جون قرنق دي مابيور
ترجمة: أبكر آدم إسماعيل
نيابة عن الشعب الأفريقي في السودان الجديد وعن الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان وبالأصالة عن نفسي، أرسل لكم ألفاً من التبريكات على النجاح الكبير في تنظيم مؤتمر طلاب عموم أفريقيا السابع عشر المقام في الفترة من 28 إلى 29 مايو 2005.
حقا أنها خطوة مرحب بها أن استضاف شعب ناميبيا العظيم هذا المؤتمر تحت مظلة وتضامن حكومة المنظمة الوطنية لشعب جنوب غرب أفريقيا (سوابو).
تحياتي وشكري لجميع أبناء وبنات الأمة الأفريقية في هذا التجمع. حقاً التحية لأخي الأكبر سعادة الرئيس السابق والثوري العظيم، الدكتور سام نجوما ، وفخامة الرئيس بوهامبا.
تحياتي بنفس القدر إلى المبجل ناهاس أنغولا، رئيس الوزراء وإلى نائب رئيس الجامعة وجميع أعضاء هيئة التدريس في جامعة ناميبيا (UNAM)، بما في ذلك المنظمين، وإلى صاحب المقام الرفيع رئيس بلدية ويندهوك، وجميع الشخصيات المهمة والمشاركين والميسرين والضيوف المدعوين والدياسبورا.
أرجو من جميع أبناء وبنات أفريقيا في الوطن وفي الشتات/الدياسبورا أن يقبلوا اعتذاري لعدم حضوري للمؤتمر كما وعدتكم. أنا متأكد من أن ابن قارتنا العظيم، السيد بانكي (بانكي فورستر بانكي ـ المترجم)، سوف يعذرني على غيابي.
تمت قراءة خطاب الدكتور جون قرنق دي مابيور من قبل ممثله الدكتور بارنابا ماريال بنيامين.
وحدة افريقيا:
أنا محارب من أجل الحرية ويجب أن أكون مباشرا. إن رسالة الحركة الشعبية/ الجيش الشعبي لتحرير السودان إلى مؤتمر طلاب عموم أفريقيا الـ 17 هي أن بقاء أفريقيا يكمن في وحدتها. يجب على أفريقيا أن تتحد، ليس كقارة، بل كأمة، وهنا يكمن بقائنا الفردي والجماعي كشعب. لقد فشلنا في الإمساك بالكلمات النبوية للزعيم الأفريقي العظيم، الرفيق كوامي نكروما، وما كان يتوقعه هو الآن وباء أفريقيا. قال كوامي نكروما عن الوحدة:
“إذا لم نقم بصياغة خطط للوحدة واتخاذ خطوات فعالة لتشكيل اتحاد سياسي، فسنقاتل قريباً ونتحارب فيما بيننا بينما يقف الإمبرياليين والمستعمرين خلف الشاشة وهم يحركون مختلف الخيوط، ليجعلونا نقطع حناقات بعضنا بعضاً من أجل أغراضهم الشيطانية في أفريقيا.”
يجب أن يأتي هذا المؤتمر بمنصة انطلاق موثوقة لتوطيد الاتحاد الاقتصادي والسياسي لأفريقيا، وإلا فإن جميع جهودنا المخصصة التي تشبه نشاطات الإطفاء الطارئة ستنتهي في إدارة وإعادة هيكلة التخلف والفقر والبؤس واليأس دون تغييرها.
الرسالة الثانية للحركة الشعبية/ الجيش الشعبي لتحرير السودان إلى هذا المؤتمر تخص إخواننا وأخواتنا الأفارقة الذين سُرقوا منا منذ قرون، والآن في الشتات/الدياسبورا. لقد ساهم الأفارقة في الشتات/الدياسبورا في حركة عموم أفريقيا، خاصة في الأيام الأولى. أسماء كل من دو بويز WEB Du Bois وماركس غارفي Marcus Garvey ومؤخرا مالكم أكس Malcolm X وبوب مارلي Bob Marley تتبادر إلى ذهني.
