تُمارس تجارة البشر و الهجرة
الثالثة:- تلويحها لتهديد الجيش ، بان للبشير لديه عصا اخري لحماية نفسه و كرسيه اذا فكرت المؤسسة بما قام به هو قبل سنين عددا .
اما الثابت في هذه الايام هو زحف اليمين المتطرف في كل العالم الي اتجاه السلطة قد تدفع الكرة الارضيّة ثمناً لتغيرات غير محسوبة .