كمبالا – صوت الهامش
قال تقرير نشره موقع (ديلي مونيتور) إنه وفي يوم الخميس 28 يوليو 2005، اتصل زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان جون قرنق هاتفيا بالرئيس الأوغندي موسيفيني وأخبره عن رغبته في لقائه لمناقشة قضايا هامة بشأن اتفاقية السلام الشامل الموقعة مع حكومة الخرطوم في يناير 2005 في نيفاشا الكينية.
ونبه التقرير، الذي اطعلت عليه (صوت الهامش)، أن قرنق يومئذ لم يكن مضى غير ثلاثة أسابيع فقط على تعيينه نائبا أول لرئيس السودان كجزء من تنفيذ اتفاقية السلام الشامل.
وغادر قرنق عاصمة جنوب السودان، جوبا، صباح اليوم التالي الموافق 29 يوليو على متن طائرة من طراز (إليوشن) مستأجرة، ووصل مطار عنتيبي الدولي حوالي الساعة 12 في منتصف النهار.
واستقبله في عنتيبي نائب الرئيس وقتها غلبرت بوكينيا ووزير الدولة للتعاون الإقليمي أوغسطين نشيمي. وتم اصطحابه إلى قاعة كبار الزوار حيث تم الانتهاء من الاستعدادات لنقله جوا إلى مقر الرئيس موسيفيني بمزرعته في رواكيتورا.
وكان موسيفيني قد عاد لموطنه للتصويت في استفتاء على عودة الأحزاب السياسية بعد تعليقها في اليوم السابق.
وبعد ساعة من الانتظار، وقفت الطائرة الرئاسية إلى جوار قاعة كبار الزوار واستقلها قرنق وكان في وداعه كل من بوكينيا ونشيمي، فيما ظلت طائرة قرنق المستأجرة في مكان الانتظار بالمطار؛ وكان من المتوقع أن يستقلها قرنق في رحلة العودة الساعة 6 مساءً.
وكنائب أول لرئيس السودان، وهو منصب لم يشغله سوى ثلاثة أسابيع فقط، كان من حق قرنق أن يستقل طائرة تابعة للدولة، لكن مصادر تقول إنه لم يخبر حكومة الخرطوم بشأن زيارته لأوغندا.
وتشير تقارير أنه أخبر الخرطوم أنه قد يمضي عطلة نهاية الأسبوع في منطقة (نيو كوش)، الحدودية مع كينيا، وهي منطقة كان يستخدما قرنق إبان الحرب الأهلية كمقرّ له لما تتميز به من غابات تجعل من الصعب على الطائرات السودانية قصفها.
لكن ما حدث أن قرنق قضى يومين في رواكيتورا، طبقا لرواية قالها موسيفيني في مراسم جنازة ضحايا تحطم الطائرة في كولولو.
محادثات رواكيتورا
أثناء نفس مراسم الجنازة، قال الرئيس موسيفيني: “صديقي الفقيد اتصل بي يوم الخميس (28 يوليو) وقال إنه يريد التحدث إليّ بشأن بعض القضايا البالغة الأهمية حول شعبه وأفريقيا وما غيرها …”
وقضيا (موسيفيني وقرنق) اليومين سويا. وناقشا اتفاقية السلام الشامل الموقعة في يناير من نفس العام بين السودان والجيش الشعبي لتحرير السودان، وهي الاتفاقية التي وضعت نهاية للحرب الأهلية الثانية التي بدأت عام 1983.
ونصت الاتفاقية على إعطاء فترة مؤقتة مدتها ست سنوات، في نهايتها يحق للشعب في جنوب السودان التصويت على استفتاء تقرير المصير للاختيار بين البقاء مع السودان أو الانفصال.
وفي 9 يوليو 2011، ستنتهي الفترة المؤقتة وسيصوت الجنوب لكي يصبح أحدث دولة في العالم، بعد ست سنوات من مقتل جون قرنق.
ونقلت وسائل الإعلام عن الرئيس موسيفيني، الذي دعم بقوة الحركة الشعبية لتحرير السودان لسنوات، القول إن قائد الجيش وقتذاك، الليفتنانت جنرال أروندا نياكايريما، كان قد تم استدعاؤه بعد ذلك لحضور الاجتماع في رواكيتورا.