إن دولة إسرائيل مدعومة، إلى حد كبير، بطريقة أو بأخرى، من قبل بضعة ملايين من اليهود في الشتات. لا تتوفر لدي إحصاءات، ولكن لا بد وأن هناك أكثر من 100 مليون أفريقي في أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية. على الرغم من فقرهم، إلا أنهم كثيرون، وإذا قاموا بالتنظيم بشكل فعّال بدلا عن إظهار المعاناة، حسب شعار مؤتمر عموم أفريقيا السابع، فإن الأفارقة في الشتات يمكن أن يكون لهم تأثير كبير على حركة عموم أفريقيا فكريا وماديا.
يجب أن يعزز هذا المؤتمر التضامن، أو بالأحرى، وحدة الأفارقة في القارة وفي الشتات. يجب على هذا المؤتمر دعوة الأفارقة في أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية للعب دور فعال في النهضة الأفريقية، لتوجيه دور الأفريقيين في الشتات بشكل إيجابي، بما في ذلك في المشاريع التجارية.
طرائق حل مشاكل شعب السودان:
وفي هذا الصدد لتطوير طرائق فعالة لحل المشاكل الأفريقية، طورت الحركة الشعبية/ الجيش الشعبي لتحرير السودان نهجا لإيجاد حل للحرب الأهلية السودانية. وتستند هذه الطرائق إلى مُثل حركة عموم أفريقيا للتغيير الجذري والوحدة والنهضة الوطنية. ليس هناك وقت للدخول في تفاصيل تاريخ السودان وتاريخ الحركة الشعبية/ الجيش الشعبي لتحرير السودان.
أغتنم هذه الفرصة لأؤكد التزام الحركة الشعبية/ الجيش الشعبي لتحرير السودان التام والمخلص بمُثُل حركة عموم أفريقيا، حيث الهدف النهائي لحركة عموم أفريقيا هو الاتحاد السياسي لأفريقيا، وهذا ينعكس في الأهداف الاستراتيجية وتكتيكات الحركة الشعبية/ الجيش الشعبي لتحرير السودان. اسمحوا لي إذن أن أقوم بربط السودان بنضال حركة عموم أفريقيا. لقد كان تاريخ الشعب السوداني هو صراع مستمر بين المضطهَدين والمضطهِدين، بين ضحايا الغزو والغزاة، وبين المستغَلين والمستغِلين. منذ تاريخنا القديم حتى يومنا هذا ، ناضل الشعب السوداني دوما من أجل الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية ومن أجل حياة أفضل.
إن كفاحنا الثوري الحالي، الذي تتزعمه الحركة الشعبية/ الجيش الشعبي لتحرير السودان، هو جزء لا يتجزأ من هذه النضالات الماضية لشعبنا واستمرار لها. لقد كان لجوء الجيش الشعبي لتحرير السودان إلى النضال المسلح في عام 1983 هو استئناف للحروب السابقة قبل وأثناء وبعد الاستعمار. كل هذه الحروب والنضالات كانت تهدف إلى استعادة الكرامة الأفريقية وهوية الأمة التي تم تشويهها على مر القرون.
الخلفية التاريخية للسودان وأفريقيا:
إن بلدنا السودان هو نتاج غير منتهي لعملية تاريخية طويلة. لقد خضع لعملية مستمرة من التحولات والتغيرات الهامة عبر التاريخ – تغيير الهوية، وترابط القوة بين القوى الاجتماعية-السياسية والاجتماعية-التاريخية في أي فترة معينة.
