عبد القادر محمد علي
تكررت في الآونة الأخيرة إعلانات لوفاة شباب سوداني في بؤر القتال الساخنة لتنظيم الدولة، ترافق ذلك مع ارتفاع شكاوى الأهالي من ظاهرة اختفاء أبنائهم من الجنسين والتحاقهم بالتنظيمات الجهادية في مناطق مختلفة، ولا سيما أن هذا البلد الشرق أفريقي محاط ببؤر مشتعلة في أكثر من جار كمصر وليبيا، وغير بعيد عنه مالي والصومال والنيجر.
عزا وليد الطيب، المحاضر في جامعة أفريقيا العالمية، هذه الظاهرة لـ”مناظر الدمار الهائل في سوريا، ودخول إيران وحزب الله إلى صف النظام في قتل الشعب السوري ممّا أثار حمية الشباب”، موضحاً لـ”الخليج أونلاين” أنّ “هذا الحال هو الغالب على الشباب اليافعين من طلاب الجامعات الذين ليس لهم تاريخ جهادي سابق، أو حتى انتماء صريح إلى التيارات الإسلامية بأسمائها واتجاهاتها كافة”، مشيراً إلى أن “إعلان الخلافة كان عاملاً محرضاً آخر لما يختزنه هذا الشعار من أشواق وآمال وتاريخ لمشروع طالما بشر به الإسلاميون، بالإضافة إلى المتحولين إلى داعش من القاعدة ذات الوجود الأقدم في البلاد”.
– جهاديو السودان بالأرقام
أعلنت وزارة الداخلية السودانية أن من التحق بصفوف داعش العام الماضي يبلغ 70 من الشباب والشابات بعضهم من طلبة الجامعات، غير أن الصحفي المتخصص في الحركات الإسلامية، الهادي محمد الأمين، كان له رأي آخر، مؤكداً لـ”الخليج أونلاين” أن “من الصعوبة بمكان تقديم إحصائية دقيقة بالعدد الكامل، وأن العدد أكبر ممّا ذكرته الحكومة إذا أضفنا اليه المجموعات السودانية في جماعة بوكو حرام بنيجيريا وحركة شباب المجاهدين بالصومال، والشباب في الفصائل المقاتلة تحت لواء (الملثمون) و(الموقعون بالدماء) وحركة أنصار الدين بمالي بغرب أفريقيا، بجانب الشباب السوداني في داعش فرع ليبيا وقد جاء تعدادهم في المرتبة الثالثة ضمن صفوف داعش بعد التونسيين والماليين، حيث قدر عددهم بنحو 450 سودانياً”.
– التيار الجهادي السوداني ومخاطره المحلية والخليجية
ورغم تكفير التيار الجهادي للحكومة السودانية “لعدم التزامها بتطبيق الشريعة الإسلامية”، إلا أن الواضح أنه لا يعمل على الاصطدام بالنظام القائم وأنه يتوجه إلى القتال في البؤر المشتعلة خارج البلاد؛ ما يخلق العديد من الأسئلة ما إن كان للتيار استراتيجية مفتعلة لتصدير الأزمة أم أنه ظاهرة طبيعية نتيجة المتغيرات المحيطة، فبحسب الدكتور وليد الطيب “فإن هذا التيار لا يشكل خطراً على الأمن في السودان والخليج؛ لأن هذا التيار ما يزال مجموعات متفرقة وقليلة العدد، ولا تجد دعماً من المحيط الاجتماعي السوداني”، ويوافقه الهادي محمد الأمين الذي يؤكد أن “مخاوف منظومة التعاون الخليجي من النشاط الشيعي في السودان كانت أكبر من انزعاجها من مخاطر الجهاديين السودانيين الذين يقاتلون مع القاعدة أو داعش”.
https://www.youtube.com/watch?v=PKeWjwHk5uQ
وقد شهدت البلاد بعض الحوادث المتفرقة التي كان بطلها التيار الجهادي السوداني كمجزرة مسجد الشيخ أبو زيد 1994 التي خلفت عشرات القتلى والجرحى، وكانت أول حادثة في تاريخ البلاد ترتبط بدوافع دينية، واغتيال الدبلوماسي الأمريكي جون غرانفيل 2008، إلا أن هذه الحوادث لا ترقى إلى تشكيل تهديد حقيقي للأمن القومي السوداني، ولذلك فإن هذا التيار يأتي في مرتبة متأخرة من حيث الأولويات الأمنية بالنسبة للحكومة السودانية، بحسب الهادي محمد الأمين الذي يرى أن الخرطوم تضع في رأس أولوياتها التمرد والحرب الأهلية في دارفور والنيل الأزرق ثم المعارضة بشقيها العسكري والمدني، يليها ملف الإرهاب والتطرف الديني.