ثمة قليل من المعلومات حول ما تم مناقشته في الاجتماع يوم 8 أغسطس. وقال موسيفيني لمن حضروا جنازة الضحايا الأوغنديين في رحلة كولولو إن المحادثات جرت عن مفاوضات الحركة/الجيش الشعبي لتحرير السودان مع الخرطوم وكيف أن مبعوث السلام للرئيس الأمريكي وقتها جورج بوش الإبن، وهو جون دانفورث، كان قد مارس ضغوطا على قرنق قبل توقيع اتفاقية السلام الشامل.
وقبل توقيع الاتفاقية، كان قرنق قد أصر – وأخبر إدارة الرئيس بوش- أن ثمة قضايا أساسية لم يتم التوصل لتسوية بشأنها، ومن ثم لم يكن الوقت المناسب قد حان لتوقيع الاتفاقية.
وسيكتب الرئيس موسيفيني بعد ذلك للرئيس بوش، موضحا موقف قرنق ووافق الرئيس الأمريكي على وقف الضغوط على قرنق للتوقيع على الاتفاقية.
حتى لقد استغرق موسيفيني وقتًا أثناء مراسم الجنازة لتوبيخ الغرب على ممارسة ضغوط على قرنق من أجل توقيع اتفاق سلام طالما أن الأطراف لم يكونوا قد توصلوا إلى اتفاق بشأن قضايا أساسية.
الرحلة الأخيرة
كان من المفترض للاجتماع أن ينعقد بعد ساعات قليلة يوم الجمعة وأن يسافر قرنق بعدها عائدًا في نفس اليوم. لكن ما حدث أن جدول الأعمال تغيّر وأُعطيتْ تعليمات لطائرة قرنق المستأجرة بالإقلاع عائدة في المساء الذي وصل فيه. على أن يتم تنظيم رحلة عودته في اليوم التالي (السبت) من جانب مضيفه (موسيفيني).
وبعد اجتماع السبت، كان من المفترض أن يسافر قرنق مباشرة إلى نيوكوش في جنوب السودان، وليس جوبا التي أقلعت منها الطائرة التي وصل على متنها إلى أوغندا. ووقعت مهمة إعادة قرنق على طيار المروحية الرئاسية، اللفتنانت كولونيل بيتر نياكايرو.
وطبقا لمصادرنا، يقول التقرير، فإن نياكايرو لم يفضل فكرة الطيران مباشرة من رواكيتورا إلى نيوكوش لأنه لم يكن يرغب في حمل وقود كثير.
وقرر الطيار أن يطير من رواكيتورا إلى عنتيبي ثم بعد ذلك يواصل إلى رواكيتورا.
وأخبر الرئيس موسيفيني من حضروا مراسم الجنازة في كولولو أنه وقبل إقلاع الطائرة، جلس قرنق ونياكايروتحت شجرة وتحدثا بشأن الرحلة.
وقال موسيفيني إن المروحية (إم آي-172) مزودة بخزانات وقود إضافية وكانت قد خضعت لتحديث مؤخرا. وفي وقت سابق يوم الخميس، كان موسيفيني قد استقل تلك الطائرة نفسها إلى عنتيبي وعاد أدراجه إلى رواكيتورا قبل أن يستخدمها قرنق.
وقال موسيفيني، خلال الجنازة، ” أخبرت قرنق أن الطائرة كانت معدة بشكل جيد جدا بإمكانيات حديثة. كما أنها مزودة بخزانات وقود إضافية. وكان نياكايرو واثقًا لكنه لم يحبّذ فكرة حمل الكثير من الوقود”.
وأقعلت الطائرة الساعة 5:30 مساءً، قبل غروب الشمس بساعة ونصف، ونصح موسيفيني بأنه إذا كان الوقت قد تأخر، فإن قرنق يمكن أن يقضي ليلته في أوغندا حيثما يشاء.
ومن رواكيتورا، هبطت الطائرة في عنتيبي للتزويد بالوقود قبل الإقلاع متجهة إلى نيوكوش. وعلى متن الطائرة كان ثمة 3 من طاقم الطائرة ومضيف طيران و9 آخرين بينهم نياكايرو.
وكان السودانيون على متن الطائرة: قرنق، والليفتانت كولونيل ماين والليفتنانت كولونيل أمات مالوا، والليفتنانت أبوكي أبور، والليفتانت جوما مايين، واللفتنانت ماجوك دينغ كناين.
أقلعوا جميعا من عنتيبي واتجهوا صوب جنوب السودان على أمل أن تكون الرحلة آمنة، لكن بعد ساعة واحدة، اختفت الطائرة عن شاشة الرادار. وليس واضحا ما هو التوقيت الدقيق لغياب الطائرة عن شاشة الرادار، لكنها تحطمت في جبال زوليا على مسافة 11 ميلا من الحدود الأوغندية.