ظهرت حضارات كوش ومصر الفرعونية والدول المسيحية الباكرة والإسلامية والإستعمارية على تراب أرضنا العظيمة، السودان. إذا قمنا بزيارة أروقة التاريخ منذ كوش التوراتية حتى الوقت الحاضر، سنجد أن السودان والسودانيين كانوا دائماً هناك. من الضروري أن نؤكد، وأن يذكّر السودانيون أنفسهم، بأننا شعب تاريخي، لأن هناك جهوداً مستمرة ومتضافرة لدفعنا عن سكك التاريخ. لكن لا يوجد كتاب ذو أهمية من العصور القديمة لم يأتي ذكرنا فيه، أو لا يتم سرد عظمتنا وثراء حضارتنا فيه.
في الكتاب المقدس، أشعياء الفصل 18، نحن أرض كوش، أرض الشعب الأسود وراء جبال إثيوبيا، أرض الشجعان، الشعب الشرس المعتد بذاته، الطويل، ذو البشرة الناعمة، الذي أرسل سفراء إلى القدس بهدايا باهظة الثمن، الشعب الذي غزا مصر وانطلق إلى فلسطين، ولم يُصد من آسيا إلا من قبل جيوش مشتركة من الآشوريين والهيكسوس.
روما القديمة كانت تسمينا أفريقيا، بمعنى أرض السود، في حين أنه بالنسبة للمؤرخين اليونانيين القدماء كنا إثيوبيا، وهذا يعني أرض السود. كما دعونا بالمصريين بمعنى أرض الناس ذوي الشعر الصوفي، وهو ما يحمل نفس معنى أرض السود. في أيام لاحقة، وصف شعب شبه الجزيرة العربية بلدنا “بلاد السود” (بلاد السودان=المترجم)، بمعنى “أرض السود” ، والتي نستمد منها الآن اسم بلدنا، “السودان.”
بلا مواربة ضع اسم “السودان” أو “بلاد السودان” كما سماه العرب، فإنه يعني ببساطة أفريقيا. بالنسبة إلى القدماء، فإن اسماء إثيوبيا ومصر والسودان تعني ببساطة إفريقيا، أفريقيا غير المقسمة، دون حدود داخلية.
لم يكن قد تم تقسيم القارة إلى حدود وفقدت أسماءها الشاملة إلا خلال الاستعمار الأخير في القرن التاسع عشر في أفريقيا، وبالتالي أصبحت إثيوبيا والسودان تعنيان البلدان الحالية التي تم ترسيمها استعماريًا.
مفهوم الأمة الأفريقية:
لقد فقد اسم إفريقيا هويته الأصلية التي تعني “للناس” وأصبح يعني “القارة” بدلاً من “الأمة.” إنني أدعو مؤتمر طلاب عموم أفريقيا السابع عشر هذا إن يُعيد إلى تسمية إفريقيا مضمونها الحقيقي لتعني أمة، “الأمة الأفريقية” بدلاً من “القارة الأفريقية.” دعونا نسأل أنفسنا، ماذا يعني ذلك لحركة عموم أفريقيا؟ لتوحِّد قارة أنت توحد أمة، ولست توحد قارة، وهذه هي الأمة الأفريقية. لقد حان الوقت للأفارقة للتفكير من خلال ما يشكل الأمة الأفريقية. هل جميع أجزاء أفريقيا القارية أجزاء من هذه الأمة الأفريقية؟ الجزيرة العربية لها أمة خاصة بها ، تأسست في جامعة الدول العربية. هل نريد في أمتنا الأفريقية شعوبا منتمية إلى أمة أخرى؟ لقد حان الوقت للشباب الأفريقي ليحدد من سيقود حركة الأمة.
إن مفهوم الأمة الإفريقية يجب أن ينغرز وأن يصبح سلاحًا أيديولوجيًا حيًا للنضال من أجل وحدة الشعب الأفريقي. يجب أن يدرّس مفهوم الأمة الأفريقية مع المهمة التاريخية والمصير في جميع مدارسنا بدءاً من الطفولة، ويجب على الطلاب والشباب الأفارقة الضغط، بما في ذلك المظاهرات، ضد القادة الأفارقة الذين لا يقومون بالترويج الفعال للقضية.