ولذلك فالحكومة السودانية لا تكتفي بالمعالجة الأمنية العنفية لهذا الملف، كما حدث مع مجموعة من الجهاديين أقامت معسكراً للتدريب على السلاح في محمية الدندر الطبيعية جنوب أواسط السودان 2012، بل تتبع أيضاً مسارات قانونية من خلال الاعتقال والمحاكمة، إلى جانب فتح أبواب الحوار الفكري الشرعي عبر انتداب العلماء المناقشتهم ولا سيما من شيوخ التيار السلفي، بحسب الهادي محمد الأمين.
– نشأة التيار الجهادي في السودان
ارتبط ظهور التيار الجهادي في السودان بعوامل متعددة أهمها عاملان: نهاية حقبة الجهاد الأفغاني وما رافقه من علو نجم الأفكار الجهادية وبحث الأفغان العرب عن ملاجىء تحتضنهم، والعامل الآخر تمثل في قيام ثورة الإنقاذ 1989 صاحبة “المشروع الحضاري الإسلامي” التي رفعت راية الجهاد ضد متمردي الحركة الشعبية في الجنوب، والتي فتحت، بحسب الهادي محمد الأمين، “أبوابها للإسلاميين والأصوليين الراديكاليين والمجاهدين الأفغان وعلى رأسهم أسامة بن لادن وأتباعه”، وقد تمكنت هذه المجموعات من استقطاب شباب بعض التيارات الإسلامية الأخرى ولا سيما السلفية العلمية.
ويرى وليد الطيب أن أحداثاً مثل 11 سبتمبر وسقوط بغداد بيد الاحتلال الأمريكي 2003، والتدخل الأثيوبي في الصومال وإسقاط المحاكم الإسلامية في مقديشو 2006، والحرب الطاحنة في سوريا وتدخل حزب الله وإيران فيها إلى جانب نظام الأسد، مثلت “لحظات فاصلة في تحول هذا التيار من القناعة الفكرية للمارسة العملية، فرأينا ظاهرة توجه الشباب السوداني للقتال بجانب تيارات تتبع للقاعدة.. ولكن بعد ظهور داعش تحول بعض هذه الرموز إلى التأييد المطلق، بل وبذل البيعة الصريحة لمعلنة لداعش وأميرها البغدادي”.
– زعامات التيار
يتمتع هذا التيار بقدر من الظهور العلني في البلاد يرى كثيرون أنه ناتج عن وجود نوع من المرونة في السياسة التي يتبعها النظام السوداني في تعامله مع هذا التيار، ويرى الباحث عباس محمد صالح عباس في تصريحه لـ”الخليج أونلاين” أن “أغلب المتأثرين بفكر تنظيم الدولة الإسلامية يكونون في السر”، في حين أن القيادات الفكرية والتنظيرية أوضح ظهوراً مثل الشيخ سعيد نصر، والشيخ مساعد السديرة الذي بايع البغدادي خليفة للمسلمين، والشيخ فخر الدين الزبير، و”جمعية “الاعتصام بالكتاب والسنة” وهي في الأصل مجموعة منشقة عن إخوان السودان تبنت المنهج السلفي العلمي والجهادي بشكل كبير، واعتقل عدد من أتباعها بتهمة إرسال شباب للقتال مع المجموعات الجهادية بالخارج” بحسب تعبير الأستاذ عباس.
ويضيف وليد الطيب أن من الأسماء المثيرة للجدل في هذا التيار “الشيخ الشاب محمد علي الجزولي أبو همام، وإن كانت مواقع الجهادية على شبكة الإنترنت تتهمه بالعمالة لأجهزة مخابرات لم تسمها”.
وهذه التيارات تنشط بين جهد دعوي تبشيري بالفكر الجهادي، ونشاط تحريضي يعمل على تشجيع الشباب على الهجرة إلى البؤر الساخنة كسوريا والعراق ومالي والصومال، غير أن هذه التيارات ليست “بالتنظيم العلني الهياكل والبناء القيادي، بل هو بناء معلن من حيث القيادة الفكرية، ومجهول من حيث التنظيم الذي يتولى الجانب التنفيذي” بحسب ما أفاد وليد الطيب لـ”الخليج أونلاين”.
ونتيجة لعوامل متعددة من أهمها محدودية هذا التيار ومحاولة الدولة والاتجاهات الإسلامية الأخرى تطويقه، فإن هذا التيار، على ما يبدو، لن يكون له كبير وجود في السودان مستقبلاً، إلا أن وقوع تطورات دراماتيكية كانهيار الدولة وغرق المجتمع السوداني في مستنقع العنف، سيجعل من هذا التيار، كما يرى متخصصون، أبرز الحاضرين على الساحة في السودان لقدرته على استقطاب العناصر السلفية وذات الميول الجهادية في الحركة الإسلامية الواسعة الانتشار في البلاد.
المصدر : الخليج أونلاين