ذعر وبحث
فور افتقاد الطائرة، قال موسيفيني إنه اتصل بزوجة قرنق، ريبيكا نياندنغ قرنق وبقيادة الحركة/الجيش الشعبي لتحرير السودان.
وبعد مكالمته الهاتفية، عقدت قيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان اجتماعا طارئا في مدينة رومبيك حيث استبد بهم القلق.
في نفس التوقيت، لم تكن الخرطوم أيضا متأكدا بشأن ما وقع. كان قرنق للتو قد وقّع اتفاقية سلام لتقاسم السلطة لكن بعض قادة الحركة الشعبية لتحرير السودان أرادت التراجع عن الاتفاق وعدم تقاسم السلطة مع الخرطوم.
وكان ثمة احتمالية أن تتراجع هذه الأصوات الرافضة لتقاسم السلطة مع الخرطوم عن الاتفاقية.
وأجرت الخرطوم اتصالات مكثفة في محاولة لمعرفة ما يحدث في اجتماع الحركة الشعبية لتحرير السودان في رمبيك.
وشرعت قوات من الجانبين الأوغندي والسوداني في البحث عن الطائرة المفقودة صباح يوم الأحد. وفي يوم الاثنين، قال موسيفيني إن البحث مستمر في كيديبو دونما الوصول إلى نتيجة.
وفي وقت لاحق يوم الاثنين، تم العثور على حطام الطائرة بلا ناجين. وزار محققون من كل من الحركة الشعبية لتحرير السودان وأوغندا والولايات المتحدة وروسيا وكينيا – موقع حطام الطائرة، وفحصوا الجثث واستعادوا الصندوق الأسود.
وصدرت تقارير تقول إن الطيار حاول عمل هبوط اضطراري في منطقة نيوكوش بجنوب السودان لكنه فشل بسبب سوء الطقس واتجه عائدا صوب الجنوب. وقال موسيفيني إن تقارير الطقس تحدثت عن أمطار في المنطقة.
ثم تم نقل جثمان قرنق إلى نيوكوش لكي يوفّ المقاتلون والمدنيون الموالون بالواجب عليهم تجاه قائدهم الذي أقسم على القتال حتى الموت في سبيل تحرير السودانيين ذوي البشرة السوداء.
وحذر موسيفيني وسائل الإعلام الأوغندية من الخوض في شؤون حادث التحطم دون الرجوع للمسؤولين. ووصف موسيفيني بعض هذه الوسائل الإعلامية بالجشعة، كما أغلق محطة إذاعة (كي إف إم) وأعطى أوامر بتوقيف أحد الضيوف على أثيرها الذي زعم مسؤولية أوغندا في مقتل قرنق.
وكلف موسيفيني بتدشين فريق للتحقيق في الحادث، وزار الفريق موقع تحطم الطائرة وقام بتحليل بيانات الحادث.
تقرير عن الحادث
وبعد عام صدر تقرير هذا الفريق. وقد سجل التقرير سلسلة من الأخطاء على الطيار في حادث التحطم منها: اتخاذه قرار الطيران دون التزود بمعدات مناسبة لمواجهة الطقس السيء، وفشله في تقدير الأبعاد الأفقية والرأسية اللازمة للقيادة في مثل هذا الطقس والتضاريس السيئة.
قرنق ورحلة قدرية الوصول
يوم الخميس الموافق 29 يوليو 2005، قرنق يصل عنتيبي للقاء موسيفيني لبحث قضايا هامة.
مروحية رئاسية بعد ساعة ونصف انتظار في قاعة كبار الزوار، يستقل قرنق طائرة إلى رواكيتورا للقاء موسيفيني .
قُضي قرنق يومين في رواكيتورا مع موسيفيني. ثم يحضرقائد الجيش أروندا نياكايريما جانبا من الاجتماع.
العودة إلى عنتيبي
بعد لقاء موسيفيني، قرنق يستقل طائرة عائدًا من رواكيتورا يوم 30 يوليو 2005، مع التوقف في عنتيبي للتزود بالوقود في طريقه إلى نيوكوش بجنوب السودان.
غياب عن شاشة الرادرار
تقلع المروحية من عنتيبي متجهة صوب جنوب السودان على أمل الوصول بسلام لكن بعد ساعة تختفي الطائرة عن شاشة الرادار.
لا ناجين
يوم الاثنين، تم العثور على حطام المروحية بلا ناجين. زار محققون موقع تحطم الطائرة وفحصوا الجثث واستعادون الصندوق الأسود.