إن الحدود الاستعمارية، التي ورثتها دولنا “المستقلة” حديثًا، عبرت فقط عن الحدود التي تفصل منطقة نفوذ استعماري عن الأخرى، فهي لا تمثل أمماً أو أمة طورتها إفريقيا للأفارقة. قبل الاستعمار، لم تكن إفريقيا تعرف حدودًا. لم تكن هناك جوازات سفر أو بطاقات هوية أو نقاط فحص حدودية أو حواجز جمركية ، إلخ.
قام الاستعمار بتفتيت افريقيا. عند الاستقلال، مثلت الحدود الاستعمارية أمة أفريقية مجزأة. يمكن للمرء أن يقارن أوجه الشبه بين البانتوستانات في جنوب أفريقيا والبلقنة الاستعمارية الجديدة في أفريقيا. سيأتي الوقت الذي ستذهب فيه تلك الحدود، مثل اختفاء البانتوستانات في جنوب إفريقيا. هذه هي مهمة حركة عموم أفريقيا، لإزالة الحدود الاستعمارية.
تم تصميم هذه الحدود لخدمة الاستعمار، وليس الأمة الأفريقية. ولكن على الرغم من معوقات تطور الأمة الأفريقية، فقد كان هناك العديد من القادة الأفارقة الوطنيين ذوي النوايا الحسنة الذين حاولوا بذل قصارى جهدهم لوضع الأمور في نصابها. قاموا بتحليل الموقف بشكل صحيح وعرفوا ما يجب فعله. وشددوا على قضايا مثل “التكوين الوطني” و”بناء الأمة” و”الوحدة الوطنية” كأولويات عليا.
لقد أدركوا أن الدول الموروثة من عهد الاستعمار يجب أن تتحول إلى دول قومية قابلة للحياة ، وشددوا كذلك على ضرورة الوحدة الأفريقية. وليس من المستغرب أن أفضل الآباء المؤسسين لدينا، كانوا من أنصار حركة عموم أفريقيا (Pan-Africanists). الأسماء التي تتبادر إلى ذهني تشمل كوامي نكروما، وجوليوس نيريري، وجومو كينياتا وجمال عبد الناصر، على سبيل المثال لا الحصر. نحن فخورون بهم وسوف تستمر الأجيال القادمة في تكريمهم. لكن “بناء الأمة” و”تكوين الأمة” و”الوحدة الوطنية” أصبحت في الكثير من الحالات شعارات فارغة لأن الأمة الأفريقية لم تكن تتطور من خلال مسارها الخاص، بل من خلال نمط لتكوين الأمم مفروض من الخارج.
هذه الحالة المتشظية للأمة الأفريقية عند الاستقلال تم التمكين لها بشكل طبيعي، أو بالأحرى كان المقصود منها تمكين بعض النخب المحلية اللامبدئية سيئة السمعة، والبلطجية والعصابات الصريحة للاستيلاء على السلطة، متنكرين في ثياب الوطنيين، في الوقت الذي نهبوا فيه الناس في الدول الجديدة وتركوهم معوزين، وذلك بالتعاون مع أولئك الذين أعدوهم ونصبوهم في السلطة. ويتم تذكيرنا بأمثال عيدي أمين دادا والامبراطور بوكاسا، الذي كان يعتقد بجدية أنه كان التجسيد الحقيقي لنابليون بونابرت وقد توج نفسه، وكان التاج وحده يكلف مليوني دولار. سرعان ما أصبح العرفاء والرقباء السابقين في الجيوش الاستعمارية قادة الدول المستقلة حديثًا.
