لندن : صوت الهامش
نشر (موقع أفريكان أرجيومنتس) تقريرا أكد أن حالة الاقتصاد السوداني عانت ترديا فعليا منذ رفعت الولايات المتحدة العقوبات عن البلاد في أكتوبر الماضي.
ورأى التقرير، الذي اطلعت عليه (صوت الهامش)، أنه إذا كانت العقوبات قد حبست الاقتصاد السوداني بدرجة ما، فإن سياسات حكومة الخرطوم قد حبسته بدرجة أكبر.
وعاد التقرير بالأذهان غداة رفع العقوبات في السادس من أكتوبر، والتوقعات التي صاحبت ذلك في الداخل والخارج من أن اقتصاد السودان سينمو بعد رفع العقوبات؛ حيث سيُسمح بالعمل في السودان للشركات الأجنبية التي كانت محظورة، كما ستتمكن البنوك السودانية من إتمام معاملاتها بالدولار ومن العودة إلى الاتصال بالنظام المصرفي العالمي.
لكن الواقع، بحسب التقرير، يؤكد أن الاقتصاد السوداني لا يزال يسجل مكاسب ضئيلة مقابل مشكلات جمة تعترض طريقه. وأكثر هذه المشكلات وضوحا يتأتى من السياسات الاقتصادية غير المدروسة من جانب حكومة الخرطوم؛ لا سيما فيما يتعلق بإنفاقها الضخم في قطاعَي التسليح والأمن على حساب الاستثمار في قطاعات الرعاية الصحية والإسكان والتعليم والبنية التحتية.
ونبه التقرير إلى أنه ريثما تعتمد حكومة الرئيس عمر البشير إصلاحات اقتصادية ذات أهمية، ستظل عملية رفع العقوبات عديمة الأثر على صعيد تحسين الاقتصاد أو تحسين حياة معظم السودانيين.
وأشار التقرير إلى أن قيمة الجنيه السوداني غداة رفع العقوبات شهدت تحسنا قصير الأجل سرعان ما اختفى واستمرت قيمة العملة في الهبوط حتى وصلت في الـ 17 من نوفمبر المنصرم مستوى تاريخيا في السوق الموازية (السوداء) حيث وصل سعر الدولار الأمريكي 28 جنيها سودانيا، فيما ظل سعر الصرف الرسمي عند 8ر6 جنيهات سوداني مقابل الدولار، وقد أغلقت العديد من الشركات تداولها مسجلة خسائر فادحة بسبب تدني قيمة العملة.
ورأى التقرير أنه من الواضح أن حكومة السودان مرتبكة ؛ فبعد إلقائها بتبعة تراجع القيمة العملة على متداولي الذهب، أعلن وزير المالية محمد عثمان الركابي أن شركات الدولة سوف لا تتمكن من طلب العملة الصعبة وأن الحكومة ستعمل على الحد من تحويلات العملات الأجنبية.
الأكثر إحباطا من ذلك، بحسب التقرير، أن تراجع قيمة العملة جاء بعد أيام قلائل من إعلان حكومة الخرطوم عن خطط لتقليص الفارق بين أسعار الصرف الرسمية وغير الرسمية للعملة؛ ثم عمدت الحكومة آنذاك إلى توقيف عدد من تجار العملة الرئيسيين وأصدرت مذكرات توقيف بشأن البعض المقيمين خارج البلاد.
ونوه التقرير عن أنه بالإضافة إلى تراجع قيمة الجنيه السوداني، فإن معدلات التضخم أيضا لا تزال مرتفعة؛ وقد تجاوزت نسبة 35% في سبتمبر وحافظت على مستويات قريبة منذ ذلك الحين. وقد أسهم ذلك في استمرار ارتفاع أسعار البضائع في أنحاء البلاد؛ كما أن معدلات البطالة لا تزال تمثل مشكلة، وتقدّر الحكومة معدل البطالة بنحو 20% في حين يرى الكثير من الاقتصاديين أن النسبة الحقيقية أكبر من ذلك بكثير.
علاوة على ما تقدم، فإن الفساد متوطن في السودان، بحسب التقرير الذي رصد اعتقال السلطات السودانية صحفيَين وإدانتها لهما بعد أن قاما بنشر تقرير حول تورّط أعضاء من عائلة الرئيس البشير في أنشطة فساد تجارية؛ فيما تحتل السودان مركزا قريبا من القاع على قائمة الشفافية الدولية مسجلة المركز رقم 170 من أصل 176.
وردًا على مَن يلقون تبعة تردّي الأوضاع على عاتق العقوبات، وعلى رأسهم الرئيس البشير، قال التقرير إن سياسات الحكومة السودانية هي التي قوضت النمو وثبّطت الاستثمار؛ كما أن العقوبات لم تضطر البشير إلى إهدار عائدات النفط على نحو قفزت معه موازنة الحكومة من قرابة مليار دولار عام 1999 إلى 11 مليار دولار عام 2008. كما أن العقوبات لم تجبر حكومة البشير على تخصيص نسبة 70% من الميزانية لقطاعَي التسليح والأمن، حتى في ظل حقيقة أن نصف الشعب السوداني يعيش تحت خط الفقر العالمي.
ورأى التقرير أن تصرفات الحكومة السودانية منذ رفع العقوبات الأمريكية لا توحي بأنها بصدد تنفيذ إصلاحات اقتصادية كفيلة بإفادة معظم أبناء الشعب السوداني؛ ففي أكتوبر المنصرم عاودت الحكومة تخصيص نحو 75% من ميزانية الدولة للدفاع والأمن.
وبحسب التقرير، فإن البلد يحتاج إلى إصلاحات اقتصادية، كما أكد صندوق النقد الدولي في سبتمبر بأن آفاق الاقتصاد السوداني معقودة على إصلاحات جريئة وواسعة النطاق لإقرار الاقتصاد وتعزيز النمو.
ورصد التقرير تساؤل بعض المراقبين، ومنهم مبعوثة الاتحاد الأوروبي الخاصة السابقة إلى السودان، روزاليند مارسدن، عما إذا كان الإصلاح الاقتصادي في السودان ممكنا بدون إصلاح سياسي حقيقي؟ بكل الأحوال هذا غير ممكن.
ورأى التقرير أن هذه الحقيقة تؤكد الحاجة إلى دفْع حكومات الولايات المتحدة وغيرها إلى الاستمرار في ممارسة الضغوط على حكومة السودان لاتخاذ خطوات ملموسة لتحسين أوضاع حقوق الإنسان بما في ذلك الإصرار على اعتماد أساليب أكثر ديمقراطية واستيعابية في إدارة شئون الحكم وسيادة القانون في بلد حبته الطبيعة بموارد غنية وثروات وفيرة.
على الأقل، بحسب التقرير، لم يعد الرئيس البشير قادرا على إلقاء تبعات الأداء الاقتصادي الكارثي على عاتق العقوبات الأمريكية؛ وفي هذا ما يكفي لكي يقوم المواطنون السودانيون بإخضاع البشير ونظامه للمساءلة.