عبدالعزيز النور
قَتل المواطن أبوبكر عثمان يوسف (62 عاما) إختناقا بالغاز المسيل للدموع و إصابة آخر (تاجر شاب) بطلق ناري في الرأس من قبل الأجهزة الأمنية في موكب اليوم و الذي أطلق عليه موكب الوفاء للشهداء (موكب17فيرائر)، و كذلك الحديث عن مقتل الشرطي نجم الدين محمد علي “قبل يومين أول أمس” يجيب على سؤال محوري توسط مجموعة من الأسئلة الإستراتيجية حول سلوك الأجهزة الأمنية و مصير المعتقلين من منسوبي الأجهزة الأمنية كنا قد طرحناها و ما تزال قائمة في متن مقالنا (3 – 10) ضمن هذه السلسلة، حيث أنه لم يعرف بعد حتى الآن عدد الذين تم إعتقالهم من منسوبي الشرطة و الجيش و بعض منسوبي الأمن ممن يقال أنهم رفضوا قتل المتظاهرين السلميين من الشباب السوداني الثائر، إلا أن الحديث عن قتل شرطي في إحدى هذه المظاهرات التي سبق و أن أكدنا و أكد الشارع و ناظر العالم سلميتها يبدو غريبا جدا بناء على موقف أجهزة النظام نفسها، و لكن متى و أين و كيف و في أي آحداث عنف وقع ذلك ؟ هل تحاول الأجهزة الأمنية فرض واقع آخر لتخويف الناس بعد أن فشلت في القيام بذلك عبر الرصاص و القتل المباشر ؟ هل سيتكرر نموذج الطالب عاصم عمر مرة أخرى ليثبت براءة المتهمين في الحالة التي تتحدث عنها إن صحت بعد سنوات كما حدث لعاصم عمر الذي ضيعت السلطات سنين عمره و عطلته و أسرته لتعلن براءته تزامنا مع الحراك الحالي؟ أم هل يعتقد النظام أن تكرار سيناريو عاصم يمكن أن يخمد نار الحراك الجماهيري كما حدث و أن تراجعت إحتجاجات جامعة الخرطوم 2015م بعد إعتقال العديد من الطلاب و فصل بعضهم تعسفيا و إتهام الآخر منهم بقضايا جنائية بينهم الطالب البريئ المذكور.
فيما يتعلق بوزير الداخلية أحمد بلال عثمان و بعد تصريحاته المهادنة بتاريخ 13 فبرائر، كنا قد أشرنا على ضرورة إختبار جدية هذا القول من خلال تعامل الشرطة في موكب14فيرائر و المواكب المقبلة، و لكن سرعان ما فاجأ الوزير مواطني السودان عبر حديثه الملغوم بمقتل شرطي و ضرورة ملاحقة جناة مجهولين و تقديمهم للعدالة دون الحديث عن أعداد القتلى من الشباب السوداني و أرباب المنازل “كما حدث للمواطن معاوية بمدينة بري في موكب17ينائر” و مقتل الدكتور بابكر “الذي قال البشير أنه قتل برصاص غير موجود في السودان بينما إتهم مدير أمنه صلاح قوش إحدى الشابات الثائرات حيث يقول إنها كانت تحمل بندق في حقيبتها” و كذلك مقتل الشاب الثائر الفاتح الذي أصيب في عينه أمام الكاميرات في ذات الموكب ليلقى حتفه متأثرا بذلك إضافة إلى العديد من القتلى بينهم الأطفال محمد خوجلي مصطفى “مواليد 2002م” و محمد الطيب و الشباب عبدالوهاب صالح في موكب 22 يناير بأمدرمان و غير هؤلاء من الشباب الذين تم قتلهم بواسطة أفراد الأمن الملثمين حيث يضج العالم بالفيديوهات التي تظهر أبشع أنواع الإعتداءات و الإنتهاكات التي تمارس من قبل هؤلاء ضد المواطنين السودانيين بالعموم و الشباب الثائر و الأهالى الذين شرعوا أبواهم لإستقبال الشباب على وجه الدقة، كل هذا يظهر عدم جدية وزير الداخلية في خطابه الودودي و يكشف عن خطة مخبأة تفترض وقوع عنف من قبل المتظاهرين بعد أن فشلت الأجهزة الأمنية في جر الشارع للعنف أو إخافته بالرصاص الحي ليأتي رد الشارع “الطلقة ما بتكتل، بكتل سكات الزول”. و لكن هل يستطيع وزير الداخلية أن يظهر لنا و للعالم صورة أو مقطع فيديو يظهر المكان و الكيفية التي قتل فيها الشرطي المذكور؟ أسرة الشرطي نجم الدين تقول أن إبنهم ذهب للعمل في صباح 15 فبرائر الجاري و لم يسمعوا عنه شيئا غير أنهم أحضروه جثة مسجى و مجهزة للدفن، و أكثر من ذلك، بعض من قالوا أنهم أفراد الأسرة يقولون أن إبنهم قتل بواسطة جهاز الأمن نتيجة رفضه لقتل المتظاهرين، بضربة على رقبته؟ الأسرة تقول أن نجم الدين تم إعتقاله مع عدد من أفراد الشرطة و الأمن الذين ذهبوا في إجازات مرضية خوفا من الزج بهم في أعمال عنف ضد المواطنين العزل، فكم عدد أفراد الشرطة و الأمن الآخرين الذين تم إحتجازهم مع الشرطي القتيل و ما هو مصيرهم؟ هل وقع قتل الشرطي في مقر عمله أم داخل إحدى مقرات جهاز الأمن؟ و إذا كان الشرطي قتل بضربة على العنق، كيف لوزير الداخلية و الشرطة أن يقبضوا على عدد من الشباب من بين الآلاف ليوجهوا عليهم تهم بالقتل؟ …الخ من الأسئلة التي تتطلب حصافة قيادة الحراك و إعلامه تفاديا لتكرار سيناريو عاصم عمر و “إشغال الشارع” بهكذا قصص، و كذلك حماية لما تعتقد الشرطة و الأمن أنهم ضالعون في هذه الحادثة المفترضة حتى الآن.