صعود الآفرعرب في السودان:
في بلدنا السودان، لم تكن النخب غير المبدئية التي تولت السلطة بعد الاستعمار هي عصابات من أفراد مثل عيدي أمين وبوكاسا، بل مجموعة اجتماعية معروفة في السودان باسم “الجلابة.” ولكن من هم هؤلاء الجلابة؟ من أين أتوا وكيف تطوروا؟
الجلابة هم مجموعة إجتماعية من (الآفرعرب) نشأت وتطورت منذ القرن الخامس عشر، وهم عناصر من التجار الأجانب والتجار المحليين بما في ذلك تُجار العبيد، والذين أسسوا أنفسهم في مراكز تجارية أصبحت لاحقاً مراكز وبلدات حضرية مُهمة مثل الدويم وأم درمان وسنار. والجلابة في حقيقتهم خليط من العديد من الجنسيات/القوميات الأفريقية المحلية، العرب المهاجرين، الأتراك، الأغاريق والأرمينيين، الذين تفاعلوا وتزاوجوا في عملية تاريخية طويلة جرت بشكل رئيسي في شمال السودان.
الجلابة، إذن، جزئياً أفارقة وسودانيون، ولكنهم اختاروا أن يعرّفوا أنفسهم كعرب، بالرغم من أن بعضهم أكثر سوادا مني. إن الجلابة هم هكذا من يسمون بعرب السودان.
وبسبب قوة موقعهم الإقتصادي والإجتماعي (مقارنة بالجماعات الأخرى) كان الجلابة أكثر تأهيلاً لوراثة سُلطة الدولة عندما “مُنح السودان استقلاله” في عام 1956م. هذا بالإضافة لحقيقة أن الجلابة قد تمت تنميتهم ومساعدتهم بواسطة النظام الإستعماري، وتم إعدادهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة لحيازة السُلطة بلا منازع عندما ينهار الإستعمار المباشر.
لقد أظهر الإحصاء السكاني الاستعماري الأخير الذي أجرته الحكومة الاستعمارية الإنجليزية المصرية عام 1955 أن أولئك الذين سجلوا كعرب يشكلون 31٪ من السكان السودانيين، بينما 61٪ مسجلين كأفارقة. وتم تصنيف نسبة الـ 8 في المائة المتبقية تحت عنوان “الآخرين.” وكان هؤلاء الآخرون في الواقع من غرب أفريقيا، والمعروفين شعبياً في السودان باسم “فلاتا،” وهو تحريف لـ “فولاني.” السكان الأفارقة، بما في ذلك الفلاتا، وفقا لتعداد عام 1955 كان بالتالي 69 ٪ من السكان السودانيين.
والجلابة بالتالي أقلية حاكمة صاحبة إمتيازات. وهذا يفسر لماذا يتبنون أيديولوجيا العروبة والإسلام السياسي ليتخندقوا ويحموا إمتيازاتهم الإقتصادية وموقعهم السياسي والإجتماعي في المجتمع السوداني. إن مأساة الجلابة كمجموعة اجتماعية هي نظرتهم العربو-إسلامية الضيقة وفشلهم الكلي في النظر إلى ما وراء معيار العروبة والإسلام كعاملي توحيد للسودان.
ومع النظرة غير الواضحة إلى حد كبير، فإن الجلابة أصبحوا عاجزين عن قيادة الشعب السوداني نحو إنجاز المهام التاريخية المتمثلة في التكوين الوطني والتحرير الوطني. كان الرئيس السابق دي كليرك في نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا أفضل من رجال الدولة من الجلابة الذين جاءوا وذهبوا في الخرطوم، لأن دي كليرك تعاون مع حزب المؤتمر الوطني الأفريقي لتحقيق حكم الأغلبية في جنوب أفريقيا. الجلابة راكدون فكريا، ومتعصبون لا يتعلمون.
هذا الاستعراض التحليلي القصير للوضع السوداني يظهر مدى تعقيده. قارن بعض المحللين السودان مع نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، واصفين مشكلة السودان بأنها مشكلة العنصرية، وبالتحديد عنصرية العرب أو العرب المزيفين. وقد وصف آخرون مشكلة السودان بأنها مشكلة “استعمار داخلي” حيث يمثل جلابة شمال السودان المستعمِرين وجنوب السودان المستعمَرين ، ولذلك فإن الحل هو تسفية الاستعمار واستقلال جنوب السودان.
وقد وصفها آخرون بأنها مشكلة دينية تميزت بحملة دينية إسلامية في محاولة لأسلمة جنوب السودان وجبال النوبة والمناطق الأخرى المماثلة في الشمال. ومع ذلك، جادل آخرون بأن مشكلة السودان المركزية هي أزمة الهوية. هل السودان بلد عربي إفريقي؟ أم أن السودان جسر بين إفريقيا والعالم العربي كما يدعي الآخرون؟ هذه الأسئلة توجز تعقيد المشكلة السودانية بوضوح.
لقد سألت ذات مرة سياسيا شماليًا شماليًا قياديًا، إذا ما كان يعتبر نفسه عربيًا سودانيًا أم سودانياً عربياً، فوجد السؤال محيرًا! لقد حاولت أن أحلل الموقف السوداني بشكل موضوعي غير عاطفي من أجل تحديد مشكلة السودان بشكل صحيح، لأنه ما لم يتم تشخيص المشكلة بشكل صحيح، فإنه يصعب العثور على الإجابة الصحيحة.
لقد جادلت هنا وأثبتت أن مشكلة السودان هي هيمنة أقلية الجلابة من شمال السودان، ولعدم وجود “لاحقة إيديولوجية (ism)” أفضل، فإنني سأطلق على المشكلة السودانية مشكلة “الجلابوية (Jallabaism).” كيف يمكن نحل مشكلة الجلابوية؟
السودان الجديد:
قدمت الحركة الشعبية/ الجيش الشعبي لتحرير السودان مفهوم السودان الجديد باعتباره الحل الأنسب للحرب الأهلية السودانية والقضاء على الجلابوية. تُعرّف الحركة الشعبية/ الجيش الشعبي لتحرير السودان السودان الجديد بأنه تحوّل اجتماعي-سياسي، وهو قفزة نوعية إلى خارج السودان القديم. إذا ما أمكن إنقاذ السودان وبقاءه كبلد وبالتالي تعزيز أهداف حركة عموم أفريقيا، سواءً كان “الحل” في ظل نظام سياسي مركزي، أو إقليمي، أو فيدرالي، أو كونفيدرالي، فإنه يجب أن نتحرك بوضوح بعيدا عن معالم السودان القديم الذي يتسم بالعنصرية، والطائفية السياسية، والأصولية الدينية، والقبلية والانهيار الاقتصادي المرتبط بذلك، وعدم الاستقرار والحروب، وإنشاء السودان الجديد، الذي هو كيان اجتماعي-سياسي سوداني جديد نتعهده بولائنا غير المنقسم بغض النظر عن من العرق أو الدين أو القبيلة أو الجنس، وهو نظام سياسي سوداني جديد وكومنولث يوفر فرصًا متساوية لكل سوداني/سودانية لتطوير وإدراك إمكاناته/ها.
لقد درست الحركة الشعبية/ الجيش الشعبي لتحرير السودان بعمق المشكلة السودانية وأسبابها الجذرية وتطورها وميولها وآثارها، ومن هذا التحليل قمنا بتطوير رؤية السودان الجديد كحل لمشكلة الجلابوية. كما درسنا واستخرجنا جميع الحلول الممكنة والطرائق اللازمة لتنفيذ وتحقيق رؤية السودان الجديد، وكذلك استيعاب جميع النماذج الأخرى في هذا النموذج المفاهيمي، دون استبعاد أي من هذه الخيارات الأخرى.
نماذج حل مشكلة السودان:
موضوعيا، هناك خمس نتائج محتملة لحل الأزمة السودانية. لقد مثلت هذه الحلول الممكنة في خمسة نماذج مفاهيمية لتسهيل الفهم. وكما قيل: رسم بياني واحد يُغني أكثر من ألف كلمة. سيتم عرض هذه النماذج في الصفحة الأخيرة.