الغريب أن صلاح قوش جاء بطرح مغاير لحدثه السابق “هو نفسه” و حديث وزير الداخلية، و فيما يذهب وزير الداخلية لتجريم الشباب الثائر ذهب صلاح قوش إلى تطييب خاطر أسر الضحايا، حيث قال أن الدولة ستقوم بدفع ديات الشباب القتلى و إعطاء أهاليهم أراضي سكنية أو إستثمارية. حديث صلاح قوش هذا يمكن إستخدامه بصورة مباشرة لمحاكمة صلاح قوش و وزير الداخلية “الذي طالب النائب البرلماني برطم بمحاكمته مطلع الإحتجاجات” بل و الرئيس البشير نفسه الذين قالوا في أوقات سابقة أو هناك مخربين يقتلون المتظاهرين و بالتالي توجب عليهم ضرورة إطلاق سراح طلاب دارفور الذين تم إعتقالهم مطلع عشرينات ديسمبر من العام الماضي بتهمة التآمر و التخابر لمصلحة إسرائيل بجانب تحمل مسئولية قتل بعضهم. محاولة دفع ديات القتلى من المتظاهرين السلميين هي تبرئة لكل المتظاهرين السلميين، القتلى منهم و الأحياء، إذ لا يمكن أن تكرم الدولة من تتهمهم بالخراب و القتل و غير ذلك من الجرائم الخطيرة، و لكن هذا لا يبرر الشباب و يؤكد سلمية الحراك الجماهيري و حسب و إنما يؤكد أن قيادة الأمنية “الأمن و الشرطة و المليشيات” على دراية تامة بالضالعين في مقتل الشباب الثائر، و من الذي يأمر بالقتل، و من الذي يدير الملثمين الذين يقمعون الشباب الثائر و يتحرشون ببنات و أمهات السودان الثائرات و ضرب الأهالي الذين يتركون أبوابهم مفتوحة إنطلاقا من النبل و الكرم السوداني المعروف، و لكن هل يدري صلاح قوش متى يلجأ الناس إلى دفع الدية في القانون؟ ثم أنه من مال من تدفع هذه الديات؟ و لماذا تقتل الدولة أبناءها و تدفع الدية لأهاليهم من الأساس؟ هل يحق لدولة أن تقتل أبناء الشعب و تعوض أهاليهم من ذات مال الشعب الذي هو مالهم، متى شاءت؟ هل هناك أي إختلاف بين هذا السلوك و سلوك عصابات النهب التقليدية، أو بالأحرى، ألم يؤكد ذلك أن الدولة تديرها مجموعة من العصابة و حان الوقت لإقتلاعها….. الواضح أن النظام لا يزال يركز على سيناريو الحل الأمني مهما كلف الثمن دون التركيز على السيناريوهات الأخرى.
أعتقد أن تجمع المهنيين السودانيين الذي يتولى قيادة الحراك الحالي بحاجة إلى تطوير آليات أخرى تعمل على كشف خطط النظام مبكرا و توثيق جميع الإنتهاكات و نشرها بصورة يومية، كما أن على تجمع المهنيين السودانيين إعطاء العمل الدبلوماسي أهمية قصوى و الضغط على البعثات الخارجية في الخرطوم و إجبارها على إتخاذ مواقف واضحة مما يحدث للشارع السوداني من إنتهاكات و تعد غير مبرر، و كذلك على التجمع ضرورة تكثيف الحراك الخارجي الداعم للحراك الداخلي و فرض الحراك السوداني كجند أولى يعتلي أخبار و قضايا وكالات الأنباء و المؤسسات الحقوقية المحلية و العالمية. تطوير آليات محلية و تعلية التاكتيكات يمكنها أن تقلل من الإعتقالات و تزيد من حراك الشارع، و أيضا الحفاظ على إستقلال الحراك بعيدا عن أجندة بعض القوى التي تتأرجح بين الأصل [صفر، صفر] على محوري النظام [السالب] و الحراك الجماهيري [الموجب] سيضمن إستمرارية الحراك و بالتالي تحقيق أهدافه دون أدنى تشويش أو تراجع أو إنشقاق أو تصدع في الشارع، لأن تصاعد وتيرة الحل الأمني و التركيز عليه من قبل النظام لا يمكن أن يحدث دون ولوح نقطة ضوء الرضا من بعض ممن يخططون لركوب موج الحراك و حجز مقاعدهم، سواء أكان ذلك في صف النظام أو ما بعده.