النموذج 1 – نموذج السودان الجديد:
وهذا يمثل الوصول إلى سودان جديد علماني ديمقراطي موحد، كما تتصوره الحركة الشعبية/ الجيش الشعبي لتحرير السودان. يستلزم هذا النموذج التدمير الكامل للسودان القديم واختفائه، ليقوم على أنقاضه، سودان علماني ديمقراطي موحد متعدد الأعراق ومتعدد الثقافات ومتعدد الأديان، والذي نسميه السودان الجديد. وانا أقدم هذا كنموذج من نماذج حركة عموم أفريقيا.
النموذج 2 – نموذج الكونفدرالية:
هذا أيضا نموذج من نماذج حركة عموم أفريقيا (Pan-Africanist). وهو يمثل حالة انتقالية تنطوي على ترتيبات مؤقتة وفترة انتقالية. وينطوي هذا النموذج على تعايش مؤقت بين النظامين، السودان القديم والسودان الجديد، حيث يستمر السودان القديم في العمل في تلك الأجزاء من السودان حيث لم تتطور مقاومته إلى نزاع مسلح وحرب أهلية، بينما في جميع المناطق الأخرى التي توجد فيها حرب، يتم إنشاء إدارة الحركة الشعبية/ الجيش الشعبي لتحرير السودان.
لقد قدمت الحركة الشعبية/ الجيش الشعبي لتحرير السودان نموذج الكونفيدرالية في محادثات أبوجا -2 “كترتيب انتقالي.”
كل دولة كونفدرالية لها سيادة في قوانينها وترتيباتها الأمنية. ومن ثم، فإن قضية الشريعة الإسلامية الخلافية، وأي قضية مماثلة، سوف يتم التعامل معها بشكل منفصل من قبل كل دولة وفقاً لدستورها، ولا يمكن لأي دولة إجبار الدولة الأخرى ضد إرادتها، طالما أن الترتيبات الأمنية منفصلة.
إنها الخصائص والمصالح المشتركة، هي التي تتفق عليها الدولتان الكونفدراليتان وتتعاونا عليها من أجل المنفعة المتبادلة، والتي يمكن أن يتم عليها بناء اتحاد صحي. هذه المنافع المتبادلة وليس الإكراه هي التي تقف أمام الإنفصال التام، كنتيجة للمصالح الذاتية من جانبي الدولتين.
نموذج 3 – نموذج السودان العربي الإسلامي الموحد:
هذا هو نموذج نظام الخرطوم، السودان العربي الإسلامي الموحد. وهو النموذج المعمول به منذ عام 1956 وحتى الوقت الحاضر، والذي أدى إلى 39 سنة من الحرب من 50 عامًا من الاستقلال. وهذا في الأساس نموذج حربي وانفصالي، لأن غير العرب (الأفارقة) وغير المسلمين لا يمكن أن يُتوقّع منهم قبول السودان العربي الإسلامي. سوف يقاومون هذا النموذج ، ويذهبون للحرب وينفصلون في النهاية عن السودان.
هذا هو السبب الذي جعلني أصفه بأنه نموذج حربي، بالإضافة إلى أنه نموذج انفصالي، لأنه يسعى في الأساس إلى إخضاع واستيعاب وإبادة الأفارقة السود وغير المسلمين في السودان، مما يؤدي إلى الحرب وإلى الانفصال.
نموذج 4 – نموذج السودان الأفريقي الأسود العلماني الموحد:
هذا نموذج افتراضي، ولكنه ليس بعيد المنال. وكما قلت من قبل، فإن أولئك الذين سجلوا كأفارقة في إحصاء عام 1955 كانوا 69٪، في حين سجل 31٪ منهم كعرب. إذا كان 31٪ من العرب في السودان يستطيعون الدعوة إلى السودان العربي الإسلامي الموحد، من النموذج 3، وكما ظلوا يفعلون منذ عام 1955، فلا يوجد سبب يمنع 69٪ من الأفارقة في الشمال والجنوب من المطالبة بسودان أفريقي أسود علماني موحد. إن العرب سوف يقاومون هذا النموذج، ويذهبون للحرب وينفصلون في نهاية المطاف عن السودان لأنه سيسعى لإخضاع واستيعاب وإبادة الشعب العربي في السودان، مما يسبب حربا تؤدي إلى الانفصال من قبل العرب. وبما أن الحركة الشعبية/ الجيش الشعبي لتحرير السودان قد وقعت اتفاقية السلام الشامل مع حكومة الجبهة الإسلامية القومية في الخرطوم، فقد تم استبدال خيار الحرب بالاستفتاء عام 2011، حيث سيصوت الجنوب بـ “نعم” أو “لا” للوحدة.
النموذج 5 – نموذج الانفصال الكامل:
هذا هو نموذج الانفصال أو نموذج الاستقلال التام، حيث ينفصل السودان القديم والسودان الجديد نتيجة عدم التوافق التام. يتضح من المخططات أن النموذج 3 و 4 يؤدي إلى النموذج 5 ، في حين أن النموذج 2 يمكن أن يؤدي أيضًا إلى النموذج 5 ، إذا كان مفهوم التحول إلى السودان الجديد قد فشل.
ما سبق ذكره هي الحلول الخمسة الممكنة لحل الصراع السوداني. نطلب من مؤتمر طلاب عموم أفريقيا الـ 17 أن يدعم النموذج 2، الذي يتماشى مع روح حركة عموم أفريقيا. لقد دعمت الحركة الشعبية/ الجيش الشعبي لتحرير السودان مبادرة السلام في إطار النموذج 2.
تدرك الحركة الشعبية/ الجيش الشعبي لتحرير السودان بشكل كامل أنه من أجل تحقيق أي من الخيارات الخمسة للشعب السوداني، أننا يجب أن نكافح من أجل تحقيق التحرير الحقيقي والديمقراطية والعدالة والكرامة في كل بلدنا أو في جزء منها. إن نضالنا هو الذي سيكون العامل الحاسم في نهاية المطاف. لكن التضامن والدعم المعنوي من قبل حركة عموم أفريقيا، ولا سيما دعم النموذج 2 وحق تقرير المصير الذي يتضمنه، سيشدان، إلى حد كبير، من أزر النضال العادل للشعب السوداني، وفي الحقيقة، فإن مثل هذا التضامن مُتوقع من مُحبي العدالة والحرية.
إن النموذج 2 يتعزز كأساس لقيام الدول الإفريقية المستقلة بتحقيق الاتحاد الكونفدرالي في إفريقيا، والذي يمثل مرحلة انتقالية تؤدي إلى اتحاد سياسي إفريقي كامل في نهاية المطاف. الجهود الحالية في التكامل الاقتصادي والثقافي، مثل محاولة إحياء مجتمع شرق أفريقيا، ومنطقة التجارة التفضيلية، والكوميسا ، والهيئة بين الحكومية للتنمية (إيقاد)، ومجتمع جنوب أفريقيا للتنمية، والجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا – كل هذه الجهود جديرة بالثناء ويجب توحيدها ، لكنها ليست كافية.
إنني أحث بقوة مؤتمر طلاب عموم أفريقيا الـ 17 على اعتماد الكونفدرالية كمرحلة تالية من التكامل السياسي الإفريقي وتحقيق أمة أفريقية في نهاية المطاف، مع دمج الأفارقة في الشتات.
وأخيرا أؤكد لكم، مرة أخرى ، التزام الحركة الشعبية/ الجيش الشعبي لتحرير السودان بمثل وأهداف حركة عموم أفريقيا.
أتمنى لطلاب عموم أفريقيا وللأمة الأفريقية المتشكلة تمام الصحة والنمو.